في تلك اللحظة الحاسمة التي عبرت فيها الدبابات الروسية الحدود إلى داخل أوكرانيا، ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها مقتربة من 120 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 14 عاما، كما هرع المستثمرون للاستنجاد بالذهب، ذلك الملاذ الاقتصادي الآمن. وبينما فرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية رادعة بهدف إجبار موسكو على التراجع، كانت الخسائر المتعاقبة تطرق أبواب الأسواق الآسيوية والأميركية والأوروبية وحتى العربية، وهو ما يشي بحقيقة واحدة مفادها أن العالم لا يتحمل حربا بذلك الحجم اليوم، وأن استمرار التصعيد العسكري يرمي بالجميع في دوامة الأزمات الاقتصادية.
كانت سويعات قليلة بعد بدء الحرب أكثر من كافية ليدرك الجميع ما تعنيه حرب جديدة في أوروبا، لكنّ الأخطر من دوي المدافع، وسيطرة الألوان الحمراء على مؤشرات البورصة العالمية، هو أن التحالفات السياسية ستكون على موعد وشيك مع تحولات إستراتيجية كبرى، بسبب الموقف المرتقب لكل دول العالم ومن ضمنها دول الشرق الأوسط من الأزمة الأوكرانية، وهو ما سينعكس دون شك على السياسة والاقتصاد عالميا لسنوات مقبلة.
على عكس الصين التي تتربع على عرش ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة، تقلص وزن روسيا في الاقتصاد العالمي بشكل ملحوظ، لكنها ورغم ذلك لا تزال تشغل مكانة مهيمنة في أسواق النفط والغاز والمواد الخام، ما يجعلها أشبه بمحطة وقود كبيرة تحافظ على تشغيل المصانع في العالم، إذ تحصل أوروبا، التي تعتبر المتضرر الأساسي من الغزو الروسي لأوكرانيا، على 40% من غازها الطبيعي، و25% من نفطها من روسيا التي تحكم قبضتها على طاقة أوروبا رغم محاولات الولايات المتحدة الأميركية تقليص هذه السيطرة بتقديم طاقة بديلة لحلفائها. ورغم اتخاذ الغرب خطوات واضحة لتقليص حجم مبادلاته التجارية مع روسيا كما تشير الأرقام الرسمية آخر عامين، فإن الاجتياح الروسي لأوكرانيا منذ أيام كان له تأثير مزدوج على الاتحاد الأوروبي عبر رفع الأسعار وتوقعات تباطؤ النمو.
على سبيل المثال، قفزت أسعار الغاز في أوروبا بنحو 35% بعد مرور ساعات قليلة على بداية الغزو، ووصلت أعلى مستوياتها في عقد تقريبا بعد أنباء الهجوم على محطة نووية أوكرانية، في ظل مخاوف المستثمرين من تأثر إمدادات الغاز الطبيعي الروسي المار إلى أوروبا عبر أوكرانيا. ورغم إعلان "غازبروم" الروسية عن استمرار ضخ الغاز الروسي إلى الموردين الأوروبيين، فإن ذلك لم يمنع من تأثر الاقتصاد الأوروبي الذي يبتعد آلاف الأميال عن مناطق القتال. وبحسب الغارديان البريطانية، تسببت أحداث أوكرانيا في ارتفاع غير مسبوق لأسعار القمح في الأسواق الأوروبية التي قفزت بنسبة 20% لأول مرة منذ 9 سنوات.