هناك، في الأعماق قبالة شواطئ مدينة شرم الشيخ المصرية، يخفي البحر الأحمر قوى جيولوجية قوية قد تعرض سواحل مصر والمملكة العربية السعودية للخطر.
فوفقا لتقرير نشرته "ساينس ألرت" (Science Alert)، فقد خطرت هذه الفكرة لسام بركس، عالم الجيولوجيا البحرية من جامعة ميامي فجأة وهو يحدق من نافذة غواصة بعمق 900 متر في مضيق تيران، حيث رأى تلك الفجوة التي ظهرت من خلال ضوء الغواصة الخافت، والتي يبلغ عرضها 3 أمتار وطولها 8 أمتار.
انهيار أرضي تحت سطح الماء
ويذكر بركس في البيان الصحفي المنشور على موقع جامعة ميامي في 22 فبراير/شباط الماضي "على الفور، أدركت أن ما كنا ننظر إليه كان نتيجة لبعض القوى الجيولوجية، التي حطمت قاع البحر"، وكشفت المزيد من الأبحاث أن هذا كان نتيجة لانهيار أرضي تحت سطح البحر، تسبب على الأرجح في حدوث أمواج بارتفاع 10 أمتار ضربت الساحل المصري منذ ما يقرب من 500 عام.
واليوم، لا تزال قطعة الأرض تلك تتأرجح، وإذا انزلقت، فإن النماذج تشير إلى أنها قد تؤدي إلى تسونامي ثانٍ يبلغ ضعف حجم التسونامي السابق، بالرغم من أنه حتى عندما تحدث الزلازل في المنطقة، فإنها نادرا ما تولد أمواج تسونامي بهذا الحجم، لكن بركس يشرح قائلا "اهتزاز بسيط في المكان الخطأ ويمكن أن ينهار الجدار بأكمله، مما يؤدي إلى تسونامي أكبر بكثير مما حدث قبل 500 عام".
يضيف بركس "تلك المنطقة من مصر، وكذلك المملكة العربية السعودية، والتي تشهد تحولا مدينيا سريعا للغاية، بها بعض المخاطر التي لم يتم التعرف إليها مسبقا، ولكن يجب تقييم المخاطر، لتجنب كارثة في المستقبل"، فالبحر الأحمر هو صدع بحري، مما يعني أنه يتوسع كلما انزلقت الصفيحتان التكتونيتان المتاخمتان له تدريجيا.
تسونامي محتمل
هذا يجعل المنطقة معرضة بشدة للزلازل، لكن اكتشاف الانهيار الأرضي تحت سطح البحر يشير إلى وجود قوى أخرى تؤدي إلى تسونامي والتي تم تجاهلها سابقا.
قد تكون انهيارات المنحدرات على طول أجزاء من ساحل البحر الأحمر خطيرة بشكل خاص في المضائق أو الممرات الضيقة الأخرى، حيث يمكن للموجة أن تصل بسرعة إلى اليابسة من دون سابق إنذار، ففي مضيق تيران على سبيل المثال، يقول الباحثون إن تسونامي بارتفاع 20 مترا يمكن أن "يهدد بشدة الخط الساحلي" لمصر والمملكة العربية السعودية، ووفقا للنماذج، يقع المنتجع المصري في مسار الموج مباشرة.
تم تمويل رحلة البحث التي اكتشفت هذا الانهيار الأرضي لقاع البحر من قبل شركة تعمل على تطوير الساحل السعودي، ونشرت نتائج الدراسة في دورية "جيوغرافيك ريسيرش ليترز" (Geophysical Research Letters) في الثالث من فبراير/شباط الماضي.
أمواج بارتفاعات عملاقة
وقد تبين أن تقييم المخاطر كان فكرة جيدة، فعلى الرغم من انزلاقه لمسافة 30 مترا فقط، فقد تسبب الانهيار الأرضي الذي حدث قبل 500 عام في وصول موجات قوية إلى الشاطئ في دقائق معدودة.
ولذا، تظهر النماذج أنه في وقت ما في المستقبل، إذا ما انزلقت الأرض بمقدار 50 مترا أكثر، فإن التأثيرات الأولى ستشعر بها مدينة شرم الشيخ المصرية، التي تقع إلى الجنوب الغربي قليلا، وفي غضون دقيقة ونصف، يمكن أن يصل ارتفاع الأمواج التي ستضرب الساحل إلى 21 مترا.
أما إذا انزلقت الأرض 100 متر، فيمكن أن تمتد الأمواج التي ستضرب شرم الشيخ لارتفاع 35 مترا، وفي أقصى الشمال قليلا في خليج موسى، يمكن أن تصل الأمواج فعليا إلى 45 مترا، لتصل إلى الساحل في أقل من 3 دقائق.
وبعد دقائق قليلة من ذلك، سيتأثر الساحل السعودي على الجانب الآخر من المضيق، وإن كان ذلك بموجات أصغر قليلا، ويعتقد الباحثون أنه في أسوأ السيناريوهات، فإن ارتفاع الأمواج قد يصل إلى 15 مترا.
تهديد للمجتمعات الساحلية الجديدة
كتب الباحثون "اللافت في جميع عمليات المحاكاة هو كيف يُقيّد قياس أعماق المضيق التسونامي ويوجهه، فتسمح المياه العريضة والعميقة في الشمال للموجة بالتقدم من دون عوائق حتى خليج العقبة. وإلى الجنوب، تحد المضائق الضيقة والضحلة دخول الأمواج إلى البحر الأحمر".
وليس من المستغرب أن السجلات التاريخية لم تكتشف بطريقة ما الانهيار الأرضي تحت سطح البحر الذي تسبب في حدوث تسونامي قبل 500 عام، فلم يقتصر الأمر على أن الحدث لم يتسم بحدوث زلزال، ولكن الساحل -حيث تقع شرم الشيخ الآن- كان مجرد محطة للصيادين في ذلك الوقت، مما يعني أن قلة من الناس ربما شاهدوا الأمواج.
واليوم، الواقع مختلف جدا، وهذا هو سبب أهمية دراسات ما تحت الماء من هذا النوع؛ فهي يمكن أن تكشف عن نقاط الضعف في الأعماق الساحلية التي يمكن أن تعرض المجتمعات للخطر، فعلى سبيل المثال، المنحدرات البحرية قبالة شرم الشيخ شديدة الانحدار، وإذا انزلقت هذه الجدران أيضا، فقد يؤدي ذلك إلى موجة من الأمواج التي يمكن أن تصل بسهولة إلى الساحل السعودي.
إن القدرة على التنبؤ بموعد حدوث موجات المد العاتية (تسونامي) يمكن أن تنقذ الأرواح والأموال، ويرى الباحثون أنه يجب مراقبة الانهيارات الأرضية تحت سطح البحر الأحمر مثل مراقبة الزلازل في المستقبل.