لا شك أن الوثائقيات مادة معرفية غاية في الأهمية، فهي تعرض المعلومات في صورة قريبة للقارئ العام، مدعومة بصريا ومُقدَّمة في سياق قصصي يساعدك على تجاوز الملل المعهود للتعلُّم. وأكثر الوثائقيات دسامة هي السلاسل الكاملة، التي تجمع بين العمق المعرفي بسبب طولها والجاذبية بسبب طبيعتها البصرية، بل ويمكن القول إن سلسلة وثائقية واحدة تُغنيك عن قراءة كتاب للمبتدئين في النطاق نفسه.
ولأن الجزيرة الوثائقية هي المنصة العربية الأهم والأكثر إنتاجا في نطاق الوثائقيات، كان ضروريا بالنسبة لنا في قسم العلوم بـ "ميدان" أن نُسلِّط الضوء عليها، لنُقدِّم منها مجموعة من سلاسل الوثائقيات العلمية التي تستحق فعلا أن تقضي بعضا من وقتك معها. دعنا كذلك نوضِّح أن إنتاج الجزيرة الوثائقية في الوثائقيات العلمية غزير، لكننا ركَّزنا على السلاسل، خاصة تلك التي يمكن أن تتابعها على الإنترنت.
حسنا، لنبدأ بالمحاكاة الحيوية (Biomimetics)، وهي تقليد النماذج والأنظمة وعناصر الطبيعة لغرض حل المشكلات الإنسانية المُعقَّدة، الطيور تطير فنُقلِّدها ونصنع الطائرة، لكن هذا الوثائقي من الجزيرة الوثائقية يتعمَّق، في 5 حلقات طويلة، في صفات للطبيعة تُعَدُّ خارقة بمعاييرنا التقنية، منها مثلا كيفية الالتصاق دون لاصق، ومنها خصائص مثل الحركة والمقاومة والبنية. أربعة مليارات ونيف من السنوات قضتها الكائنات الحية في التطور، ساعدتها على التكيُّف بصورة مدهشة مع بيئاتها، لذلك فإن تقنياتنا البشرية، ونحن بعمر ثلاثمئة ألف عام فقط (أو ربما أكثر قليلا)، تُعَدُّ لا شيء مقارنة بكل هذا الإبداع.
دعنا الآن نتعرَّف إلى "مختبر العلوم"، وهي سلسلة بدأت قناة الجزيرة الوثائقية في إضافتها على يوتيوب مؤخرا، تُقدَّم في 9 حلقات لفئة عمرية متنوعة تبدأ من المراهقة لكنها لا تنتهي عندها، حيث يمكن للجميع التعلُّم منها. للوهلة الأولى تبدو الحلقات منفصلة، لكنها متصلة في سياق "أساسيات العلوم للمبتدئين"، ومن ضمن 12 حلقة من السلسلة صدرت إلى الآن كانت 8 منها في أساسيات الفيزياء، حلقة عن الجاذبية وأخرى عن ميكانيكا الموائع وحلقة عن ميكانيكا الكم وغيرها، أما بقية الحلقات فكانت في نطاقات الرياضيات والجيولوجيا والبيولوجيا.
هذه واحدة من أروع ما قُدِّم في تاريخ العلوم العربية، إنها مجموعة من الحلقات يُقدِّمها جميل صادق المعروف باسم جيم الخليلي، وهو فيزيائي وكاتب ومذيع عراقي بريطاني، وأستاذ الفيزياء النظرية ورئيس قسم المشاركة العامة في العلوم بجامعة سري، وهو أيضا واحد من أشهر مُقدِّمي الوثائقيات في العالم. في هذه السلسلة، يُركِّز الخليلي على تاريخ حافل بالإنجازات قدَّمه العرب في عصور نهضتهم الكبرى في نطاقات الفلك والبصريات والهندسة والكيمياء والطب والرياضيات. في 6 حلقات قصيرة (نحو 25 دقيقة للحلقة) يمكن فعلا أن تتعلَّم الكثير عن إنجازات العرب في نطاقات العلوم، خاصة أن أسلوب الحلقات وتقديمها البصري بديع ويسير لكل الناس، تسد هذه السلسلة خانة مهمة في المكتبة الوثائقية العربية، خاصة أن الكتب في نطاق تاريخ العلوم العربية عادة ما تكون أكاديمية باردة، مُقدَّمة للمتخصصين، وحتى تلك الأبسط تكون مُملة للقُرَّاء عادة.
أسياد النحل
هذه سلسلة فريدة من نوعها، فعادة ما تركِّز وثائقيات الحياة البرية على الأسود والنمور والفهود والمفترسات في العموم، وحياة الليل وحياة النهار في الغابات البعيدة، أو عالم المحيطات الواسع، لكن قلَّما تجد مادة تخصَّصت بالكامل، على مدى أكثر من 10 حلقات متوسطة المدة، في دراسة النحل فقط، أنواعه التي تنتشر من نيوزيلاندا إلى أميركا الجنوبية إلى أوروبا إلى أفريقيا، كل حلقة من هذه السلسلة تتحدَّث عن أحد أنواع النحل وعلاقة الناس به. والواقع أن النحلة كائن يستحق التأمل، وله من المزايا ما يعطيه هذا الاستحقاق، فهو نموذج غاية في البراعة للتنظيم الذاتي، بحيث يجتمع ذكاء أفراد المجموعة معا لبناء كائن واحد خارق، يمتلك قدرات بديعة في السلوك واتخاذ القرار. تجد السلسلة على قناة الجزيرة الوثائقية في منصة ديلي موشن.
فكِّر قبل أن تنفق
في هذه السلسلة يأخذنا عالِم النفس والكاتب النيوزلندي نايجل لاتا في رحلة داخل علم نفس المال تتفرَّع إلى فرع مهم جدا حصل على عدد من جوائز نوبل مؤخرا، وهو الاقتصاد السلوكي. يسأل الوثائقي: ماذا يُمثِّل المال بالنسبة لك؟ وهل يعني ذلك أي شيء؟ بعبارة أخرى، يجادل الوثائقي أن اعتقادك حول المال، مجرد فكرتك السابقة عنه، قد يكون أحد أسباب غناك وفقرك.
لغز اختفاء العمالقة
تحكي هذه السلسلة قصة ثمانية حيوانات عملاقة من عصور ما قبل التاريخ وأحفادها المتبقين اليوم. تدرس الحلقة الأولى والثانية أربعة حيوانات مدهشة، وتسعى إلى تفسير سبب حجمها الضخم ولماذا اختفت لاحقا، ثم تتحوَّل الحلقات الأربع التالية إلى الحيوانات العملاقة التي تعيش بيننا اليوم، تستكشف تاريخها التطوري وماضيها بمساعدة علماء أحياء وعلماء حفريات متخصصين لمعرفة ما إذا كان أسلافها قد عانوا بسبب ضخامة أحجامهم.
المصدر: الجزيرة
