خلص تقرير لجنة مجلس النواب الأميركي -التي حققت في الهجوم على مبنى الكابيتول يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021- إلى أنه يجب اتهام دونالد ترامب بارتكاب جرائم تتعلق بالهجوم من بينها تحريض أنصاره على الهجوم، وتقديم المساعدة والدعم لمثيري الشغب في انتهاك قوانين فدرالية متعددة، وأنه “ما كانت أي من أحداث 6 يناير/كانون الثاني لتحدث بدون ترامب”.
وصوّت أعضاء لجنة التحقيق بالإجماع على التوصية بضرورة ملاحقة الرئيس السابق بـ 4 تُهم هي: عرقلة إجراء رسمي، التآمر على الحكومة، الإدلاء ببيانات كاذبة، تقديم المساعدة لتمرد.
ويثور الجدل في واشنطن حول تبعات النهاية الدراماتيكية للتحقيق الذي استمر 18 شهرا، وما طبيعة الآثار المترتبة عليه، سواء السياسية منها أو القانونية.
وتُعد إحالة توصيات من هذا النوع -لوزير العدل- هي الأولى على مدار التاريخ الأميركي التي يصدرها الكونغرس ضد رئيس سابق.
وبدوره، اعتبر ترامب أن اللجنة تهدف لمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024 من خلال توصيتها لوزارة العدل بتوجيه “اتهامات زائفة” إليه.
الكرة في ملعب وزارة العدل
لا يملك الكونغرس القدرة على اتهام ترامب بأي من الجرائم الفدرالية المدرجة. فهذه السلطة لوزارة العدل فقط، وهي جزء من إدارة الرئيس جو بايدن. والإحالات الجنائية لا تحمل وزنا قانونيا، وليس لطلب الإحالة الصادر من لجنة مجلس النواب أية قوة قانونية ملزمة، ولا تعدو كونها مذكرة داخلية في وزارة العدل.
وبعد انسحاب وزير العدل ميريك غارلاند من الإشراف على تحقيقات الوزارة في “أحداث 6 يناير/كانون الثاني” لإبعاد شبهة تسيس التحقيقات، أصبح الأمر متروكا لجاك سميث (المستشار الخاص) فيما إذا كان سيوجه اتهامات لترامب.
ولا يتعين على المحقق المستقل التصرف بناء على ما توصي به لجنة تحقيق الكونغرس في هذه الأحداث، على الرغم من أن المحققين يولون اهتماما بتفاصيل النتائج التي توصلت إليها. ومن غير المتوقع أن نسمع الكثير عن تقدم المستشار الخاص، حيث تميل وزارة العدل إلى التزام الصمت الشديد، إن لم يكن الصمت التام، بشأن تفاصيل التحقيقات الجارية حتى تقديمها إلى المحكمة.
من ناحية أخرى، يواجه ترامب عدة مشاكل قانونية في عدد من الولايات، وليس فقط على المستوى الفدرالي، وخسر العديد من مرشحيه المفضّلين بالولايات المتأرجحة بالانتخابات النصفية. من هنا أصبح ترامب حاليا في أضعف حالاته منذ فوزه بالرئاسة قبل 6 سنوات.
شكوك بأهمية هذه الإحالة
يجمع الخبراء على أن انتخابات 2020 كانت نزيهة وعادلة، ولم تتم سرقتها، لكن من حق ترامب المجادلة بأنها كانت كذلك، حتى لو كان يعلم أنه يضلل أتباعه. ولا تتمثل مهمة وزارة العدل في مراقبة الخداع الحزبي باعتباره مؤامرة إجرامية.
وذكرت افتتاحية لصحيفة وول ستريت جورنال، أن “أحداث 6 يناير/كانون الثاني” تمثّل وصمة عار، وسلوك ترامب في ذلك اليوم ومنذ ذلك الحين هو سبب لعدم الوثوق به كرئيس مرة أخرى. لكن يجب على العدالة أن توازن بين قرار توجيه الاتهام إلى ترامب وخطر وضع سابقة بالغة الأهمية، بمحاكمة رئيس سابق يترشح ضد رئيس حالي.
وترى الصحيفة أن إحالة مجلس النواب وحدها ستعطي ترامب ذريعة للادعاء بأن هذه كلها حملة انتقام أخرى من الديمقراطيين. ويأتي ذلك في الوقت الذي يبدو فيه الناخبون الجمهوريون مستعدين لطوي صفحة ترامب، فقد رفض الناخبون في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي المرشحين الذين قاموا بحملاتهم على أساس نظريات ترامب في أن انتخابات 2020 قد تمت سرقتها. كما أن هناك صعودا لا يمكن تجاهله لمنافسي ترامب داخل المعسكر الجمهوري، مثل حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتس.
واعترفت اللجنة في تقريرها بأنه “على الرغم من أن جلسات استماع اللجنة قد شاهدها على الهواء مباشرة عشرات الملايين من الأميركيين، وتم نشرها على نطاق واسع في كل مصادر الأخبار الرئيسية تقريبا، فإن اللجنة تدرك أيضا أن هناك بعض وسائل الإعلام وبعض المعلقين الآخرين ممن أثنوا المشاهدين عن المشاهدة، وأن ملايين الأميركيين الآخرين لم يروا بعد الأدلة الفعلية التي تناولها هذا التقرير”.
وأظهر استطلاع أجرته الإذاعة الوطنية أن أقل من خُمس الجمهوريين فقط يرون أن ترامب كان مسؤولا عما حدث يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021.
السيناريو الأكثر إثارة
من ناحية أخرى، إذا أدين ترامب بالجرائم التي اتهمته اللجنة بارتكابها، فقد يواجه غرامات بمئات الآلاف من الدولارات، والسجن لمدة تصل إلى 20 عاما، ويُمنع من الترشح لمنصب سياسي في المستقبل.
كما أن هجوم الكابيتول ليس مصدر القلق القانوني الوحيد لترامب. ويحقق المستشار الخاص (سميث) أيضا في تعامل الرئيس السابق مع مواد سرية في منزله بمارالاغو (فلوريدا) بعد أن ترك منصبه.
ويواصل المدعي العام في جورجيا التحقيق فيما إذا كان اتصال ترامب بمسؤولي الولاية ينتهك قانون الانتخابات.
غير أن ترامب من جانبه، ومنذ فترة طويلة، يعمل على تصوير مجمل التحقيقات الجنائية والمدنية، والدعاوى القضائية الموجهة إليه، كجزء من مطاردات حزبية مسيّسة هدفها النهائي إحباط عودته إلى البيت الأبيض عام 2024.