سؤال يطرح يومياً أو يوجه من النفس للنفس في حوارها الذاتي حول من يقف وراء ما يجري في مجتمعنا الفلسطيني وبالأخص في واقعنا التربوي والتعليمي وعلى وجه الخصوص بالنسبة لإضراب المعلمين الذي دخل في الأسبوع السادس على التوالي دون أي بوادر لحل مجدي لهذه المسألة التي تكررت مراراً . ولأن للإستفهام دلالات عدة في اللغة تتجاوز حد طلب الفهم والمعرفة من أجل الوصول للحقيقة ، يكون السؤال هنا مرتبط بخلفية السائل هل هو مع أو ضد هل هو معلم أو غير .....؟ فالسؤال هنا قد يكون إنكارياً بهدف نفي المسؤلية عن الذات (لا دخل لي بالأمر) أو قد يكون لإثبات وتوكيد التهمة على الغير وقد يكون بهدف التشكيك بأن هناك أيد خفية وراء الأمر بلغة أهل الميتافيزيقا ( ما وراء الطبيعة ) . بغض النظر عن الدلالات الكامنة وراء هذا السؤال ولو حصرناه في دلالة السعي وراء الحقيقة والوصول لها لكان جوابي بأن الكل يتحمل المسؤولية أو جزء منها ، وهذا التعميم ليس بهدف إضاعة الحقيقة كما هو سائد عند ارتكاب أغلوطة التعميم . كل المجتمع مسؤول عما جرى ويجري من معلمين وأولياء أمور ومدراء و ..... ووزارة وحكومة وإتحاد معلمين ومؤسسات مدنية وغيرها لا أستثني أحد على رأي مظفر . لكن هذه المسؤولية وللإنصاف تتوزع بمقادير ونسب غير متساوية على كل القطاعات التي ذكرت .
أولاً : نصيب الأسد من هذه المسؤولية يقع على عاتق الحكومة وإتحاد المعلمين و اللذان أخلا بإتفاق مبرم من العام الماضي والحجة عدم توفر السيولة الكافية لتنفيذه وقد يكون هذا الكلام صحيحاً لو طبقت بنود الإتفاق التي ليس لها أي أثر مالي على الموازنة العامة من خلال إضافة النسبة المتفق عليها لقسيمة الراتب لتصبح رصيدا ً للمعلم لحين ميسرة ، أضف إلى ذلك موضوع دمقرطة الإتحاد الذي لا يكلف الموازنة العامة أي فلس والذي كان ينبغي البدء به والإنتهاءمنه قبل بداية العام الدراسي الجديد.
ثانياً : وزارة التربية و التعليم تتحمل النسبة الثانية من هذه المسؤولية ممثلة بالوزير و مستشارين و وكلاء المساعدين، لأنها لم تتابع تنفيذ الإتفاق بشكل جدي على مدار تسعة شهور أو يزيد ولم تصارح جيش المعلمين العامل في الميدان و التابع لها بالحقيقة أولاً بأول . فكان ما كان من توجه معظم المعلمين للإضراب.
ثالثاً : المؤسسات المدنية والشخصيات الراعية للإتفاق لم تمارس دورها المنوط بها كجهة راعية في متابعة الإتفاق خطوة بخطوة حيث أن معظمها تجاهل ذلك يستثنى من ذلك مؤسسة حقوق الإنسان ممثلة بالدكتور عمار الدويك الذي تحدث عن الإخلال ببند دمقرطة الإتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين في شهر أيلول من العام المنصرم وحدث سجال بينه وبين الأمين العام لإتحاد المعلمين حول ذلك حينئذ. يضاف إلى ذلك بعض الشخصيات الأكاديمية والإعتبارية التي كتبت عن الإخلال بالإتفاق على صفحاتنا الشخصية لكن للأسف بعد توجه المعلمين للإضراب .
رابعاً: المدراء العامون لمديريات التربية والتعليم والعاملين في المديريات يقع عليهم جزء لا بأس به من المسؤولية من خلال التعميمات والتعليمات التي أصدروها بهدف التقليل من نسبة الإضراب، وكأن تقليل نسبة الإضراب هي الحل برأيهم . لكن الحقيقة التي لا ينبغي السكوت عنها هي أن هذه الإجراءات تطيل أمد الأزمة وتزيدها تعقيداً .
خامساً : المعلمون يقع على عاتقهم النسبة الأقل من المسؤولية لأنهم هم الضحية وهم من يقع عليهم الظلم والقهروهم الذين يعانون ما يعانون بسبب قلة ذات الحيلة .
خلاصة القول بأن المسؤولية مسؤولية الجميع ولا جدال في ذلك فكلنا مسؤولون وهذه المسؤولية تقتضي منا البحث عن الحلول المنطقية و الجذرية للمشاكل التي تواجه المسيرة التعليمية في الوطن وعلى رأسها مشاكل المعلمين بعيداً عن سياسة الترغيب المرتبطة بإعادة ما تم خصمه من رواتب المعلمين ، وسياسة الترهيب الممثلة بزيادة الخصم أو حتى الإحالة للتقاعد القصري أو الفصل من العمل، لأن ذلك يطيل عمر الأزمة ويعقدها وأخيراً أتمنى أن تعود الحياة الطبيعية لكافة مؤسساتنا التربوية بأسرع وقت ممكن وتعود مدارسنا عامرة بالطلاب والمعلمين أعزاء مكرمين .
كتب الدكتور علام قادوس