البروفسور إبراهيم أبو جابر
أقرّ الكنيست الإسرائيلي يوم الثلاثاء (21/3/2023) بالقراءَتين الثّانية والثّالثة مشروع قانون إلغاء فكّ الارتباط (أي الانفصال) عن الضفّة الغربيّة وغزّة بعد ثمانية عشر عامًا عليه، هذا القانون الذي تبنّته حكومة شارون وحزب كَديما عام 2005، والذي رافقه سحبٌ للقوّات الإسرائيليّة من قطاع غزّة كاملةً وشمالي الضفّة الغربيّة.
يحمل القانون الجديد الناسخ لقرار فكّ الارتباط السابق دلالاتٍ كثيرةٍ، أوّلها عمليًا السماح بالعودة للمستوطنات الأربع المُخلاة التي تمّ تفكيكها وحظر عودة المستوطنين اليها في شمالي الضفة الغربية، وهي: غانيم، وكاديم، وحوميش، وسانور.
وأشاد عضو الكنيست عن حزب الليكود يولي إدلشتين، الذي قدّم مشروع القانون بالمصادقة على القانون واصفًا إياه، بـ “الخطوة المهمّة” نحو إعادة تأسيس الوجود الإسرائيلي في مناطق “الوطن”. وُيذكر أنّه تمّت صياغة القانون بصورةٍ لا تسمح بالعودة للاستيطان في قطاع غزة، وإنّما ينطبق فقط على الضفّة الغربيّة.
إنّ المصادقة على هذا القانون يعني بالنسبة للإسرائيليين بأنّ الضفّة الغربيّة أراضٍ غير محتلةٍ، أي متاحةٌ للاستيطان اليهودي دون عوائق قانونيّةٍ كما كان سابقًا، وإنهاءٌ لما كان يُسمى بؤرًا استيطانيّةً غير شرعيّةٍ. هذا يقينًا سيحفّز المستوطنين و”شباب التلال” منهم على نهب أراضي أهلنا في الضفّة الفلسطينيّة، لا بل يُعدّ عاملًا مشجّعًا للمستوطنات القائمة بالتوسّع أكثر، وبوتيرةٍ أسرع ممّا سبق.
إنّ تمرير قانونٍ كهذا يعني بصورةٍ قاطعةٍ منح الشرعيّة لكلّ البؤر الاستيطانيّة المنتشرة في ربوع الضفّة الغربيّة، وهي بالعشرات، وتقديم كامل الخدمات المطلوبة للمستوطنين هناك، وبصورةٍ متساويةٍ مع سكّان باقي المستوطنات.
تُعدّ هذه الخطوة، المدانة، من طرف الحكومة الإسرائيليّة العنصريّة، خطوةً متقدّمةً نحو ضمّ الضفّة الغربيّة الى المؤسّسة الإسرائيلية، وتطبيق القانون المدني عليها، وما سيرافق ذلك من تبعاتٍ قانونيّةٍ وإجرائيّةٍ كثيرةٍ في حقّ الفلسطينيين هناك، وهذا قد يتمّ إمّا مرّةً واحدةً أو مرحليًا، كضمّ المنطقة “ج” مثلًا (64% من مساحة الضفّة الغربيّة تقريبًا) أو الجيوب الاستيطانيّة الثلاثة والأغوار، مع الإبقاء على حوالي 16% فقط للسلطة الفلسطينيّة أي المنطقة “أ” كما تعرّف سياسيًا.
يأتي سنّ هذا القانون في وقت أصبح فيه المتطرّف “سموتريتش”، الوزير في وزارة الحرب الإسرائيليّة هو المقّرر في الضفّة الغربيّة وليس ما يسمى بوزير الدفاع، وهذا لوحده فقط كافٍ لإشعال الوضع هناك، وعامل إثارةٍ واستفزازٍ للمواطنين الفلسطينيين. ومن جانب آخر، فالفلسطينيون سواءً الجانب الرّسمي أو الفصائلي منه، يعيشون بالعموم حالة ضعف، فبات دورهم يقتصر على الإدانة والشجب، ومناشدة المجتمع الدولي والمؤسّسات الدوليّة بالتدخّل لوضع حد للتغوّل الاستيطاني، بدون جدوى كما هو معروفٌ.
إنّ المطلوب مواجهة هذه السياسات الإسرائيليّة العنصريّة والمتطرّفة من خلال الوحدة الوطنيّة، وإنهاء الانقسام، والوقوف الى جانب شعبنا الفلسطيني، والانحياز له ونصرته، الى جانب العمل السياسي والدبلوماسي الموازي أيضًا، على المستويين العربي والعالمي، كوسيلة ضغطٍ مهمّةٍ على المؤسّسة الإسرائيليّة.