ازداد في السنوات الأخيرة عدد النساء الفلسطينيات اللواتي يعملن في المستوطنات الإسرائيلية، ولا شك في أن دوافع النساء للعمل فيها متعددة وقاسية، فالفقر والبطالة المتفشية في الشارع الفلسطيني، وحاجة النساء للحصول على المال لإعالة عائلاتهن، تعتبر عوامل رئيسية وهامة، خاصة وأن النساء الفلسطينيات يلعبن دورًا هامًا في تحمل الأعباء العائلية، الاقتصادية والمعيشية، من بينهن النساء المطلقات، الأرامل والمعيلات الوحيدات لعائلاتهن.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

لجوء النساء الفلسطينيات للعمل في المستوطنات الإسرائيلية، ناتج عن ممارسات الاستيطان الإسرائيلي على مرّ السنوات، خاصة في محاولته لتهويد الاقتصاد الفلسطيني، وجعله تابعا من خلال السيطرة على مصادر الموارد ومصادرة الأراضي وتحويل الفلسطينيين والفلسطينيات إلى عمّال وعاملات داخل الخط الأخضر، أو في المستوطنات المبنية على الأراضي المحتلة عام 1967، في حين أنهم ملّاك الأرض وبإمكانهم أن يكونوا منتجين بدلا من ذلك، وبهذا تحوّلت النساء الفلسطينيات من مالكات ومزارعات لعاملات زراعيات داخل المستوطنات الإسرائيلية.

ولا شك في أن علاقة المشغّل الإسرائيلي مع العاملات الفلسطينيات والعمّال الفلسطينيين توضح تقنيات المنظومة الاستعمارية في السيطرة على المستعمَر، وجلبه لتفضيل القيمة الاقتصادية على حساب الحقوق الوطنية، ومع الوقت يتوسع هذا التذويت خارج نطاق العمل ليشمل المجتمع الفلسطيني، وإنتاج واقع يجد فيه الفلسطيني والفلسطينية أنفسهم متضررين من فعلهم الطبيعي المقاوم للاحتلال، بسبب خسارة مصدر رزقهم.

وتعمل معظم النساء في قطاع الزراعة والصناعة في المستوطنات الزراعية المتواجدة في الأغوار الفلسطينية، أو في المستوطنات الصناعية المبنية على أراضي الضفة الغربية مثل مستوطنة "ميشور أدوميم"، ومستوطنة "معالي أدوميم"، في ظروف عمل قاسية وساعات عمل طويلة تتراوح بين 10-12 ساعة يوميًا.

وتُحدّث النساء العاملات في المستوطنات الإسرائيلية عن معاناة كبيرة في عدة أمور من بينها:

قساوة ظروف العمل، وعملهن في بيئة عمل مليئة بالمخاطر التي قد تعرضهن للأذى الجسدي، وغالبًا ما يتم طرد العاملة بعد تعرضها لإصابة في مكان العمل دون أن تحصل على إسعاف أولي حتّى، وإنما تتعالج في المستشفيات الفلسطينية على حسابها الخاص، خلافًا لقوانين العمل الإسرائيلية وحتى الفلسطينية التي تُلزم المشغِل بمعالجة العامل الذي أصيب أثناء عمله.

كذلك معاناتهن في الوصول للعمل، فالغالبية من النساء تعمل دون تصاريح، ما يجبرهن على الهروب من الحواجز العسكرية ودوريات الجيش، والعبور من طرق ترابية صعبة، حتى وصولهن للباص مع السمسار الذي يعمل لدى المشغِّل الإسرائيلي، والذي ينتظرهن لنقلهن لمكان العمل والعودة بنفس الطريقة.

وعدم وجود إمكانية اختيارهن مكان ونوع العمل، بل يتوجب عليهن القبول بالعمل بحسب الفرصة المتوفرة، حتى أنهن يتنقلن خلال فترات متقاربة بين أكثر من عمل، بحسب المواسم والحاجة.

وكثيرًا ما يجول في بال النساء الفلسطينيات أثناء عملهن، عما سيحل بهن في حال مهاجمتهن من قبل مستوطنين، وبالتالي تعمل النساء في المستوطنات في أجواء من الخوف والقلق الدائم وعدم الشعور بالأمان.

ومن جانب آخر، تعاني النساء الفلسطينيات العاملات في المستوطنات من العزلة المجتمعية بسبب ساعات عملهن الطويلة، والتي يقضينها في مناطق العمل، إذ تتراوح ساعات عملهن بين 10-12 ساعة يومية.

تعاني النساء الفلسطينيات من هذا كله، دون أي تذمر أو شكوى خوفًا من طردهن من العمل، خاصةً وأنهُن يتعرضن بشكل دائم لتهديدات بأنه بالإمكان الاستغناء عنهن وجلب عاملات بدلًا منهن، لإجبارهن على قبول ظروف العمل وعدم التذمر منها، في ظل استغلال ظروف النساء وحاجتهن للعمل.

كما يتم استغلال النساء ماديًا واضطهادهن، فعلى الرغم من حصول النساء على أجور مرتفعة في المستوطنات الإسرائيلية، نسبة للأجور المحلية، إلا أن الأجور تعتبر متدنية جدًا بالمقارنة مع الأجور في إسرائيل، اذ يتراوح المبلغ الذي تتقاضاه النساء في المستعمرات الإسرائيلية بحدود 2000 شيكل، في حين أن الحد الأدنى للأجور في إسرائيل يبلغ 5400 شيكل، هذا ولا شك بأن عمل النساء الفلسطينيات في المستوطنات الإسرائيلية، يساهم في تطوير الاقتصاد الإسرائيلي ويشكل عامود فقري للعجلة الاقتصادية في المستوطنات.

جميع العاملات الفلسطينيات يُصنفن تحت بند "العمالة غير المنظمة" لعدم حصولهن على الحقوق التي تنص عليها قوانين العمل الإسرائيلية. فلا تحصل النساء على مستحقات أو تعويضات مالية لأنهن لا يحملن أوراقا ثبوتية وتصاريح للعمل، الأمر الذي يسهّل على صاحب العمل أو حتى السمسار الذي يعمل لديه من طرد العاملات الفلسطينيات متى يحلو لهم.

وعلى الرغم من أن عمل النساء الفلسطينيات في المستوطنات الإسرائيلية غير مستهجن في مناطق كثيرة في الضفة الغربية، بسبب شيوع الأمر في هذه المناطق، إلا أن الأمر في مناطق أخرى ينظر له بعدم القبول والمعارضة.

أخيرًا، هناك ضرورة لتوفير البديل الفلسطيني من أجل تأمين فرص عمل للنساء، وضمان حمايتهن وعملهن بكرامة، وللتحرر من الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي والسعي نحو بناء اقتصاد مقاوم يشمل برنامجا سياسيا نضاليا.

 رغدة عواد عرب 48