م.ميساء ابو منيفي
البيوت القديمة لم تكن قوية! بل كانت بيوت دافئة متعبة حزينة تبكي على ما حل بها من ويلات ونكبات متتالية من احتلال غاشم سرق الأرض وسرق البيوت وقتل وشرد ومايزال...!
البيوت القديمة لم تكن قوية! بل كانت وفية تحمل عبق التاريخ و إرث الأجداد الصامد ومازالت...!
لا احد منا لم تجتاحه خليط من المشاعر عند زيارته البلدة القديمة، وهنا ساتحدث عن البلدة القديمة في الخليل على وجه الخصوص، في هذا المكان العريق القديم رائحة الأجداد الكرام فشواهدهم باقية وعمرها اطول من عمر الاحتلال البغيض.
عندما تتجول في شوارع وأزقة البلدة القديمة تختلط بك مشاعر الدفء والحنين ومشاعر الفخر والاعتزاز ومشاعر الحزن والألم، لكن سيبقى الغضب سيد هذه المشاعر، حين تجول بنظرك إلى أسطح البيوت القديمة فترى فوهة بندقية احتلال مصوبة نحوك، احتلال مدجج باقوى وأحدث أنواع الأسلحة، هدفه أن يرهبك ويمنعك من أن تتنقل في أزقة وشوارع بلدتك بحرية ، ممارسات وقيود يفرضها الإحتلال على سكان البلدة القديمة في الخليل.
يقول احد سكان حي تل الرميده في البلدة القديمة ان سكان المنطقه كافة يعانون من الممارسات التي تتجسد في الاذلال اليومي على الحواجز والدخول بارقام هويات حيث ان هذا الإذلال لا يقتصر فقط على سكان هذه المنطقه بل يطال اقاربهم خارج تل الرميده الذين يحتاجون الى تنسيق مسبق مع الارتباط الفلسطيني وغيره حتى يتمكنوا من الدخول الى المنطقه، مضيفا ان معاناته الكبرى تتمثل في الصعوبات والعوائق التي يواجهها عند تزويج احد ابنائه او احدى بناته حيث انه لا يمكن ان يزوج بناته خارج المنطقة، وذلك يشكل معاناة كبيرة حيث ان مجتمعنا تقليدي وهذه الممارسات والتضييقات تقلل من فرص زواج الفتيات خارج المنطقة. وهذه المعاناة تسببت في تهجير ستة عائلات من سكان المنطقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث انهم يسعون إلى ادخار كل قرش في سبيل شراء بيت خارج المنطقة للتخلص من المعاناة اليومية والتنقل بحرية دون مضايقات. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سياسة تهجير مقنعة تهدف إلى التخلص واقتلاع السكان الأصليين.
معاناة الأطفال لا تقل أهمية عن معاناة باقي فئات السكان حيث ان أطفال المدارس يقطعون مسافات طويلة مشيا على الاقدام ذهابا وإيابا تحت أشعة الشمس الحارقة صيفا وفي البرد القارس شتاءا، لانه لا يسمح للأهالي التنقل بسياراتهم الخاصة في المنطقة. وعلى عكس ذلك يأتي باص لنقل اطفال المستوطنين إلى مدارسهم بينما الاطفال الفلسطينيين محرومون من أبسط حقوقهم، بل ويتعرضون إلى محاولات دهس من قبل المستوطنين ومضايقات وتفتيش وغيرها من الممارسات الخانقة أثناء ذهابهم إلى مدارسهم ، وهذا جزء من معاناة الأطفال اليومية.
يقول احد سكان المنطقة: "أن معاناتنا على الحواجز من قبل جنود الاحتلال هذه قصة طويلة وكأنكِ تحركين بسؤالك خنجرا مزروعا بالقلب، كلما تحرك هذا الخنجر سال الدم"، يضيف أنه كل أربعة أشهر يقوم الجيش بتغيير الكتيبة المسؤولة عن الحواجز والتفتيش بأخرى اكثر قوة وصرامة ومن هنا تبدأ معاناة متكررة بشكل دوري، فالكتيبة الجديدة تريد فرض سطوتها وسيطرتها بالقوة والسلاح لتكون بذلك سيدة الموقف في هذه المنطقة، يقول : " انا عمري خمسون عاماً من مواليد المنطقة وقضيت فيها سنوات عمري فلا يعقل أن يأتي جندي يبلغ من العمر تسعة عشرة عاما يتبجح بقوته وسلاحه ويحد من حريته ويمارس عليه غطرسته وسياسة الإذلال المتبعة بحق السكان. يضيف عادة من اسبوعين إلى ثلاثة أسابيع واحيانا شهر يحتاج جنود الاحتلال هذا الوقت لحفظ وجوه سكان المنطقة وما أن يحدث هذا ليخفف عن السكان المعاناة الصعبة والإجراءات اليومية والتفتيش والمشاكل التي تحدث بين السكان وجنود الاحتلال ، لا تمضي ثلاثة أشهر إلا ويقوم جيش الاحتلال باستبدال الكتيبة وتجديد المعاناة والإذلال المدروس والممنهج بحق سكان المنطقة.
كل الشرائع السماوية والمنظمات الدولية وحقوق الإنسان كفلت للإنسان حرية الحركة و التنقل ويأتي الاحتلال ليسلب هذا الحق المشروع من أصحابه وهم سكان البلدة القديمة ويفرض عليهم قيودهم بدون اي وجه حق. يناشد سكان المنطقة كافة المنظمات الدولية وحقوق الإنسان بالتدخل العاجل والسريع للتخلص من سياسة الاحتلال في حرمانهم من حقهم الطبيعي في التنقل والحركة بحرية في مدينتهم. ويطمحون أن يكسر قيد الاحتلال وينالون حريتهم المسلوبة في اقرب وقت.