موضوع كامل ومتكامل عن "تكنولوجيا النانو"، كل ما تشاء أن تعرفه حول تكنولوجيا النانو تجده في هذا المقال:
المقصود بالنانو:
كلمة النانو هي بادئة منحوتة من اللغة اليونانية القديمة وتعني قزم ( Nanos ) وفي مجال العلوم يعني النانو جزءا من مليار ( جزء من ألف مليون ) فمثلا نانو ثانية ( وحدة لقياس الزمن ) تعني واحدا على مليار من الثانية الواحدة، وبالمثل يستخدم النانومتر كوحدة لقياس أطوال الأشياء الصغيرة جدا التي لا ترى الا تحت المجهر ( ميكروسكوب )الكتروني. وتستخدم هذه الوحدة للتعبير عن ابعاد أقطار ومقاييس ذرات وجزيئات المواد المركبة والجسيمات المجهرية مثل البكتريا والفايروسات، والنانو متر الواحد يساوي جزءا من الف مليون (مليار) جزء من المتر و بتعبير آخر فأن المتر الواحد يحتوي على مليار جزء من النانو متر وللمقارنة فأن النانو متر الواحد يعادل قياس طول صف مكون من 13 ذرة من ذرشات غاز الهيدروجين اذا ما تخيلنا أنها وضعت متراصة بعضها بجوار البعض .يبلغ مقياس أطوال بكتريا الكوليرا نحو 1 ماكروميتر وهو ما يعادل 1000 نانو متر .
المواد النانوية:
يمكننا تعريف المواد النانوية Nanomaterial بأنها تلك الفئة المتميزة من المواد المتقدمة التي يمكن انتاجها بحيث تتراوح مقاييس أبعادها او ابعاد حبيباتها الداخلية بين 1 نانومتر و 100 نانومتر، وقد ادى صغر احجام ومقاييس تلك المواد الى ان تسلك سلوكا مغايرا للمواد التقليدية كبيرة الحجم التي تزيد ابعادها على 100 نانومتر وان تتوافر بها صفات وخصال شديدة التمييز لا يمكن ان توجد مجتمعة في المواد التقليدية .
وتعد المواد النانوية هي مواد البناء للقرن الحادي والعشرين ولبناته الأساسية والركن امهم من اركان تكنولوجيات القرن الحادي والعشرين (تكنولوجيا النانو تكنولوجيا الحيوية، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات) والتي تعتبر معيارا لتقدم وحضارة الأمم ومؤشرا لنهضتها. هذا وتتنوع المواد النانوية من ناحية المصدر ،حيث تختلف باختلاف نسبها ،كأن تكون مواد عضوية أو غير عضوية او مواد طبيعية أو مخلَّقة. هذا وتعد جميع انواع المواد الهندسية المعروفة مثل العناصر الفلزية وسبائكها (Metal and Metal Alloys)، أشباه الموصلات Semiconductors، والأكاسيد والمعادن Oxides and metals ، وكذلك في هذا القرن وتعزيز الأداء على نحو فريد غير مسبوق.
وبينما يبدو تعريف علم النانو أمرا سهلاً فان وضع تعريف محدد لتكنولوجيا النانو يُعد أمرا أكثر صعوبة ،وذلك نظرا لتشعبها ودخولها في المجالات التطبيقية المختلفة، حيث أن كلا من هذه المجالات ينظر الى هذه التكنولوجيا من وجهة النظر الخاصة به وعامة فان تكنولوجيا النانو يمكن تعريفها بأنها تلك التكنولوجيا المتقدمة القائمة على تفهم ودراسة علم النانو والعلوم الأساسية الأخرى تفهما عقلانيا وإبداعيا مع توافر المقدرة التكنولوجية على تخليق المواد النانوية والتحكم في بنيتها الداخلية عن طريق أعادة هيكلة وترتيب الذرات والجزيئات المكونة لها مما يضمن الحصول على منتجات متميزة وفريدة توظف في التطبيقات المختلفة .وبهذا اضحت تكنولوجيا النانو بمنزلة بحر علمي مترامي الأطراف تمتز مياهه الساخنة بالإنجازات العلمية المثيرة بالمياه العذبة لينابيع العلوم الأساسية والهندسية والطبية وغيرها من أفرع العلم والمعرفة .
ولم تكن لتكنولوجيا النانو أن تبلغ ما وصلت اليه اليوم ألا من خلال اختراع وابتكار عدة تقنيات فريدة كان من شأنها أن تمكن تلك التكنولوجيا من التحكم في البنية الجزئية Molecular Structure التلاعب بذرات المادة وتصميمها وفق البوليمرات Polymers تعد بمنزلة المواد الأولية التي تعتمد عليها تكنولوجيا النانو في تحضير وإنتاج المواد والاجهزة النانوية وتمنح المادة الصفة (النانوية)أذا ما كانت مقاييس أحد أبعادها – بعد واحد على الأقل – ما دون 100 نانو متر .
علم النانو وتكنولوجيا النانو:
ربما لم تحظ أي تكنولوجيا سابقة بأهتمام وترقب كمثل الذي حظيت به تكنولوجيا النانو Nanotechnology التي تعد وبحق تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين ، والمفتاح السحري للتقدم والأنماء الاقتصادي المبني على العلم والمعرفة .
فعلم النانو يقصد به ذلك العلم الذي يعتني بدراسة وتوصيف مواد النانو وتعيين خواصها وخصالها الكيميائية والفيزيائية ، والميكانيكية مع دراسة الظواهر المرتبطة الناشئة عن تصغير أحجامها .وغني عن البيان أن تصغير أحجام ومقاييس المواد الى مستوى النانو متر ليس هدفا بحد ذاته بل هو فلسفة علمية راقية و انقلاب نوعي وعلمي على كلاسيكيات وثوابت النظريات الفيزيائية والكيميائية ،يهدف الى انتاج فئة جديدة من المواد تعرف باسم المواد النانوية لتتناسب خواصها المتميزة مع متطلبات التكنولوجيا المتقدمة للغرض التطبيقي المراد. وانطلاقا من هذا المفهوم فأن تطبيقات تكنولوجيا النانو لا تقتصر على فرع واحد بعينه من أفرع العلوم أو الهندسة أو الطب، بل تمتد تطبيقاتها لتشمل جميع الفروع والتطبيقات .
يخطأ من يتصور أن تكنولوجيا النانو هي مجرد أداة أو وسيلة للحصول على منتج متميز ، ولعل من الانصاف ان تعرف بانها ارقى من هذا بكثير ،فكما ذكرنا من قبل انه في غياب تلك التكنولوجيا وتقنياتها ما كان لنا ان نحقق تلك الطفرات الجبارة والقفزات العملاقة في دنيا عالم الاتصالات والمعلومات وما كان لنا ان نتبحر لنسبح في المياه العميقة للهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية .في غياب تكنولوجيا النانو لم يكن للعالم ان يحقق تلك الانجازات المتلاحقة في عالم الطب والدواء ومكافحة السرطان ودحره في مرقده ،كما لم يكن ممكنا لنا ان نطوع ذرات المواد الكيميائية لان تبحر خلال الشرايين الدموية متخذة في ذلك قواربها من كرات الدم الحمراء حتى تصل الى الخلايا الغليلة في الجسم كي تقدم لها الامل والعلاج ، لم يكن في استطاعة العالم ان يتحدث عن امكان توظيف الخلايا الشمسية وتصنيع بطاريات الهيدروجين لولا تلك الوثبات التكنولوجية الرائدة التي سخرتها لنا تكنولوجيا النانو في
مجال توليد الطاقة المتجددة والجديدة ،هل كان لنا ان نستخدم تلك الاجهزة الصغيرة المحمولة بين كفوف ايدينا والتي بها نستطيع تحديد مكاننا واحداثياته وتهدينا لسلوك الطريق الصواب خلال رحلتنا في الطائرات والسفن والسيارات ؟ هل كان للبشرية ان تنعم بشرب مياه عذبة نقية خالية تماما من الاملاح والشوائب والبكتيريا لولا استخدام المرشحات النانوية المنقية المياه ؟ وماذا عن تنقية المياه الجوفية من السموم الكيميائية لمخلفات الأسمدة بواسطة المواد النانوية؟
نبذة تاريخية:
خمسون سنة في نظريتها للمضي على صيحة عالم الفيزياء الأمريكي الشهير البروفيسور ريتشارد فينمان Richard Feynmanبان( هناك متسع كبير في القاع (There s Plenty of room at the Bottom كانت هذه الصيحة عنوانا لمحاضرته التاريخية التي ألقاها في حفل إقامته الجمعية الأمريكية للفيزياء التي نال عنها جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1965 1 .
وقد أبدع فين مان في محاضرته حيث أعطى تصورا ثاقبا خلاقا ينبئ عن أمكانية تغيير خواص أي مادة وتعظيم سماتها ، وذلك عن طريق اعادة ترتيب ذراتها بالشكل الذي يتأتى معه الحصول على تلك الخواص المتميزة والمختلفة تماما عن سماتها الأصلية قبل أعادة هيكلتها ، وقد ارجع أيمانه هذا الى العلاقة المباشرة التي تربط بنية المادة وخواصها structure سواء كانت هذه الخواص خواص كيميائية تتعلق مثلا بالنشاط الكيميائي أو خواص فيزيائية مثلا للون والشفافية . أيضا فان الخواص الميكانيكية لأي مادة مثل الصلابة والمرونة وغيرهما تعتمد كذلك على البنية الداخلية للمادة وأماكن وجود ذراتها وعددها بشبكتها البلورية Crystal lattice .
تكنولوجيا النانو:
ان استخدام المواد النانوية في بعض التطبيقات يرجع الى عدة مئات من السنين خاصة في مجال تحضير وتوصيف المركبات الكيميائية ، وذلك نظرا الى أن مقاييس وابعاد كل الجزيئات المكونة للمركبات الكيميائية تكون في مستوى النانو، وقد تناول عالم الفيزياء والرياضيات الأكثر شهرة ألبرت أينشتاين Albert Einstein في جزء من برنامجه العملي برسالة الدكتوراه منذ ما يقرب من مئة عام كيفية انتشار وذوبان السكر في الماء ، حيث تمكن من حساب أبعاد جزيء واحد من السكر ووجد أنه لا يتعدى النانو متر الواحد .
هذا الاكتشاف على الرغم من اهميته لم يعد مثيرا بحد ذاته في مرحلتنا الحالية التي نعيشها اليوم حيث تم التعرف على أبعاد الجزيئات المكونة للمادة وكذلك تم التعرف على كل الخلايا الحيوانية والنباتية والفيروسات والبكتريا والجسيمات الدقيقة وأدركنا تماما مدى تدنيها في الحجم الى مستويات أقل من 100 نانو متر والذي يدخل الكنائس الموجودة في البلدان الأوربية المنشأة في القرون الوسطى ، ربما يكون قد شاهد نوافذ الزجاج الملون Stained Glass Window الموجودة بها والذي تتداخل فيه حبيبات نانوية من فلز الذهب الحر بأقطار مختلفة المقاييس. وكما هو معروف فأن اختلاف طول قطر كل حبيبة من حبيبات فلز الذهب يُعطي لونا مغايرا وفقا لظاهرة التشتت أو التكسير الضوئي Light Scattering لسطح المادة الذي يتسبب في كسب المادة للون الذي تراها عليه. لذا فأن ألوانها الظاهرة لنا تتدرج من الأصفر الى البرتقالي الى الأرجواني ثم الى الأحمر والأخضر وفقا لطول أقطار حبيباتها .
واذا كان الأمر هكذا فما الجديد أو الفريد اذن ؟ الإجابة عن هذا السؤال تكمن في أن ما قام به العلماء السابقون لنا وعلى الرغم من ابداعهم العلمي كان مجرد رصد لظاهرة معينة او ملاحظة ارتباط ظاهرتين او أكثر كل منهما بالأخرى. أما اليوم فأننا لا نكتفي فقط بدراسة تأثير صغير الحبيبات المكونة للمادة على الخواص المختلفة لها وايجاد التفسيرات والتبريرات العلمية لهذا الارتباط الوثيق فقط بل لقد انتقلنا بالفعل الى مرحلة جديدة ومهمة وهي القدرة على أنتاج وتصنيع مواد واجهزة نانوية متقدمة يتم توظيفها في كل المجالات التطبيقية وكل هذا في الأساس يرجع فضله الى علمائنا الأوائل الذين سبقونا في الملاحظة في بعض التطبيقات أذن وكما سبق ان اشرنا أليه فان تصغير حجم وابعاد الحبيبات المكونة لبنية أي مادة ليس هدفا أو غاية بحد ذاته بل هو وسيلة وسبيل لتحسين الخواص المختلفة للمادة تمكننا من توظيف والتأثير الكمي المكتسب لدى تلك المواد النانوية والذي يتعاظم بتدني صغر حبيباتها ليهيمن على سلوكها ويعمل على تحسين صفاتها وخواصها البصرية والكهربية والمغناطيسية وجميع الخواص الأخرى بشكل متميز وغير مسبوق .
المادة اللبنة الأولى للحضارة الإنسانية:
تؤدي المادة دورا مهما ورئيسيا في حياتنا حيث لا ننتهي من استخدام المواد في كل لحظة من لحظات حياتنا اليومية متنقلين في ذلك من مادة الى أخرى ومن استخدام الى آخر ولعلي لا أكون مخطئا أن ظننت أن المواد هي صاحبة الدور الأكثر تأثيرا في أثراء ثقافة الأنسان وبناء حضارته لذا فلم يكن غريبا أن يتم تصنيف وتقييم الدول وفقا لتقدمها في انتاج واستخدام المواد الفلزية لسبائك الصلب وعلى النقيض من البلاد النامية التي يستهلك الفرد الواحد فيها من منتجات الصلب المتنوعة أقل من 10 كيلو غرامات سنويا، فأن نظيره في الدول المتقدمة والدول الثرية يستهلك أكثر من 750 كيلو غراما سنويا .
وأحسب أن مؤشرات التنمية الاقتصادية والتقدم التكنولوجي في اي دولة لا ترتبط بهذا النمط الاستهلاكي من مخرجات ومنتجات المواد بل ترتبط بالمقام الأكبر بمدى تقدم الدول في أنتاج وتصنيع تلك المنتجات داخل الدولة ذاتها وثقة المستهلك بتلك المنتجات . وهذا بالطبع لا يتأتى من فراغ بل يقوم على مدى مهارة حكومات الدول في وضع وحياكة خطط بحثية مبتكرة وتفعيل سياسات الربط بين البحث العلمي والقطاعات الصناعية بحيث تتمكن الدولة من توظيف الإمكانات الإبداعية والابتكارية لأبنائها وتوجيهها نحو ابتكار تكنولوجيات حديثة وعمليات هندسية متطورة تعمل على تميز وتفرد منتجاتها الصناعية.
وقد قاد التفكير الإبداعي الذي وهبه الله للإنسان الى معرفة كيف يتدخل للهيمنة على البنية الداخلية للمادة واعادة صياغتها وتعديل هوية عناصرها عن طريق اضافة ذرات من عناصر أخرى أليها أو أقصاء ذرات مواد أخرى قد تكون متأصلة داخل هيكل المادة الأساسية لذا فقد ادرك الأنسان منذ تلك اللحظة مدى الدور المهم الذي يؤديه هذا التدخل في تحسين صفات المادة وتعظيم خواصها وايجاد آفاق تطبيقية جديدة ومبتكرة وقد قاد التطور السريع في علم المواد الى ميلاد عائلات جديدة من المواد أتسعت وتباينت رقعة تطبيقاتها منذ اللحظة الأولى لبداية ظهور الأنسان على سطح الأرض فأصبحت بمنزلة القاطرة التي دفعت البشرية نحو تحقيق ثوراتها الصناعية الكبرى .
لقد كان لتلك الثورات أعظم الأثر في قيادتنا خلال العشرين سنة الأخيرة كي ننجح في تنجيز ثورتين متتاليتين هما التكنولوجيا الحديثة ثم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات .
أعلن الأنسان عن تفجيره لأعظم ثورة في التاريخ البشري وهي ثورة تكنلوجيا النانو ولان كل هذه الثورات وتلك النجاحات المتواصلة قد تفتقت عن تطبيقات المواد ،فلم يكن غريبا ان تشغل المادة الحيز الاكبر من تفكير الفلاسفة قبل ان تشغل عقل وفكر العلماء والباحثين ، وذلك لكونها تمثل العالم المادي المحسوس لدينا .وتعد المادة المعول الرئيسي الاول في بناء الحضارة البشرية ، حيث تحتل المساحة الاضخم لبرنامج العلماء البحثية والتجريبية منذ ان فكر الانسان في استخدام الاحجار والصخور الا ان استخدم المواد النانوية في صنع حضارة القرن الحادي والعشرين.
المواد التقليدية:
لقد جرى التعرف على تصنيف المواد التقليدية الى عدة فئات فرعية ،وذلك وفقا لهويتها وتشابه خواصها وتطبيقاتها في المجالات المتنوعة ، يمكن ان نلخصها فيما يلي:
1-الفلزات والسبائك الفلزية . Metals and Metal Alloys
2-المواد السيراميكية . ceramics
3-البلماراتpolymers.
4-الماده المتراكبة composite materials.
الفلزات والسبائك الفلزية:
يقصد بالفلز metal الحالة العنصرية النقية من المعدن mineral مثل عناصر فلزات الحديد والنحاس والالمنيوم .هذا بينما نعني بالسبيكة الفلزية Metal Alloy ذلك المزيج المتجانس الناجم من تفاعل عنصرين او اكثر من الفلزات النقية ،وتنقسم المواد الفلزية الى قسمين فرعيين الاول سبائك الفلزات الحديدية التي يدخل في تركيبها عنصر الحديد ،اما القسم الثاني فهو سبائك الفلزات غير الحديدية التي لا يكون الحديد طرفا في تكوينها. وتتميز المواد الفلزية عامة بصفات عديدة مثل القابلية كذلك فهي تتميز بقدرتها على التوصيل الحراري الكهربي .ولعل سبائك الصلب المختلفة الناتجة عن صهر فلزات الحديد ،الكروميوم والنيكل وبعض العناصر الفلزية الاخرى، اكثر السبائك الفلزية شهرة وذلك نظرا الى تطبيقاتها الكثيرة والمتنوعة في المجالات المختلفة. ويحتل النحاس وسبائكه كذلك مساحة كبيرة من الاستخدامات والتطبيقات التكنولوجية المختلفة، وعلى الاخص في مجال التوصيل الحراري والكهربي .وقد ادخل الانسان خلال القرن الماضي وما يزال حتى يومنا هذا، على هذه المجموعة سلسلة من سبائك الفلزات الحقيقية مثل سبائك الالمنيوم والماغنيسيوم والتيتانيوم وغيرها، والتي تعد عماد صناعة الطائرات والصواريخ والمركبات بوجه عام ،حيث تتطلب هذه الصناعات موادا حقيقية تتمتع بالمتانة والمرونة.
المواد السيراميكية:
على النقيض من المواد الفلزية ،فان المواد السيراميكية ،مثل الاكاسيد والكربيدات والنيتريدات .هي مواد هشة Brittle Materials لا تبدي اي استعداد للطرق او السحب والتشكيل وذلك على الرغم من امتلاكها لعدد وافر من الخواص الميكانيكية المتميزة مثل ارتفاع قيم الصلادة Hard ness وقدرتها على مقاومة احمال واجهادات تشكيل وتشويه اسطحها الخارجية ، كذلك فهي تبدي مقاومة Strength فائقة اتجاه احمال واجهادات الضغط فلا تنهار بسهولة الا عند قيم عالية جدا تفوق بكثير قيم الاجهادات التي تتعرض لها في اثناء التشغيل . وبهذا تتمتع المواد السيراميكية بمقاومتها العالية لعوامل التآكل بالصدأ Corrosion والبري Erosion بيد ان هذه الفئة من المواد رديئة التوصيل الحراري والكهربي . واود ان اشير الى ان هذا الفقر بالتوصيل لا يعد عيبا في كل الحالات بل قد يعد ميزة في احيان كثيرة . حيث تستغل تلك الصفة لتوظيف المواد السيراميكية في صناعة العوازل وغيرها من المواد التي تحجب انتقال الحرارة والكهرباء من وسط الى وسط اخر ملاصق له . وهناك عديد من الامثلة لتلك المواد مثل الانواع المختلفة من الزجاج والفايبرغلاس والمواد الدخلة في صناعة الطوب المستخدم في المباني وكذلك الطوب الحراري.
البوليمرات:
تنتسب البوليمرات من حيث النشأة الى المواد العضوية ،حيث يدخل عنصر الكربون مكونا رئيسيا في تركيبها وعلى الرغم من وجود انواع متعددة من تلك المواد التي تمكن الانسان من صنعها، او المواد الطبيعية منها فان النايلون والبلاستيك والمطاط تظل مواد البوليمرات الاكثر شهرة . وذلك نظرا الى عموم تطبيقاتها في مجالات مختلفة وعديدة وقد احتلت البوليمرات منذ منتصف القرن الماضي موقعا متميزا في قائمة المواد الهندسية حتى اصبحت في اواخر القرن نفسه اكثر المواد المنتجة على مستوى العالم ، متفوقة في ذلك على الصلب الذي يبلغ انتاج العالم منه اليوم ما يقرب من مليار ونصف المليار طن سنويا .
وخلال السنوات الخمسين الماضية ظهرت انواع اخرى من تلك المواد حازت ثقة وشغف المستهلك مثل البوليثيلين والبولستر . وتشترك البوليمرات عامة في عدة صفات وخواص مثل قابليتها للتشكيل وعزلها للحرارة والتيار الكهربي وخفة الوزن والمتانة . وتعد ايضا اكثر المواد الهندسية تميزا في مقاومة التآكل والصدأ .
وغني عن الذكر ان البوليمرات تتفوق على جميع انواع المواد الهندسية الاخرى في اتساع رقعة تطبيقاتها بالمجلات المتنوعة حيث لا يكاد يخلو منتج منها ،فهي تستخدم في صناعة الاقمشة والثياب ولعب الاطفال وانابيب نقل السوائل مثل المياه والمواد الكيميائية وبطانات لثلاجات حفظ الاطعمة وصناعة عبوات حفظ الاطعمة كذلك فهي تدخل في صناعة العديد من المنتجات الاخرى مثل المركبات بكل انواعها وهياكل اجهزة الهواتف والعدسات اللاصقة.
المواد المتراكبة:
يقصد بالمتراكباتComposites ويطلق عليها ايضا اسم المواد المتراكبةComposite Materials تلك الفئة من المواد الهندسية التي تنتج عن طريق اضافة نسب وزنية او حجمية معينة من مادة او اكثر، تعرف بالمواد الداعمة Materials Reinforcement الى مادة الاساس او مادة القالب Matrix تخلط المواد الداعمة مع مادة القالب خلطا جيدا مما يضمن الحصول على متراكبة متجانسة، تتوزع داخلها اجسام المواد الداعمة توزيعا مثاليا.
ويشترط في اختيار المواد الداعمة ان تتمتع بالحياد الكامل ، فلا تتفاعل بعضها مع بعض او مع مادة الاساس بحيث تكون في صورتها العنصرية الفلزية داخل قالب المنتج النهائي للمتراكبة . ويتبلور الهدف من انتاج المواد المتراكبة بهذه الكيفية في اضافة خواص معينة الى مادة القالب او اضافة سمات وصفات لم تكن متأصلة بها. فعلى سبيل المثال . المادة الرئيسية المكونة لاطار السيارات هي المطاط، والمطاط من البوليمرات المعروف بسهولة التشكيل عند تعرضها لادني قيم من الضغوط لذا ليس من المنطقي ان يوظف المطاط الخالص لصنع هذه الاطارات التي تتعرض لعدد من الضغوط المعينة في اثناء سير المركبة لذا تضاف طبقة متشابكة من اسلاك الصلب الرفيعة السمك لتدعيم المطاط المستخدم ،مما يرفع مقاومته للإجهادات التي يتعرض لها في اثناء الاستخدام وتعد متراكبة الخرسانة المؤلفة من قالب اسمنتي .مادة الاساس. المخافة الى 5 انواع مختلفة من المواد الداعمة مثل الزلط ،ومواد مسد الفجوات والفراغات به مثل الرمل ، واضافات اخرى متعددة، من اشهر واقدم المواد المتراكبة التي عرفها الانسان ،وغني عن الذكر ان الزلط بعد اضافته وخلطه مع الاسمنت يؤدي الى رفع قيم مقاومة الاسمنت تجاه اجهادات الضغط التي يتعرض لها المنشأ بصفة مستمرة .
المواد المتقدمة:طائفة المواد المتقدمة تشمل المواد المتراكبة المتقدمة Advanced Composite Materials والزجاج الفلزي Glass Metallic والمواد غير المتبلورة ،والتي تعرف باسم المواد الامورفية Amorphous Materials وقد تضاءل استخدام مصطلح المواد المتقدمة حين برز الى الوسط العلمي مصطلح اخرا كثر تحديدا وهو المواد النانوية Nanomaterial التي سرعان ما بزغ نجمها لتحتل مكان الصدارة في قائمة المواد المتقدمة ، وذلك على الرغم من حداثة تاريخ انتاجها في بداية السبعينات من القرن العشرين.
تصنيف المواد النانوية وتطبيقاتها:
المواد النانوية احادية الابعاد:
تقع تحت هذه الفئة جميع المواد التي يقل احد مقاييس ابعادها عن 100 نانومتر . وسميت هذه الفئة بالمواد النانوية احادية الابعاد (اي التي لها بعد نانوي واحد فقط). ومن امثلة هذه المواد الرقائق او الاغشية Thin Layers مثل المواد النانوية الموظفة في اعمال طلاء الاسطح Surface Nanocoating كمثل التي تستخدم في طلاء اسطح المنتجات الفلزية بفرض حمايتها من التآكل بالصدأ، او تلك الافلام رقيقة السمك Thin Films المستخدمة في تغليف المنتجات الغذائية بهدف وقايتها من التلوث والتلف . كذلك تصنع مواد اشباه الموصلات المختلفة مثل رقائق السيليكون لتوظيفها في صناعة الخلايا الشمسية.
المواد النانوية ثنائية الابعاد:
يشترط في مجموعة هذه الفئة من المواد النانوية ان يقل مقياس بعدين من ابعادها عن 100 نانومتر. وتعد الانابيب او الاسطوانات النانوية(Nanotubes) ومنها انابيب الكاربون النانوية والالياف النانوية وكذلك الاسلاك النانوية ((Nanowires نماذج مهمة لتلك الفئة من المواد. ولم يكن غريبا ان ترشح ترشيح انابيب الكربون النانوية لان توظف كمواد داعمة ومقوية لقوالب الفلزات لرفع قيم صلادتها وتحسين خواصها الميكانيكية، وعلى الاخص رفع مقاومتها للانهيار ،كما انها تجمع خواص فريدة اخرى مثل القدرة الفائقة على التوصيل الحراري والكهربي . علاوة على خواصها الكيميائية المتميزة . ومن المتوقع استخدام الانابيب والاسلاك النانوية في تصنيع مكونات الخلايا الشمسية والشرائح الالكترونية واجهزة الاستشعار والاجهزة الالكترونية الدقيقة.
المواد النانوية ثلاثية الابعاد:
تمثل الكريات Spheres نانوية الابعاد، مثل الحبيبات النانوية وكذلك مساحيق الفلزات والمواد السيراميكية فائقة النعومة ،امثلة لهذه الفئة من المواد التكنولوجية المهمة التي نعتت بانها ثلاثية . نظرا الى مقاييس ابعادها على المحاور الثلاثة X،Y،Z تقل عن 100 نانومتر. ومن الجدير بالذكر ان هذه الفئة من المواد النانوية ثلاثية الابعاد سواء كانت على هيئة حبيبات ام مساحيق فائقة النعومة تتصدر قائمة الانتاج العالمي من المواد النانوية بوجه عام وذلك نظرا لتعدد استخداماتها في المجالات والتطبيقيات التكنولوجية الحديثة . فعلى سبيل المثال تتوافر الآن في الاسواق مساحيق حبيبات نانوية لأكاسيد الفلزات ذات اهمية اقتصادية كبيرة حيث تدخل اكاسيد الفلزات مثل اوكسيد السيليكون(2SiO) ،اكاسيد التيتانيوم (2TiO) ،اكسيد الالمنيوم(?Al?O) وكذلك اكاسيد الحديد(O??Fe) في قطاع صناعة الالكترونات ومواد البناء وصناعة البويا والطلاء ، وكذلك في صناعة الادوية والاجهزة الطبية الحديثة لتحل بذلك محل المواد التقليدية ،ولتساهم في رفع كفاءة وجودة المنتجات. وتعد فئة الحبيبات النانوية لعناصر الفلزات الحرة Nobel Metals. وعلى الاخص فلز الذهب من هم المواد النانوية الحبيبية وذلك لأهميتها واستخداماتها في كثير من التطبيقات المتعلقة بدحر وقتل الاورام السرطانية التي تصيب اعضاء الجسم. وقد استخدمت حبيبات الذهب النانوية في تحديد سلاسل الحامض النووي DNA المرتبطة بالمرض وكذلك في تحديد سلاسل الحامض النووي للفيروسات التي تغزو جسم الانسان.
خواص المواد النانوية:
الخواص الميكانيكية:
تأتي الخواص الميكانيكية للمادة على رأس قائمة الخواص المستفيدة من صغر حجم الحبيبات ووجود اعداد ضخمة من ذرات المادة على اسطحها الخارجية فعلى سبيل المثال. ترتفع قيم الصلادة Hardness للمواد الفلزية وسبائكها وكذلك تزيد مقاومتها Strength لمواجهة اجهادات الاحمال المختلفة الواقعة عليها وذلك من خلال تصغير مقاييس حبيبات المادة والتحكم في ترتيب ذراتها .
ويؤدي تصغير مقاييس حبيبات المواد السيراميكية الى اكتسابها المزيد من المتانة وهي صفة لا توجد في مواد السيراميك المعروفة بقاصفتها ومقاومتها للتشكيل، وقد اظهرت نتائج الابحاث الرامية الى تطوير المواد السيراميكية ورفع قيم متانتها وقابليتها للتشكيل وتحمل اجهادات الصدم الى تخليق انواع جديدة من تلك المواد. فعلى سبيل المثال تستخدم حبيبات كربيد التيتانيوم في تصنيع ادوات القطع والحفر المستخدمة في تقطيع الاجسام شديدة الصلادة وكذلك في الوصول الى مكامن زيت النفط وبحيرات المياه الجوفية من خلال التعامل مع صخور الطبقات الجيولوجية عالية الصلادة وذلك بدلا من استخدام مادة الماس الاسود مرتفع الثمن والذي تنخفض خواصه عن خواص هذه المواد النانوية الجديدة نجد الحبيبات النانوية الآن مرتفعة الصلادة والمتانة مثل حبيبات مادة اوكسيد الألمنيوم واكسي الزركونيوم مجالا تطبيقيا مهماً. حيث توظف في تغليف الاسطح الداخلية لاسطوانات المحركات من اجل زيادة العمر الافتراضي لتلك المحركات ووقايتها من الصدأ الذي تتعرض له في اثناء التشغيل نتيجة لتلامس مكوناتها الفلزية مع بعضها خاصة في الاماكن مرتفعة الحرارة والتي تفقد معها الزيوت المستخدمة في التبريد كفاءتها.
وتعد الاغلفة المكونة والمؤلفة من حبيبات النانو الفلزية التي تدمج مع حبيبات اخرى من مواد سيراميك، احد المفاتيح المهمة الموظفة في صناعة جسام الطائرات والمركبات الفضائية الاخرى .وتحاشي ظاهرة الاجهادات الواقعة عليها نتيجة تعرض اجسام هياكلها للوهن والضعف .
وتعمل الحبيبات المكونة للأغلفة التي تغطى بها اسطح هياكل المركبات الفضائية بمنع امتداد اي شروخ تقع على الجسم ووقف تقدمها وزحفها مما يحافظ على سلامة ومتانة الطائرات . ويزيد من اعمارها الافتراضية الى نسب تتراوح بين %200و%300 .تجدر الاشارة هنا الى ارتفاع قدرة المواد النانوية في وقف امتداد الشروخ بأجسام المركبات الفضائية ناتج عن تناهي صغر مقاييس ابعاد حبيباتها .
نقطة الانصهار:
تتأثر قيم درجات حرارة انصهار المادة بتصغير ابعاد مقاييس حبيباتها . فعلى سبيل المثال فأن درجة الحرارة التي يحول عنده تحول فلز الذهب النقي من الحالة الصلبة الى الحالة السائلة تعرف بنقطة الانصهار (Melting Point) هي 1064 درجة مئوية . والسؤال الذي يطرح نفسه هل تتغير هذه القيمة مع تغير اوضاع وترتيب ذرات فلز الذهب الناجمة عن تصغير مقاييس ابعاد حبيباته وزيادة مساحة اسطحه الخارجية؟
ان قيمة نقاط انصهار فلز الذهب تختلف باختلاف مقاييس ابعاد اقطار حبيباته ،حيث تتناقص بتناقص اقطار تلك الحبيبات تناقصا ملحوظا لنقل الى نحو500 درجة مئوية عند تدني مقياس اقطار حبيبات الذهب الى نحو 1.35 نانومتر هذا على الرغم من تساوي حبيبات الذهب ذات الاقطار المختلفة في التركيب الكيميائي وخلوها من الشوائب . ويبرر علماء الفيزياء سبب تناقص قيم نقط انصهار المادة مع تناقص مقاييس حبيباتها الى الزيادة الطارئة على مساحات اسطحها الخارجية واختلاف مواضع وترتيب ذرات فلز الذهب عما كانت عليه.
الخواص البصرية:
اضافة الى ما سبق شرحه من الخواص المهمة التي تتميز بها المواد النانوية .فقد استحوذت تلك المواد على اهتمام الباحثين والعلماء العاملين في مجال البصريات وذلك نظرا الى الخواص غير المسبوقة التي تمتلكها تلك المواد ،حيث تختلف في خواصها البصرية عن نظائرها من المواد التقليدية كبيرة الحبيبات.
ومن المثير للدهشة امتداد تأثير حجم الحبيبات الى تغيير الخواص البصرية للمادة ومنها التشتت او التكسير الضوئي لسطح المادة .فعلى سبيل المثال فأن اللون المعروف لحبيبات الذهب النقي التي تزيد اقطارها عن200 نانومتر هو اللون الذهبي الاصفر الذي نعرفه لكن اذا ما تم تصغير هذه الحبيبات الى اقل من 20 نانومتر ،فأنها تكون عديمة اللون (شفافة) ومع زيادة تصغير الحبيبات تظهر الحبيبات بألوان مختلفة من الاخضر الى البرتقالي ثم الاحمر ، وذلك وفقا لمقاييس ابعاد اقطارها .وينعكس تصغير احجام حبيبات الذهب على قدرة تلك الحبيبات لمقاومة التكسير الضوئي وجمعها بين انبعاث طيفي ضيق المدى وطيف استثارة واسع المدى.
ويعد مجال الالكترونيات والبصريات احد اهم المجالات التطبيقية الخاصة بالمواد النانوية التي تجمع في خواصها صفات بصرية وقدرة فائقة على التوصيل الكهربي ،حيث تستخدم هذه المواد في صناعة الشاشات عالية الدقة فائقة التباين ونقاء الالوان ،مثل شاشات التلفاز والحاسبات الحديثة.
الخواص المغناطيسية:
تعتمد قوة المغناطيس اعتمادا كليا على مقاييس ابعاد حبيبات المادة المصنوع منها المغناطيس ،وكلما صغرت تلك الحبيبات وتزايدت مساحة اسطحها الخارجية ووجود الذرات على تلك الاسطح ،كلما ازدادت قوة وفعالية المغناطيس وشدته. وتعد المواد النانوية ذات الخواص المغناطيسية اهم مصادر المواد التي تدخل في انتاج المغناطيسات فائقة الشدة المستخدمة في المولدات الكهربية الضخمة. ومحركات السفن والبواخر العملاقة . كما تدخل الحبيبات النانوية للمواد المغناطيسية في صناعة اجهزة التحليل فائقة الدقة وكذلك في صناعة اجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي وكذلك في اجهزة التشخيص الطبي بشكل عام.
الخواص الكهربائية:
أثر تناهي صغر احجام حبيبات المواد النانوية وكثافة اعداد الحدود الحبيبية بالإيجاب على خواصها الكهربية التي تتمثل بقدرتها الفائقة على توصيل التيار الكهربي .وتستخدم المواد النانوية الآن في صناعة اجهزة الحساسات الدقيقة والشرائح الالكترونية بمختلف الاجهزة الحديثة. كما تستخدم في صناعة مكونات الهواتف الخلوية والحاسبات. مما مكن هذه القطاعات الصناعية من انتاج اجهزة خفيفة الوزن عالية المواصفات التقنية وفي الوقت نفسه منخفضة التكلفة . ويأتي التأشير الكمي على تلك الحبيبات النانوية متناهية الصغر ليحسن ويعزز من تلك الخواص والخصال وذلك وفقا لنظرية ميكانيكا الكم التي جاءت لتصحح قوانين نيوتن الكلاسيكية.
طب النانو:
نعرفه بأنه مجموعة من تقنيات طبية حديثة تقع تحت مظلة تكنولوجيا النانو لتشمل كل ما يتعلق بالمجالات الطبية المختلفة الرامية الى تحسين صحة الانسان والحفاظ على سلامته وقد اخذت تلك التكنولوجيا على عاتقها منذ بداية هذا القرن تقديم ابتكارات واختراعات تقنية مذهلة تخص مجالات الطب والدواء والكشف المبكر عن الاورام والامراض .
ولعل النسبة الكلية لمبيعات المواد الطبية المنتجة بواسطة تكنولوجيا النانو في العام 2007 والتي بلغت نحو 15 في المائة من اجمالي المبيعات الكلية للمواد والاجهزة النانوية. وقام طب النانو بتحقيق خطوات رائدة تقود العالم اليوم الى ثورة طبية شاملة . تمثلت بتغيير كامل لمفاهيم طرق العلاج التقليدية وتطوير تقنيات التشخيص والكشف المبكر عن الامراض والاورام.
وكذلك حققت طفرات مثيرة تمثلت في ابتكار انواع متقدمة من اجهزة التوصيف وصفت من اجل فهم وتحليل بنية وتركيب الحامض النوويDNA للإنسان والفيروسات على حد سواء . وادى هذا الى معرفة سلوك الامراض والفيروسات وميكانيكية حركتها وتنقلاتها داخل الجسم .
طب النانو لتشخيص الحالة الصحية:
ان تكنولوجيا النانو تتيح للإنسان انتاج مواد ومصنعات جديدة من خلال التلاعب بذرات المادة واعادة ترتيبها بالشكل والحجم المناسبين لكي تظهر معها صفات جديدة لم تكن متأصلة في المادة الاصلية . وقد ادى التحكم في هيكلة المواد المستخدمة كعقاقير طبية وتصغير احجام حبيباتها الى زيادة في قدرات وخواص تلك المواد مما سمح لها بالتفاعل والتطبيق مع محتويات خلايا الاعضاء الحية .
وان الصفات الفريدة التي اكتسبتها المواد النانوية المختلفة قد ادى الى طفرات كبيرة في طرق العلاج ووسائل الرعاية والمتابعة الصحية . ويعد الطب الوقائي احد اهم المجالات الطبية حيث يعتني بتوظيف مهارات الاطباء والفاحصين لتعزيز صحة الأنسان ومنع حدوث المرض مع تسخير كل الأجهزة المستخدمة في الفحوصات الطبية المتعلقة بالاستكشاف المبكر للمرض من خلال رصد الكاشفات الحيوية والأعراض المرتبطة والتي تُعد نذيرا ببدء حدوث تغيرات حيوية غير محمودة في الجسم تؤدي غالبا الى تفشي أصابته في المرض.
لكشف المبكر عن الأورام السرطانية:
لقد اتاحت تكنولوجيا النانو آفاقا جديدة وإضافات فريدة لعمليات التشخيص المبكر للسرطان من خلال فئة متقدمة من المواد تُعرف باسم البلورات النانوية التي يطلق عليها ايضا أسم النقاط الكمية لأشباه الموصلات ( الكادميوم سيلينيد أو الكادميوم سلفيد وغيرهما ) والتي يتم تحضيرها على هيئة حبيبات كروية الأشكال ذات أبعاد متجانسة تتراوح اقطارها بين 2 و 10 نانومترات .
ونظرا الى تدني أحجام تلك البلورات النانوية فأنها تسلك سلوك الذرة الأحادية ومما يؤهلها للتمتع بخواص بصرية وموصلية متميزة لا تمتلكها اي مادة اخرى لشباه الموصلات ولضمان عدم تعرض خلايا الجسم للتسمم بهذه المواد المعروفة بشدة السمية فأن حبيبات البلورات تغلف بطبقتين ، الطبقة الأولى مكونة من سلفيدات الزنك ZnSوالطبقة الخارجية للحبيبة مكونة من مادة السليكا SiO?فعند حقن المصاب بمحلول يحتوي على تلك الحبيبات فأن الأجسام المضادة المشتقة من بروتينات الخلايا السرطانية والعالقة بسطح الحبيبات تقوم بدور المرشد في توجيه الحبيبات الى مواقع الخلايا السرطانية بالجسم دون غيرها من الخلايا غير المصابة.
طب النانو: سلاح البشرية لدحر السرطان:
الطرق التقليدية المستخدمة لمكافحة السرطان:
الطرق التقليدية المستخدمة لمعالجة الاورام السرطانية اما ان تكون عن طريق التدخل الجراحي .واما عن طريق العلاجين الكيميائي او الاشعاعي . ان الاجزاء المصابة بالأورام السرطانية تكون اكثر حساسية للحرارة اذا ما قورنت بغيرها من الانسجة والخلايا السليمة بالجسم . لذلك استغلت في محاولات للهيمنة على الورم السرطاني حين ظهوره في منطقة ما من الجسم والقضاء عليه محليا في المنطقة المصابة . وذلك عن طريق اخضاعه للتأثير الحراري بواسطة تقنية حديثة تعرف باسم (العلاج بالتذرية الحرارية ) وقد اعطت هذه التقنية كثيرا من الامل في القضاء على الاورام الخبيثة التي يستخدم فيها شعاع الليزر الموجه بدقة صوب الورم الخبيث ، اظهرت نتائج مشجعة في علاج الحالات المتأخرة والتي يكون فيها الورم قد استفحل وتوغل بالجسم منتقلا الى خلاياه الليمفاوية التي تنقلها الى اجزاء الجسم كله. حيث اكدت جميع النتائج التي اجريت على حيوانات التجارب او المتطوعين من البشر ، نجاح الطرق القائمة على هذه التكنولوجيا في قتل تلك الخلايا الخبيثة .
موصلات الدواء لاستهداف السرطان:
قام التقدم المذهل في بحوث علم وتكنولوجيا النانو الى ابتكار انواع متميزة من موصلات الادوية المتخصصة في قهر وازالة ما يعرف بسرطان الخلايا النجمية الذي يعد اكثر واخطر انواع السرطانات التي تصيب خلايا المخ ، والتي تمثل اكثر من 40 في المائة من حالات الاصابة بأورام المخ . لاشك فيه ان وجود هذا الورم في ذلك المكان الدقيق والحساس يشكل صعوبة بالغة للأطباء في التعامل الجراحي معه او العلاج الاشعاعي له. هذا وقد دافعت ادارة الاغذية والادوية الامريكية (FDA)U.S في العام 2005 على التصريح باستخدام احد ادوية النانو الاكثر شهرة في العالم والذي يحمل اسما تخاريا ذائع الصيت في علاج سرطان الثدي وبنجاح .
قذائف الذهب النانوية لقهر السرطان:
قد ارتبطت الحبيبات الذهبية باسم القذائف لأنها تنطلق عند حقنها بالجسم مثل طلقات القذائف الموجهة لتصيب الخلايا او الورم السرطاني في مقتل دون غيره من الخلايا كذلك تسمى حبيبات الصدفيات النانوية . ووجود نسبة ضئيلة من الحبيبات الذهبية داخل الجسم بعد الانتهاء من مهامها القتالية لا يسبب اي مشاكل صحية لان فلز الذهب يتوافق مع الاوساط البيولوجية لجسم الانسان ولا يسمم الجسم .
تكنولوجيا النانو للوقاية من البكتيريا والجراثيم:
اجرت بعض الشركات خلال السنوات الاولى من بداية هذا القرن العديد من الابحاث العلمية المثيرة على الحبيبات النانوية لفلز الفضة لمعرفة مدى امكانية توظيفه في مجال مقاومة العدوى وقتل الانواع المختلفة من البكتيريا الضارة والفيروسات . وقد اشارت النتائج الى ان الحبيبات البلورية لفلز الفضة لها قدرة مدهشة على قتل انواع متعددة من البكتيريا الضارة والفيروسات والجراثيم . وذلك يرجع الى تصغير تلك الحبيبات الى أقطار تقل عن 5 نانومترات يعمل على زيادة كبيرة في مسحة السطح للحبيبات .
ومع تناقص اقطار الحبيبات وزيادة مساحة السطح تتولد لدى ذرات عنصر الفضة الموجودة بلب الحبيبات النزعة في الهجرة الى السطح الخارجي للحبيبات مما يؤدي الى زيادة كبيرة في نشاطها الكيميائي وكذلك زيادة في تفاعلها مع أوكسجين الهواء الجوي .
ونتيجة لذلك تتكون أيونات الفضة السامة التي تكون مسؤولة عن قتل الجراثيم والفايروسات .وقد احتكرت أحدى الشركات الكورية المتخصصة في صناعة الأجهزة الكهربية والإلكترونية تصنيع الثلاجات المنزلية المغطاة من الداخل بطبقة رقيقة من فلز الفضة بهدف قتل البكتريا والجراثيم التي قد توجد لأجل حماية الأطعمة المحفوظة من التلوث البكتيري .
كذلك قامت احدى الشركات المتخصصة في صناعة الأحذية بوضع ألياف نانوية من فلز الفضة بداخل الحذاء وذلك من أجل منع فطريات القدم والبكتريا من النمو في اثناء فترة ارتداء الحذاء ويمثل هذا المنتج أهمية كبيرة لمرضى الداء السكري الذين يعانون بصورة دائمة من التقرحات والالتهابات بالقدم ، تمنع الإصابة بالعدوى البكتيرية التي قد تؤدي الى عواقب وخيمة تتمثل في حدوث غرغرينا بالقدم .
دعامات القلب النانوية:يلجأ الجراحون الى استخدام ما يسمى بالدعامات ،وذلك بغرض فتح وتوسيع شرايين القلب المصابة بضيق شديد في مساحة مقطعها نتيجة التراكم المستمر لطبقات الكوليسترول على جدرانها الداخلية والذي يحول دون سريان الدم المحمل بالأوكسجين . وتلك الدعامات عبارة عن انابيب صغيرة اسطوانية الشكل مصنوعة من فلزات حرة ، تركب في الشريان المصاب بصورة دائمة مما يسمح بمرور الدم من خلاله بالإضافة الى أن تلك الدعامات الفلزية تحول دون تراكم طبقات الدهون على الجدران الداخلية للشرايين مما يمكن الشرايين من بناء أنسجة جديدة لسطحها الداخلية وعلى الرغم من وجود العديد من المشاكل التي تترتب على استخدام تلك الدعامات مثل حدوث تلوث في الدم او جلطة أو نزيف، فأن خطرها يتمثل في رفض الجهاز المناعي لمادة الدعامة الفلزية ومقاومتها بصورة دائمة مكونا ندبا تتراكم على الجدران الداخلية للشريان وبالتالي تعيق سريان الدم بداخلها . وقد ساهمت تكنولوجيا النانو مساهمة كبيرة في أيجاد حلول عملية للتغلب على تلك المشاكل ، من خلال تغطية اسطح أنابيب الدعامات بطبقات نانوية رقيقة السمك من البوليمرات .أيضا توظف انابيب الكربون النانوية في انتاج الدعامات التي تتمتع بمعاملات فائقة في المرونة والمتانة . هذا بالإضافة الى عدم مقاومة الجهاز المناعي في الجسم لها .
المحفزات الضوئية النانوية:
انه منذ بداية هذا القرن ارتبط مصطلح الحفز الضوئي ارتباطا وثيقا بتكنولوجيا النانو. الامر الذي نتج عنه ميلاد عدد من المخرجات المبتكرة المعروفة باسم المحفزات الضوئية والتي تلقى منذ سنوات قليلة ، رواجا واقبالا منقطعي النظير. وفي الآونة الاخيرة ايضا، ونتيجة لنجاح تكنولوجيا النانو في انتاج تلك الفئة المتميزة من المواد المتعددة الاستخدامات والتطبيقات اضحى كثيرا من المصطلحات الفنية والتقنية المرتبطة بعمل واداء تلك المواد النانوية المتقدمة ، كلمات شائعة وتعبيرات متداولة بين افراد الاسرة .
كثيرا ما نسمع ونشاهد اليوم ، تقارير عن توافر اجهزة تكييف مزودة بفلاتر هوائية خاصة قادرة على التخلص من البكتيريا العالقة بجو الغرف المغلقة وتنقيته من العوالق الدقيقة التي تضر جسم الانسان عند استنشاقها. ونشاهد كذلك في الاسواق كثيرا من الاجهزة التي توظف المحفزات الضوئية النانوية لتنقية الوسط الهوائي الداخل للمنازل وتخليصه من الروائح الكريهة DEODORIZING. هذا الى جانب توافر فلاتر مياه لها القدرة على تصفية وتنقية مياه الشرب داخل المنزل من العوالق والملوثات، الى جانب تخليصها من العوالق البكتيرية والفطرية التي قد توجد بها.
حبيبات ثاني اكسيد التيتانيوم:
ترجع معرفة العالم بمادة ثنائي اكسيد التيتانيوم Tio2 اسباب استخدام هذه المادة خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة لرخصها وثباتها الكيميائي. علاوة على انها مادة صديقة للإنسان والبيئة . وعلى الرغم من هذا الثبات الكيميائي العالي لمادة Tio2 فانه عند تعرضها لمصدر من مصادر الضوء ، مثل الاشعة الفوق البنفسجية ، يزداد نشاطه الكيميائي بشكل كبير وملاحظ .
وقد عرفت تلك الخاصية الكيميائية منذ نحو 80 سنة ، حين لوحظ (تقشرFlaking )في طبقة الحائط المطلية بدهانTio2 وذلك عند تعرضها لأشعة الشمس ، التي تسبب ايضا تغيرا في الوان الاقمشة التي تدخل بصبغتها مادةTio2 .
ومنذ مطلع القرن الماضي، كثف العلماء والباحثون من مختلف المدارس العلمية في العالم دراستهم بشأن هذه الظاهرة التي تعرف باسم النشاط الضوئي Photoactivity ، حيث اظهرت نتائج تلك الدراسات المستفيضة التي خضعت لها حبيبات Tio2 ، بأنها مادة لها قدرة عالية على الامتصاص والتشبع بأشعة الشمس فوق البنفسجية ، وهذا يؤدي الى تولد ذرات من الاكسجين على سطح تلك الحبيبات. وقد عزا العلماء سبب(النصاعة الظاهرية ) التي تبديها الصبغات والدهانات المؤلفة من تلك الحبيبات ،الى خاصية فريدة تتمتع بها هذه المادة ، تعرف باسم (القصارة او الابيضاض الضوئي Photobleac). وهذه الخاصية ليست محصورة فقط في حبيبات Tio2 النانوية. لكنها موجودة في اكاسيد اخرى ، وان اختلف مقدارها وشدتها، مثل أكسيد الزنك ZnO .
ظاهرة الحفز الضوئي:
ان ميكانيكية امتصاص الضوء في المواد من اشباه الموصلات النقية ، مثل السيليكون والجرمانيوم ، والتي اذا ما عرضت الكتروناتها الواقعة في نطاق التكافؤ الخارجي لذرات تلك المواد ، الى مصدر ضوئي(طاقة ضوئية) تسمى طاقة الفوتونات ، يعمل ذلك على اثارتها على البقاء والاستمرار في هذا النطاق من الذرة وذلك كننتيجة لاكتسابها تلك الطاقة . وتتبع ذرات المحفزات الضوئية النانوية مثل Tio2الميكانيكية نفسها ، فقد اكسبتها مقاييس ابعاده النانوية الصغيرة جدا خواص المواد من اشباه الموصلات على الرغم من كونها اكاسيد فلزية. وعند اكتساب هذه الالكترونات طاقة عالية تفوق في قيمتها مقدار قيمة الطاقة التي تربطها بنواة الذرة ، فأنها تتحرر متسامية على مدارها لترتقي على نطاق اخر يعرف باسم نطاق التوصيل ، الذي يفصله عن النطاق الاول فجوة تعرف باسم فجوة النطاق .
وخلاصة القول ان الالكترونات المهاجرة من مداراتها الخارجية الواقعة على نطاق التكافؤ، تكتسب طاقة عالية تكون كالجسر الرابط بين نطاقي التكافؤ والتوصيل، والتي بها تتمكن الالكترونات الخارجية من عبور الفجوة . وحيث ان الالكترونات بالذرة تحمل شحنات سالبة فأنها حينما تغادر مواقعها بنطاق التكافؤ ، تحمل معها تلك الشحنات، تاركة من ورائها فراغات موجبة الشحنات. ولكن سرعان ما تنجذب تلك الالكترونات سالبة الشحنة نحو مواقعها الاصلية فتعود البيها وتحتلها. ولكنها لا تكاد تتأثر ثانية بفوتونات ضوء الشمس– طاقة ضوئية- حتى تترك مواقعها مرة اخرى، لتنطلق الى نطاق التوصيل. وهكذا تكون الالكترونات في حركة دائبة داخل بلورة المواد من اشباه الموصلات، ليتولد بذلك جهد كهربي بينها وبين الفجوات موجبة الشحنات، وعلى اساس ذلك الجهد يسير التيار الكهربي ، بين القطبين (السالب والموجب) .
المصدر: كلية التربية ابن حيان للعلوم الصرفة
الكاتب:"حمد رحمن جبر البركاوي"... منقول بتصرف من "حنين أحمد طه"