عندما نظرت إليزابيث كلوي رومانيس لأول مرة في أخلاقيات العمليات القيصرية المختارة كانت تستمع لبرنامج إذاعي أرسله لها زوجها حول كيفية رفض بعض صناديق دائرة الخدمة الصحية الوطنية تمويل عمليات قيصرية غير ضرورية طبيا لأمهات يردنها.
وتقول الباحثة في القانون البيولوجي في جامعة دورهام في تقرير نشرته صحيفة "غارديان" (The Guardian) البريطانية "لقد أرسلها لي كما لو أنه يقول لي "هل سمعت بهذا؟"، ومن الواضح أنني انزعجت للغاية.
اتصلت إحداهن هاتفيا وسألت: لماذا يجب أن تقدم دائرة الخدمة الصحية الوطنية الخيار عندما تكون الولادة طبيعية وتكلف الجراحة المال؟ وكانت منفعلة، وتعتقد أن شخصا ما من مجال عملها يجب أن يجادل من أجل الحق في الاختيار، وقالت "هذا ما فعلته أنا".
ارتفاع العمليات القيصرية
إنه موضوع مثير للجدل، إذ يولد عدد أكبر من الأطفال عن طريق الولادة القيصرية أكثر من أي وقت مضى، مما يثير انزعاج منظمة الصحة العالمية التي تقول إن العمليات القيصرية ترتبط بمخاطر على الأم والطفل، ولهذا السبب تقوم بحملات للحد من العمليات القيصرية غير الضرورية وتعتبرها الملاذ الأخير، وتنادي بعدم اللجوء إليها إلا عندما تقتضي الضرورة الطبية ذلك.
من ناحية أخرى، فإن حقوق الميلاد الخيرية والهيئة العامة -التي تقدم إرشادات الرعاية الصحية الوطنية في إنجلترا وويلز- والمعهد الوطني للصحة وجودة الرعاية يقولون إنه إذا كانت النساء يردن حقا الولادة القيصرية آخذات باعتبارهن الحقائق المتعلقة بها فيجب منحهن ذلك.
ومع استمرار الجدل فإن النمط في إنجلترا واضح، فالأقسام القيصرية آخذة في الارتفاع بوتيرة سريعة، فخلال العقد الثاني من الألفية الثانية ارتفعت العمليات القيصرية من 25 إلى 35% في جميع أنحاء إنجلترا وأسكتلندا وويلز، وهذا يزيد كثيرا عن هدف منظمة الصحة العالمية الذي تم التخلي عنه الآن وهو 10-15%، ويأتي جزء من الارتفاع المتزايد للولادات القيصرية بالاختيار وبطلب من الأمهات.
قيصرية بناء على طلب الأم
وتعتبر الولادة القيصرية في البلدان ذات الدخول المرتفعة جراحة كبرى ولكنها آمنة، ففي إنجلترا هناك ما يزيد قليلا على نصف الولادات بعمليات قيصرية طارئة أجريت عندما أصبحت الولادة الطبيعية متعسرة، أما البقية فكانت عمليات قيصرية اختيارية تم التخطيط لها مسبقا، وهي الأكثر شيوعا بسبب مضاعفات ما قبل المخاض، ونسبة أقل منها لأسباب غير طبية.
وآخذا في الاعتبار أن الحرمان من الولادة القيصرية يسبب ضررا أكثر من اللازم غيّر المعهد الوطني للصحة وجودة الرعاية توجيهاته عام 2011 ليقول إنه إذا طلبت إحداهن إجراء عملية قيصرية ما تسمى "العملية القيصرية بناء على طلب الأم" فإنه ينبغي أن تقدم لها مع طبيب على استعداد لإجراء العملية.
لكن المبادئ التوجيهية للمعهد الوطني للصحة وجودة الرعاية ليست سوى توصيات، وقد أظهرت التقارير الواردة من جمعية حقوق الميلاد ومؤسسة ممارسة القانون أن العديد من الصناديق الائتمانية لا تمول العمليات القيصرية بناء على طلب الأم تماشيا مع التوجيه، هذا في حين كشفت التحقيقات عن ظهور ثقافة في بعض الصناديق الائتمانية تقوم على الضغط على الناس لإجراء ولادات طبيعية.
البرازيل وتركيا لديهما معدلات فوق 50%، ولكن منظمة الصحة العالمية تعتبر أيضا معدل إنجلترا مرتفعا جدا ويمكن أن تكون له نتائج مأساوية.
ويتواصل الجدل
على سبيل المثال، وصفت قضية نظرتها المحكمة العليا في إنجلترا عام 2015 كيف أن إحدى الأمهات كانت حبلى بطفل حجمه كبير بشكل غير عادي لم يتم إخبارها عمدا بمخاطر الولادة الطبيعية تجنبا لطلبها إجراء عملية قيصرية، وأثناء الولادة حرم طفلها من الأكسجين، مما أدى إلى إصابته بالشلل الدماغي في وقت لاحق.
وقضت المحكمة بأنه كان ينبغي إطلاع الأم على مخاطر الولادة الطبيعية بالنسبة لحالتها، وإحاطتها علما بالبديل وهو الولادة القيصرية، للحصول منها على موافقة مبنية على المعرفة.
وتتذكر مديرة برامج حقوق الميلاد ببريطانيا ماريا بوكر تواصلها مؤخرا مع امرأة قرر مستشفاها أن حالتها القلبية لا تبرر الولادة القيصرية رغم وفاة إحدى قريباتها أثناء المخاض بنفس الحالة.
وتقول "أعتقد أن حرمان الناس من إجراء عمليات قيصرية في مثل هذه الحالات يعتبر عملا غير إنساني".
وعلى خلفية تقرير لجنة حقوق الميلاد وحكم المحكمة العليا عزز المعهد الوطني للصحة وجودة الرعاية توجيهاته بشأن الولادة القيصرية بطلب من الأم وشاركت في صنع القرار في هذا الشأن العام الماضي.
ومع ذلك، فإن المسألة معقدة، وتقول آنا بيلار بيتران -التي تقود حملة منظمة الصحة العالمية للولادة القيصرية- إن المنظمة قلقة بشكل خاص من دول مثل البرازيل وتركيا اللتين تبلغ معدلاتهما الآن أكثر من 50%، ولكن معدل إنجلترا يعتبر مرتفعا جدا أيضا، إنه هم مشترك بين بعض الأطباء والقابلات في بريطانيا.
ووفقا لبيتران، فإن المعدلات المرتفعة تعززها بشكل متزايد عوامل غير طبية، مثل مواءمة تحديد موعد الولادة في يوم معروف يمكن الاستعداد له ولا يتعارض مع العمل.
وتقول بيتران "إن منظمة الصحة العالمية تحبذ وتدعم وتروج للرعاية المحترمة أثناء الولادة الطبيعية، وإجراء العمليات القيصرية للنساء اللاتي بحاجة إليها، ولكن عندما لا تكون هناك حاجة طبية فلا فائدة منها"، غير أن الأدلة الجديدة حول حالات العمليات القيصرية بطلب من الأم تظهر أنها قد لا تكون بالوضوح المطلوب.
مقارنة ودراسة
ينظر الباحثون إلى سجلات المستشفى ويدونون ملاحظاتهم حول عدد المرات التي تحدث فيها نتائج معينة بعد كل نوع من الولادة، لكن هناك سببان اثنان يجعلان من الصعب دراسة طلب الولادة القيصرية من الأم بشكل صحيح:
السبب الأول: تسجل هذه الحالات عادة على أنها "عمليات قيصرية اختيارية"، ولكن لأن معظم حالات الاختيار تم إدراجها للتخفيف من تعقيدات محفوفة بالمخاطر.
ويقول الباحثون إنه من غير المنصف تصنيف مخاطرها على قدم المساواة مع مخاطر الولادة القيصرية بناء على طلب الأم، حيث قد يكون كل شيء على ما يرام.
السبب الثاني: غالبا ما يتم التقليل من خطر الولادة الطبيعية، وبالتالي فإن المقارنة غير متماثلة، ذلك أن الباحثين لا يفسرون دائما العمليات القيصرية الطارئة كنتيجة لمحاولة ولادة طبيعية.
وفي الواقع، إن العديد من الدراسات القديمة تخلط مخاطر الولادة القيصرية في حالات الطوارئ مع مخاطر جميع العمليات القيصرية الأخرى رغم حقيقة أنها أكثر خطورة بشكل واضح ودائما تحدث تقريبا نتيجة لمحاولة ولادة طبيعية ولم يكن مخططا لها.
وكما يوضح المعهد الوطني للصحة وجودة الرعاية فإن الدراسات تقارن النساء اللواتي يخططن لولادة قيصرية مع من يخططن لولادة طبيعية، ولكن نادرا ما تتوفر هذه المعلومات.
هذه العوامل تجعل من الصعب تقدير خطر اختيار الولادة القيصرية مقابل التخطيط لولادة طبيعية، ولكنه ليس مستحيلا، ففي عام 2021 وجد فريق من الباحثين الكنديين قاعدة بيانات مستشفى في أونتاريو سجلت ولادات قيصرية بناء على طلب الأمهات، وأتاح لهم ذلك مقارنة حالات الولادة القيصرية بناء على طلب الأم بحالات الحمل الأخرى ذات المخاطر الأقل، حيث كانت الخطة -ولكن ليس بالضرورة النتيجة- ولادة طبيعية.
وصدمت البيانات المؤلفة الرئيسية للدراسة دارين الشاعر الباحثة في الفترة المحيطة بالولادة في مستشفى أوتاوا بمجموعة الولادة الطبيعية المخطط لها، وكانت هناك نسبة أعلى من النتائج السلبية مقارنة بمجموعة الولادة القيصرية بطلب من الأم، وبسبب التمزقات المهبلية الخطيرة والأطفال تم إدخالهم لقسم العناية المركزة.
وتقول دارين "أنا نفسي وضعتني هذه البيانات في تحد"، مؤكدة أنها تعتقد أن الولادة عن طريق المهبل طبيعية، وتقول "أردت أن يكون العكس".
الدراسة مقنعة ولكنها ليست مثالية تماما حتى الآن، إن العدد الصغير نسبيا من الولادات القيصرية بطلب من الأم (1827 مقابل أكثر من 400 ألف ولادة طبيعية مخطط لها) يعني أن نتائج نادرة للغاية مثل الوفاة لم تتحقق قط في تلك الفئة، ولكن الآن لديهم قاعدة بيانات، وتتوقع دارين أن تتزايد الأدلة مع مرور الوقت، وهذا سيتيح لها أيضا التحقيق في الأثر على المدى الطويل.
مزيج من الفوائد والمخاطر
في عام 2018 تولت سارة ستوك باحثة التوليد في جامعة إدنبرة مراجعة 80 دراسة طويلة الأجل للولادة القيصرية من البلدان المرتفعة الدخل، لم تميز المراجعة بين الولادات القيصرية بطلب من الأم أو العمليات القيصرية الاختيارية أو الطارئة الأخرى، لذلك من الممكن فقط أن تقول الدراسة شيئا عن الجراحة نفسها، وليس عن المخاطر النسبية لاختيارها على الولادة الطبيعية.
وجدت ستوك مزيجا من الفوائد والمخاطر بعد الولادة القيصرية لدى كل من الأم والطفل، فعلى سبيل المثال كانت الأمهات أقل عرضة لسلس البول، والرضع أكثر عرضة لخطر الإصابة بالربو في مرحلة الطفولة، وكانت الآثار في أي من الاتجاهين قليلة عموما.
وتقول ستوك "لا توجد إجابة صحيحة هنا، وتحتاج النساء لاتخاذ قرارات مع من يقدمون الرعاية لهن بشأن ما هو مهم بالنسبة لهن".
السيدات اللائي سبق لهن الولادة بعمليات قيصرية ينجبن بشكل عام عددا أقل من الأطفال، وكان لدى من تعرضن لعمليات قيصرية سابقة خطر صغير ولكنه متزايد للإصابة بمضاعفات المشيمة في حملهن التالي، ورغم أن الاختلافات كانت صغيرة وجدت الدراسة زيادة في مخاطر الإجهاض وولادة جنين ميت لاحقا.
ومع ذلك -تقول ستوك- إذا كنتِ فقط تريدين إنجاب طفل واحد فإنك لا تحتاجين للتفكير بذلك، فإجراء عملية قيصرية عندما تكونين بعمر 24 عاما وحاملا بطفلك الأول وترغبين بإنجاب 4 آخرين يختلف عندما تبلغين 42 عاما ولا تخططين للحمل مرة أخرى.
إذا كانت الولادة القيصرية خيارا جيدا فهذا يعتمد على ما هو مهم بالنسبة للشخص، ويبدو أيضا أن هناك سببا ضئيلا للقلق بشأن مستوى السكان ببريطانيا، حيث لا يبدو أن المعدل المرتفع أثر سلبا على أهم النتائج، فخلال العقد نفسه الذي شهد وصول معدلات الولادة القيصرية إلى 30% فما فوق انخفضت وفيات الأمهات والأطفال في كل من إنجلترا وأسكتلندا رغم بقاء التفاوتات العرقية والاجتماعية والاقتصادية الصارخة على ما هي عليه.
هل يمكن لدعاة الاختيار أن يجدوا سببا لدعم خفض معدلات الولادة القيصرية؟
وبالنسبة لرومانيس يجب إسقاط التركيز "المحير" على الولادة القيصرية بناء على طلب الأم، وبدلا من ذلك يمكن خفض الأرقام من خلال معالجة حقيقة أن الأطباء يجرون أحيانا عمليات قيصرية طارئة ليست ضرورية طبيا.
وتقول سو داوني الباحثة في القبالة في جامعة سنترال لانكشير والمتعاونة مع منظمة الصحة العالمية "تعزى هذه الظاهرة جزئيا إلى خوف الأطباء من إلقاء اللوم عليهم لعدم التدخل في الوقت المناسب إذا حدث أمر غير محمود"، ولهذا، هناك من يجرين عمليات قيصرية لم يرغبن فيها وكان بإمكانهن تجنبها.
وتضيف داوني "لا أعتقد أن النساء اللواتي يرغبن بإجراء عمليات قيصرية يحصلن عليها، وأعرف على وجه اليقين أن النساء اللواتي يرغبن في المخاض الفسيولوجي والولادة لا يحصلن على ذلك".
وتقول بوكر "إذا تمكنا من دعم الولادة الفسيولوجية بطريقة أفضل فإننا سنخفض معدل الولادة القيصرية، لكنني لا أعتقد أن ذلك يجد تفسيرا لدى من أحطن علما بأنهن لا يستطعن إجراء عملية قيصرية"، لذا التركيز على الحد من الولادات القيصرية غير الضرورية وغير المرغوب فيها على حد سواء يمكن أن يكون حلا وسطا.
وتشير رومانيس إلى أهمية إجراء نقاشات أكثر انفتاحا حول العمليات القيصرية فتقول "يتعلق الأمر بتعظيم الصحة من خلال إتاحة الفرصة للناس لاتخاذ القرارات بأنفسهم".
وتقول داوني ينبغي أن يكون الهدف هو تحسين النتائج للجميع، وتتساءل: كيف يمكننا بناء خدمات الأمومة؟ ألم يعد هذا محل نقاش بعد الآن؟ "فحين تجري النساء عمليات قيصرية عندما يردنها وعمليات قيصرية ضرورية عندما يحتجن إليها وموافِقات عليها بشكل صحيح، ولكن حين النساء اللواتي لا يردن أيا من هذه الأشياء فلهن أن يحصلن على ولادات رائعة أيضا".