كتبت سجى بري
إنّ الاعتقال السياسي لا يتوقف عند سلب حرية الفرد، إنما يتمادى الطُغاة في قمع معارضيهم وأذيتهم، ومن التجاوزات في محاسبة معتقلي الرأي:
1. إنّ كثير من عمليات الاعتقال تتم دون إتباع الإجراءات التي ينص عليها القانون الفلسطيني، وفيها انتهاك واضح لحقوق الإنسان فلا يبلّغ المعتقلون بالتّهم المنسوبة إليهم، ولا يبلّغ ذويهم بأماكن احتجازهم أو التّهم المنسوبة إليهم .
2. التعذيب الجسدي: كالشبح لأيام والضرب بالعصي على مناطق حساسة كالرأس والصدر والظهر، وقد وصل الحد بهم للتعذيب بالكهرباء، وبالماء البارد أيام الشتاء، وأحد هذه النماذج التي تعرضت للتعذيب كاد يصل بها للموت الشهيد باسل الأعرج، فقد توقف قلبه عن النبض ثلاث مرات خلال اعتقاله عند أجهزة السلطة الفلسطينية .
3. التعذيب النفسي: وما يتعرض له المعتقل السياسي من سبٍّ وقذفٍ وتهديد بالأعراض، وقطعٍ للأرزاق ويصل التهديد للقتل والاغتيال.
4. ظروف معيشية قاسية في المعتقلات السياسية: وهذا حال معظم -إن لم يكن كل- المعتقلات السياسية في الوطن العربي، وهذا وحده انتهاك لحقوق الإنسان وتجاوز في محاسبة مخالفي الرأي.
5. التهديد بالقتل: قلتها سابقًا كنوعٍ من أنواع التعذيب النفسي التي يتم ممارستها في المعتقلات السياسية، ولكن الأدهى من ذلك أن هذه التهديدات تنفذ حقًا في بعض الحالات وقد شهدنا في واقعنا الفلسطيني المعاصر كثيرًا من الاغتيالات السياسية لمعتقلين سابقين، وكان آخرهم نزار بنات.
إنّ لاعتقال الآخر وقمعه آثارًا سلبية على المجتمع بأكمله، فعدا عن كونه دليلًا على مشكلة أصيلة متجذرة في الطبقة الحاكمة ألّا وهي غياب الحرية وعدم احتمال أن تكون هناك إمكانية للتعدد والاختلاف، فإنّ هذه الممارسة تُدخِل المجتمع في دوامة من التآكل والشلل، ويصبح العنف هو الوسيلة الوحيدة للحوار، ويتأجج الخلاف بين الأفراد، ويؤدي كل هذا إلى إلغاء العمل السياسي بمعناه الحقيقي والعصري، وغياب دور الأحزاب الفعّال وتراجع المشاركة الشعبية وانعدام الرقابة والمحاسبة وكثرة الفساد وسهولة تفشيه في مؤسسات المجتمع، مما يؤدي لاستنزاف موارد الشعوب وسهولة وقوع اقتصاده وهيمنة الشركات الأجنبية عليه وتحكمها فيه، مما يجعل هذه الشعوب تحت احتلال اقتصادي، ولا أتحدث هنا عن شعبٍ قابعٍ تحت احتلالٍ أصلًا، فيكون الاعتقال السياسي خدمة له، والتمزق في جسد المجتمع سببًا لاستمرار هيمنته وقوته.
كيفما نظرنا للأمر فإنّ الاعتقال السياسي جريمة، لا بحق الأفراد فقط إنّما بحق الشعوب، وإن لم تظهر نتائج الاعتقال السلبية بهذه الصورة الواضحة الآن فإنها لابد أن تظهر لاحقًا، وقد ساءت الأمور بالفعل ويستحيل تدارك نتائجها.