أحمد البيتاوي/ محمد جبر - وكالة سند للأنباء
على أعتاب شهر رمضان المبارك، لا تبدو لحمة "الفقراء" في متناول اليد، فأسعار الدواجن في الضفة الغربية وقطاع غزة تُحلق عالياً منذ أكثر من أسبوعين، وسط خشية بأن يستمر هذا الارتفاع الذي عزاه مختصون لأسباب محلية وأخرى خارجية.
ويعتمد الفلسطينيون عموماً وأصحاب الدخل المحدود خصوصاً على الطيور كمصدر أساسي في الحصول على اللحوم، نظراً لقلة الإنتاج الحيواني وارتفاع سعره مقارنة بالدواجن.
وفي الضفة الغربية ارتفع سعر كيلو الدجاج اللاحم من 11 إلى 17 شيكلاً، أما في قطاع غزة فقد وصل سعر الكيلو إلى 14 شيكلًا، بعد أن كان يتراوح بين (8 – 10) شواكل.
وفي هذا التقرير تُقدم "وكالة سند للأنباء" قراءة اقتصادية بالأرقام والمعطيات للحديث عن قضية ارتفاع أسعار الدواجن في فلسطين، وأسبابها وتوقعات الجهات المختصة لمستقبل هذه الأزمة.
الضفة الغربية..
تعزو وزارة الزراعة الفلسطينية الارتفاع إلى الانخفاض في كميات بيض التفريخ التي تصل للسوق المحلي من الخارج بسبب انتشار انفلونزا الطيور في الدول الموردة.
وأوضح الوكيل المساعد للقطاع الاقتصادي في وزارة الزراعة طارق أبو لبن، "أن الكميات التي وردت إلى المفرخات انخفضت خلال الشهرين الأخيرين بشكل لافت، مع استقرار الكميات الموردة من مزارع الأمهات الفلسطينيات".
وبحسب معطيات "الزراعة" فإن الكميات في السوق تراجعت بنسبة 20-25%، الأمر الذي انعكس على تذبذب أسعار الدواجن مع اكتمال دورة التفريخ التي بدأت قبل قرابة الشهرين في الضفة الغربية.
ويحتاج السوق المحلي مليونا و200 ألف طير لاحم، والمتوفر حالياً هو مليون إلى مليون و100 ألف طير، أي أن الفجوة تقارب 100 إلى 200 ألف طير، الأمر الذي ساهم في ارتفاع الأسعار.
وتشير التوقعات إلى أن "سعر الدجاج سيرتفع بشكل أكبر مما هو عليه اليوم، غير أن تنوع المصادر أدى لتدارك الأمر وإن بشكل جزئي" تبعًا لـ "أبو لبن".
ولسد هذا النقص وضبط الأسعار الأسعار، سمحت وزارة الزارعة باستيراد الفراخ "الصيصان" من المزارع الإسرائيلية وتربيتها في المزارع الفلسطينية، كما تبحث الوزارة عن إيجاد مسار لإدخال الدجاج الجاهز لتوفيره في الأسواق المحلية.
الأعلاف.. بين الغلاء والسوق السوداء
ويتحدث جمال محاميد صاحب مزرعة دجاج في مدينة جنين عن سبب آخر لـ "الارتفاع الجنوني" بأسعار الدواجن، وهو غلاء في سعر الأعلاف: "ارتفعت من 100 لـ 200 شيكل للطن الواحد (وفق المصنع المنتج)، ومن المتوقع أن تصل إلى أكثر من 100 دولار نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية الراهنة".
ويُشير في حديثٍ مع "وكالة سند للأنباء" إلى أن المزارع يُعاني من ارتفاع تكلفة تربية الدجاج، إذ يُكلّف الكيلو الواحد في الوقت الحالي 9 شواكل، ويبلغ سعر الصوص 5 شواكل، يضاف إليه تكلفة التدفئة والأدوية والتغذية والنقل وأجرة العمال وغيرها.
ويوجد في الضفة الغربية حوالي 6 آلاف مزرعة لتربية الدواجن، ما بين بركسات صغيرة وأخرى كبيرة نموذجية، تُنتج أكثر من 7 مليون صوص في الدورة الواحدة، لكنّها تُعاني اليوم من نقص يصل إلى 30 % من الحاجة المحلية.
ويُردف "محاميد" أن سعر كيلوغرام الدجاج من المزرعة يصل لـ 10.5 شيكل، في حين يُباع لأصحاب الملاحم بـ 11 شكيلًا، وللزبائن بـ 12 شيكلًا.
بدروه، يؤكد عزمي خلف من شركة "عزيزة" للدواجن والأعلاف، لـ "وكالة سند للأنباء" أن أسعار الأعلاف بمختلف أنواعها ارتفعت منذ الخامس من شهر مارس/ آذار الجاري، لدرجة أنها أصبحت تباع في السوق السوداء.
ويُكمل: "قبل الحرب في أوكرانيا كان سعر طن العلف 2500 شيكل، أما اليوم فقد ارتفع إلى 2630 شيكلا"، مرجعًا ذلك إلى "ارتفاع تكلفة الشحن والمحروقات والمواد الأولية التي تدخل في صناعته وهي الذرة والقمح وزيت عباد الشمس وغيرها".
ويتوقع "خلف" أن تشهد الأيام القادمة ارتفاعات أخرى في أسعار الأعلاف حال استمرت الحرب، أو لم يصل من مصادر أخرى.
وجاء في حديثه: "أن تجار الأعلاف الإسرائيليين (المصدر الرئيسي لتوريد العلف للشركات الفلسطينية) حجزوا كميات كبيرة منذ بداية الأزمة، ليعرضوها في الأسواق وفق الأسعار الجديدة، وهو ما زاد الطين بِلة".
ويوجد في الضفة الغربية 10 مصانع وثلاثة قيد الإنشاء لإنتاج الأعلاف بأنواعها المختلفة، الخاصة بالمواشي والدواجن، وتنتج حوالي 60 ألف طن شهرياً.
قطاع غزة..
وفي قطاع غزة الذي يعيش أوضاعًا اقتصادية صعبة، يواجه سُكانه ارتفاعا بوتيرة متتالية على أسعار الدواجن المعروضة في الأسواق، ما يجعلهم غير قادرين على شرائها، فما أسباب المشكلة؟ وهل سيظّل الغلاء سيّد الموقف خلال شهر رمضان؟
ويستهلك قطاع غزة نحو 2 مليون دجاجة ونصف، أي بمعدل من 80-100 ألف دجاجة يومياً، في حين يؤكد مدير دائرة الإنتاج الحيواني بوزارة الزراعة طاهر أبو حمد لـ "وكالة سند للأنباء" أن احتياج السوق الفلسطيني من الدواجن يصل 3 مليون بيضة شهرياً، وتزداد هذه الكمية شهريا لتصل لـ4 مليون بيضة.
ونظراً لزيادة الطلب في شهر رمضان أكثر مما هو عليه في الأيام العادية، يصل احتياج السكان فيه فقط إلى نحو 3 ملايين دجاجة، وفق ما يقوله رئيس نقابة أصحاب ومربي الدواجن والإنتاج الحيواني مروان الحلو.
ويُضيف "الحلو" لـ "وكالة سند للأنباء" أن تكلفة كيلو الدجاج من المزرعة في هذه الأوقات تترواح بين 10 إلى 10.5 شيكلًا، في حين يصل سعره في الأسواق من 13 إلى 14 شيكلًا.
ويُشير إلى أن احتياج قطاع غزة من البيض المخصب يُقدر بـ 3 ملايين بيضة شهرياً، لإنتاج 2.5 مليون دجاجة، وهذه النسبة تجعل السعر مناسباً للمزارع والمواطن على حدٍ سواء.
ووفقًا لـ "الحلو" فإن قطاع غزة لا ينتج أي كميات من البيض المخصب، إذ يتم استيراد ما نسبته 30% من أسبانيا، هنغاريا، بلجيكا، وفرنسا، و70% من إسرائيل، وقبل شهر تقريباً تم فتح باب الاستيراد من مصر.
وسيشهد القطاع عجزًا بنسبة 20% في كمية الدواجن المتوفرة بالأسواق خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان، نظرًا لنقص كمية البيض المخصب المدخل إلى غزة، حيث وصلت مؤخرًا 3.5 مليون بيضة لتفريخها، في حين دخل العام الماضي 5 مليون و500 ألف بيضة.
ويستدرك "الحلو": "لكن في الأسابيع الثلاثة الأخرى من شهر رمضان، ستكون هناك تغطية لهذه السلعة في كافة الأسواق".
وتبعًا لإحصائية لوزارة الزراعة اطلعت عليها "وكالة سند للأنباء" فإن القطاع استورد مليونين و211 ألف بيضة مخصب لاحم، و120 ألف بيض حبس في شهر كانون ثاني/ يناير الماضي، ومليونين و25 ألف بيضة مخصب لاحم، و115 ألف بيض بياض، 10400 بيض حبش في شباط/فبراير الماضي.
وبالعودة إلى نقيب مربي الدواجن مروان الحلو، للحديث عن سعر الأعلاف في قطاع غزة يقول: "إنه منذ عام تقريبا تشهد أسعار الأعلاف ارتفاعاً ملحوظاً بشكل شهري من 50 إلى 80 شيكلاً للطن الواحد نظرًا لارتفاعها عالميًا، إذ يتراوح سعره حاليًا من 2800 إلى 3000 شيكل.
ويُوضح "الحلو" أن قطاع الدواجن في غزة يستورد 15 ألف طن علف شهرياً، 80% منها من مصانع إسرائيلية، و20% من جمهورية مصر، وكلاهما لا يوجد فروقات كبيرة بينهما في الأسعار.
ويتهم أصحاب المزارع والمربون الجهات الحكومية بغزة بالتقصير والإهمال بحقهم وعدم تعويضهم عن الخسائر التي يتكبدونها يومياً، في ضوء ارتفاع تكلفة الإنتاج، فضلاً عن عدم صرف مبالغ مالية للمتضررين من الحروب السابقة.
وبحسب الأرقام التي تحدث بها "الحلو" لنا، فإن مديونية المزارعين في القطاع وخاصة منتجي الدجاج اللاحم، لشركات توريد الأعلاف والصيصان، تصل لـ 180 مليون شيكل.
ويُنبه "ضيف سند" إلى أن من 30% إلى 40% من المزارعين في القطاع ملاحقون على قضايا ذمم مالية لدى الجهات الحكومية، ومنهم من هم داخل السجن ومنهم من باع منزله لسداد ديونه.
ويُشدد "الحلو" على ضرورة تدخل الحكومة لحماية المزارع الفلسطيني من غلاء الأسعار الذي يلاحقهم منذ أشهر.
في ضوء ما سبق ما هو دور وزارة الزراعة؟ يرد المتحدث باسم "الزراعة" أدهم البسيوني: "نعمل على ضبط الأسعار من خلال إدخال الدجاج والحبش المبرد أو المجمد".
ويلفت "البسيوني" في حديث مع "وكالة سند للأنباء" إلى أن استمرار الاستيراد مرتبط باستمرار ارتفاع الأسعار، إذ سيتم وقفه في حال تحقيق الاستقرار، وبالتالي تخفيض الأسعار، مبينًا أن وزارته تبذل جهودًا كبيرة لإيجاد بدائل مُرضية.