إن مفهوم الأسرة هو منطق قرآني من منطلق قوله جل علاه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير [سورة الحجرات:13].
فالأسرة نواة المجتمع، وواحة الأمان، والنبع الخالص للعاطفة، والمصدر الأساسي لإشباع الاحتياجات النفسية، والاجتماعية، والبيولوجية، والحضن الأول للتربية. والحياة الزوجية سكن وأمن للإنسان؛ لذا فهي تحتاج إلى عناية الأخصائيين واهتمامهم في الميادين العلمية كافة ، حتى لا يهدد استقرارها الطلاق وتداعياته ، وحيث يعد الطلاق ظاهرة مدمرة للأسرة، ويشكل تكلفة اجتماعية مرتفعة على المستوى المادي والنفسي والاجتماعي، وبالنظر إلى ارتفاع حالات الطلاق في فلسطين ، وحيث تشكل ما نسبته(20%) ، ومعظم الحالات من المخطوبين أو حديثي الزواج؛ أي لم يمض على زواجهم خمس سنوات ، وهنا يدق ناقوس الخطر، ويضعنا على المحك، ويلفت نظرنا إلى العمل على إدارة أزمة الطلاق من خلال تدريب الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين على البرامج الإرشادية الزواجية وفق أسس ونظريات علمية ومنهجية، وتجارب عالمية ، و إنشاء مراكز استشارية متخصصة في البرامج الإرشادية لتأهيل المقبلين على الزواج، وتقديم الاستشارات الزواجية والأسرية في مراكز للإصلاح الأسري تساعد الأسر التي تعيش بظروف استثنائية، وتقديم المساعدة المهنية التي تحول دون تفاقم الأمور، وتساعد على التقليل من حالات وقوع الطلاق، والتفكك الأسري الذي يدفع ضريبته الأبناء لا محالة ، بعد أن كانت تشكل الأسرة لهم محضناً آمنا ، شكلت هويتهم، وأشبعت حاجاتهم البيولوجية والنفسية ، فحاجتنا اليوم لهذه المراكز للعمل على توجيه مسار العلاقات الزواجية، من خلال الاستفادة من التجارب العالمية في الحد من نسب الطلاق ، لأن قضية الطلاق ارتبطت بنسق وقيم مجتمعنا الفلسطيني بأسره ، ولأن السلم الأسري أحد مقومات السلم المجتمعي، والأسر شدة الخلق ، ومنه قوله تعالى: نحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا سورة الإنسان:28].لا تنفع مع قضية الطلاق الحلول الترقيعية ، أو الجزئية ، وخاصة فلسطين لها واقعها الخاص؛ فهي واقعة تحت احتلال بغيض، و تعيش في ظل أزمات، يجتاح أسرها هوس الاستهلاك، فنحن بحاجة لهذا المشروع الوطني المتكامل لتحقيق الاستقرار الأسري، والذي نأمل أن يكون مشروع تأهيل المقبلين على الزواج مشروعاً إلزامياً يمنح رخصة الزواج للمقبلين على الزواج بعد اجتياز الدورة التثقيفية والتدريبية لأبعاد الزواج النفسية، والصحية، والاجتماعية، والاقتصادية ، والشرعية ، والقانونية مع المحافظة على الأسرة التي اعتبرها الإسلام النواة الأساسية للمجتمع، لأن وزارة التنمية الاجتماعية وحدها لا تستطيع حل كل الأمور الشائكة من الطلاق ، وحتى لا تكون الوساطة الأسرية حلاً لميثاق الزواج، و سبباً في حدوث الطلاق، ومساراً في فضاءات المحاكم ، بالرغم من أن الصلح الأسري آلية قضائية لإنقاذ العديد من الأسر من التناحر والتدابر والتشرذم ، لكنه يكشف عمق الأزمة التي نعيشها في ظل التحولات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والتكنولوجية ،وعلى الرغم من أهمية الصلح الذي يقوم به القضاء في سبيل الصعوبات والمشاكل التي تعاني منها الأسر ، فإن أغلب محاولات الصلح بين الأزواج تعترضها معوقات تحول دون تحقيق الإصلاح الأسري ، الأمر الذي يسائلنا عن الأسباب المرتفعة لحالات الطلاق ويستدعينا للعمل على الحد منه.
فالجامعات الفلسطينية اليوم تعد أخصائيين نفسيين وتربويين من حملة الدكتوراه، مؤهلين في الإرشاد التربوي والنفسي، يستطيعون بعد اجتياز الدورات التدريبية تقديم برامج لتأهيل المقبلين على الزواج، وتقديم الاستشارات الأسرية في مراكز الإصلاح الأسري التي نأمل اقامتها على الأرض الفلسطينية؛ للحفاظ على جودة الحياة الزوجية.
والله الموفق
نادية حنون
طالبة دكتوراه إرشاد تربوي ونفسي
جامعة القدس المفتوحة- رام الله