الرئيسية / مقالات
قراءة في الأنتخابات العامة الأندونيسية 2014
تاريخ النشر: الخميس 13/11/2014 10:22
قراءة  في الأنتخابات العامة الأندونيسية  2014
قراءة في الأنتخابات العامة الأندونيسية 2014

 أندونيسيا الى أين ؟

بقلم : السفير فريز مهداوي -سفير فلسطين في جكارتا

 

 

في 20 أكتوبر الماضي قام السيد جوكو ويدودو مع نائبه السيد يوسف كلا بأداء قسم اليمين لرئاسة جمهورية اندونيسيا وبالجلوس على ذات المقعد الذي كان يشغله قبل دقائق من الانتخابات العامه الرئيس بامبانغ يوديونو،وقد جرى الاحتفال في القاعة الرئيسية لبرلمان أندونيسا وبحضور كافة الأعضاء البالغ عددهم 637 (مجلسي النواب والشورى)،وبمشاركة رؤساء اندونيسيا السابقين ونوابهم الى جانب سلطان بروناي دار السلام ورؤساء وزراء كل من ماليزيا وأستراليا وسنغافورة،وقد ضم الحفل الانتخابي أكثر من وزير وموفد رئاسي من حوالي عشرين دولة بما في ذلك وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ،وبذلك يصبح الرئيس جوكوي (وهو الاسم المختصر والمحبب لدى كافة الشعب الاندونيسي)الرئيس السابع على التوالي لثالث أكبر دولة ديمقراطية متعددة الأحزاب في العالم بعد الولايات المتحدة والهند .

من هو الرئيس الجديد ؟

 بخلاف رؤساء أندونيسيا السابقين الذين ينحدرون من أسر عريقة في السياسة أو جنرالات سياسيين،فأن الرئيس الجديد البالغ من العمر 53 عاما ينتمي الى الى أسرة فقيرة تعمل في حرفة النجارة،ومن هنا كانت ايضاً المهنة التي احترفها جوكوي حتى يتسنى له استكمال دراسته الابتدائية والثانوية لعجز اهله من توفير مصاريف الدراسة خاصته،ليتابع فيما بعد مسيرته التعليمية ويتخرج من جامعة غاجاماده العريقة في مدينة جوكجاكرتا–جاوا الوسطى،وهذا كله لم يمنعه من النجاح في مجال صناعة الأثاث وتصديرها للخارج حيث كان يوظف في ورشته أكثر من ألف عامل،ألا أنه تعرض الى عملية احتيال من قبل أحد التجار واضطر الى الأفلاس والبدء من جديد برأسمال قدره 16000 دولار اقترضه من والدته،ومن خلال عمله استطاع أن يبني علاقات واسعة والاندماج والمشاركة في الانشطة في النقابات المهنية واتحاد غرف الصناعة مما أكسبه تأييدا واسعا على المدى البعيد عندما خاض بنجاح انتخاباب رئاسة بلدية سولو عام 2005 .

وقد اكتسب شعبية واسعة في وقت قياسي بسبب أسلوبه المتميز في أدارة الشؤون البلدية لمدينة سولو،حيث لجأ الى النهوض بالفئات الفقيرة في المجتمع من خلال استحداث الأسواق الشعبية،ومكافحة الفساد الإداري،والشفافية المطلقة في التوظيف،وإرساء المناقصات في اي عمل يخدم المدينه حيث استبعد أي مقاول تربطه به اي علاقة سواء من قريب أو بعيد،كما أعطى الاولويه الاولى لتوفير الضمان الصحي والتعليم المجاني لأفراد الشعب كافة،وأعاد الخضرة والنظافة الى شوارع وأحياء المدينة بحيث باتت تقوم باستضافة الفعاليات والمؤتمرات الوطنية والدولية،وهو الأمر الذي أدى الى أزدهار قطاع السياحة والحرف التقليدية،وتمكن ايضاً من توفير المساكن اللائقة بعد أن أزال التجمعات العشوائية،وبناءاً على  هذه النجاحات المتتالية فقد تم أعادة انتخابه مرة أخرى عام 2010  لرئاسة البلدية لفترة ثانية بنسبة تصويت تجاوزت 95 بالمائة،وبسبب شعبيته الساحقة فقد تعالت الأصوات المنادية بترشيحه لخوض انتخابات محافظ العاصمة جاكرتا عام 2012 والتي استطاع أن يتفوق فيها على المحافظ الأسبق والمخضرم فوزي بو (سفير أندونيسيا الحالي في برلين ) .

وقد استطاع خلال أقل من عامين كمحافظ لمدينة جاكرتا أن يبني قاعدة شعبية صلبة اعتمادا على سياساته الحاسمة التي اتسمت بانحيازها الكامل الى جانب الفقراء والمعدمين،حيث نجح في رفع الحد الأدنى للأجور الى معدل يتراوح مابين 120 -200 دولار،كما عمل على توفر بطاقة التأمين الصحي المجاني لأكثر من ثلاثة ملايين مواطن من الفقراء،واتبع اسلوب الزيارات المفاجئة ومحاسبة المقصرين في دوائر الخدمات،وكان يتردد على زيارة الأحياء والأسواق الشعبية للتحاور مع عامة المواطنين حول همومهم،واستحداث خطوط هاتفية ساخنة مباشرة ومواقع الكترونية للتواصل المباشر مع السكان حول مشاكلهم وقضاياهم،كما خاض حملة شرسة ضد الفساد وبؤر الجريمة،وخصص أكثر من خمسة مليارات دولار لازالة التجمعات العشوائية واستبدالها بالحدائق والعمارات السكنية اللائقة أضافة الى بدءه في تجديد وتطوير البنية التحتية من شبكة الطرق والقطارات التي عانت منذ أزمان من أزمة مرورية حادة،وعندما بدأت حمى الانتخابات العامة الرئاسية والبرلمانية في التصاعد بداية هذا العام فقد تعالت الأصوات الشعبية وخاصة في أوساط الشباب والطبقات الفقيرة المعدمة مطالبة بترشيحه لرئاسة اندونيسيا،وهو الأمر الذي استجابت له السيدة ميغاواتي سوكارنو بوتري بعد أن تيقنت أن غالبية أعضاء الحزب الديمقراطي للنضال تصر عليه .

 

الخريطة السياسية الأندونيسية – أعادة انتشار  

لقد مرت أندونيسيا عام 1998 بنقلة نوعية كبيرة نحو تعددية حزبية واسعة بعد أكثر من ثلاثين عاما من رئاسة الجنرال الراحل سوهارتو والذي تميزت فترته بسلطة مركزية شديدة،وأصبح نظام الحكم حسب الدستور الجديد رئاسي برلماني بحيث يتم تقاسم السلطة والصلاحيات ما بين الرئاسة (رئيس ونائبه ) ويتم انتخابهما ببطاقة واحدة بشكل مباشر والبرلمان ذو الغرفتين ( مجلس النواب 560 مقعدا ، ومجلس الشعب الأستشاري 177 مقعدا ) يتم انتخابهم عبر نظام التمثيل النسبي وبنسبة 3% كحد أدنى للتمثيل-نسبة الحسم ،كما تتمتع اقاليم اندونيسيا الثلاثة والثلاثون بسلطات لا بأس بها ولها برلمانات وحكومات محلية منتخبة،وعلى الرغم من هذا التغير الجوهري في الأطر الدستورية ألا أن معظم الشخوص السياسية التي تنتمي للعهد السابق قد تمكنت من الأستمرار في صلب الحياة السياسية الأندونيسية سواء في المركز أو الأطراف وأعاد عدد لا بأس به منهم الأنتشار على مساحة الخريطة الحزبية التي تكاثرت بشكل كثيف وصل الى أكثر من أربعين حزبا ، كما استطاع عدد من جنرالات الجيش السابقين ورجال أعمال العهد السابق من التسرب الى الحياة السياسية وحافظوا على نفوذهم من خلال الأحزاب السياسية التي قاموا بأنشائها تمشيا مع أصول اللعبة البرلمانية الجديدة،وعلى ذلك فقد تمكنت القوى المحافظة من عهد الرئيس السابق سوهارتو من الحفاظ على موقعها المتقدم من خلال حزب غولكار الذي شارك في حكم أندونيسيا خلال أكثر من خمسة عشر عاما بعد رحيل مؤسسها سوهارتو،كما استطاعت السيدة ميغاواتي سوكارنو بوتري من خلال الحزب الديمقراطي للنضال أن تشكل رقما صعبا في المعادلة السياسية الأندونيسية كقوة وطنية ببرنامج وسط بقي في صفوف المعارضة طيلة الأعوام العشرة الماضية،أما الإسلام السياسي فقد توزع على حوالي أربعة أحزاب سياسية غير منسجمة تحتل ما مجموعه 20 بالمئة من مقاعد البرلمان وتحرص على المشاركة في الحكم من خلال أجادتها في ابرام صفقات التحالف مع الأحزاب الرئيسية . وأضافة الى ذلك فقد برز الى الواجهة السياسية كل من الحزب الديمقراطي بقيادة الجنرال يوديونو والذي استطاع أن يحكم البلاد وبشكل متواصل طيلة العشر سنوات الماضية عبر ائتلاف واسع مع حزب الغولكار وعدد من الأحزاب الأسلامية وهو ما وفر استقرارا سياسيا تمكنت من خلاله اندونيسيا من مضاعفة دخلها القومي ثلاثة مرات وتحقيق نسبة نمو ثابتة ترواحت ما بين 5-6% سنويا رغم كوارث تسونامي والزلازل والأزمة المالية العالمية ، ألا أن حزبه تعرض لنكسة شديدة في الأنتخابات العامة الأخيرة بحيث خسر ما يزيد عن نصف مقاعده وذلك نتيجة لفضائح الفساد المالي التي لحقت به وأدين بسببها عدد من وزراءه وقياداته،كما عاد الى الحلبة السياسية وبقوة الصهر السابق لسوهارتو الجنرال برابو من خلال حزب الغاريندرا الذي استطاع انتزاع حوالي عشرة بالمائة من مقاعد البرلمان،بعد أن تم نفيه سياسيا من أندونيسيا الى الخارج حوالي أربعة سنوات بسبب اتهامه بارتكاب انتهاكات ضد المتظاهرين في أحداث عام 1998 والتي أدت الى ازاحة سوهارتو من السلطة،وقد استطاع من بناء ائتلاف معارض في البرلمان الجديد فاز بما يزيد عن 60% من مقاعد البرلمان في حين فشل في الفوز بالرئاسة وبنسبة مؤية قاربت على 47% .   

ملامح السياسة الأندونيسية الجديدة : التحديات – والفرص

لقد حبى الله أندونيسيا بثروات طبيعية هائلة تمثلت بثروات زراعية،مائية ومعدنية جعلها فيما سبق مطمعاً امام المستعمرين الأوروبيين واليابانيين،هذا البلد الشاسع الذي يمتد على ثلاث مناطق من الشرق الى الغرب من خلال ربوه على 17000 جزيرة يقطنها حوالي 250 مليون نسمة ينتمون الى خمسة ديانات(الإسلام 88% البروتوستنانت 6% الكاثوليك 4% البوذيون والهندوس 2%)ويشمل اكثر من أربعمائة نوع من العرقيات واللهجات المحلية،ولعل أهم تحد للسياسيين الأندونيسيين يكمن في كيفية الحفاظ على الوحدة السياسية للبلاد في الوقت الذي يعملون فيه على صياغة معادلة متوازنة للحكم يتم الجمع فيه بين المركزية واللامركزية،كما يعاني الاقتصاد الاندونيسي من خلل بنيوي يكمن في عدم التوازن الديمغرافي على المساحة الكلية الكبيرة حيث يقطن ما يقارب من ثلثي السكان في ثلاثة جزر متقاربة (جاوا ، بالي ، مادورا) لا تزيد مساحتها مجتمعة عن 7 % في حين أن مناطق شاسعة في كالامنتان وبابوا لا تقطنها الا أعداد قليلة من السكان الأصليين،ولمعالجة هذا الخلل الهيكلي فأن أندونيسيا ورئيسها الجديد سيضطرون لأنفاق مئات المليارات من الدولارات لتطوير البنية التحتية من طرق مواصلات برية وبحرية وجوية،إضافة الى تحسين نوعي وكمي في قطاعي الأسكان والخدمات الأساسية لا سيما في التعليم والصحة،وإضافة الى هذا التحدي فأن الرئيس جوكي سيعمل على تطوير البيئة الأستثمارية من خلال القضاء على البروقراطية الأدارية والفساد وأصلاح القضاء وتعزيز دور أجهزة الشرطة وفرض القانون مما سيوفر المزيد من فرص العمل للشباب الاندونيسي وهذا كله سيعمل على تعزيز الطبقة المتوسطة التي ستشكل العامل الرئيسي والمحفز الأساسي للأقتصاد بما ستشكله من كتلة استهلاكية كبيرة تعمل على زيادة النمو والإنتاج،وهذا كله في نهاية الأمر سيقود اندونيسيا الى أن تحتل الموقع السابع أو الثامن عالميا خلال الخمس سنوات القادمة من حيث حجم الأقتصاد الكلي بدل الموقع الخامس عشر الذي تحتله حاليا،ومن اللافت للانتباه أن خطة انعاش الأقتصاد للرئيس الجديد تستهدف استغلال الميزة الفريدة لأندونيسيا من حيث امتلاكها لأكبر مساحة مائية وطنية في العالم بمساحة تتجاوز 8 مليون كيلو متر مربع،فقام باستحداث وزارة تعنى بالثروة المائية والسمكية،كما أرسل أشارات تحذيرية واضحة للدول المجاورة وبخاصة أستراليا للتوقف عن الصيد في المياه الاندونيسية،ومن حيث المبدأ فأن أجندة الرئيس جوكي ستعطي أولوية لردم وتقليل الفجوة الكبير في مستوى المعيشة والخدمات بين الطبقة الفقيرة الواسعة والتي تشكل نسبة عالية من الشعب،وطبقة رجال الأعمال وملاك الأراضي والصناعيين والتجار فاحشة الثراء وذلك من خلال تقديم الحوافز والمنح في مجال الخدمات الأجتماعية مثل الصحة والتعليم وتقديم الدعم والمزايا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومكافحة الاحتكار ورفع الأجور،ولن تكون الأمور سهلة أمامه في ذلك حيث سيصطدم بالتأكيد بمعارضة قوية من تحالف أحزاب المعارضة التي سارعت ونجحت في احتكار رئاسة البرلمان بغرفتيه لصفها إضافة الى نيتها للجلوس على رئاسة كافة اللجان البرلمانية الأحدى عشر،أما في ما يتعلق بمجال السياسة الخارجية فأن الأمرظاهراً يبدو بأن لا خلاف حوله حيث من المتوقع أن يواصل الرئيس نهج سلفه في أعطاء أولوية خاصة لدول الآسيان والتي تحتل أندونيسيا فيها موقع القيادة بدون منازع،في حين سيواصل بناء علاقات وشراكات ثنائية ذات جدوى ومغزى مع الدول ذات الأقتصاديات الصاعدة مثل الهند وكوريا الجنوبية والبرازيل وجنوب أفريقيا وتركيا،كما سينتهج علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة والصين،وعلى الرغم من عمق العلاقات التاريخية بين أندونيسيا والعالم العربي في حقبة الستينات في عهدي سوكارنو وعبد الناصر ألا أن من الجدير بالملاحظة أن أندونيسيا تطمح الى بناء علاقات جادة مع الدول العربية وبخاصة دول الخليج العربي حيث يعمل فيها أكثر من مليونين من الاندونيسيين من العمالة المنزلية،وسيواصل الرئيس جوكو ويدودو كما وعد خلال حملته الانتخابية سياسة اندونيسيا المبدئية في دعم ومساندة قضية الشعب الفلسطيني نحو الأستقلال وترجمة ذلك ديبلوماسيا على الصعيد الدولي أضافة الى تعزيز علاقات التعاون في مجالات التدريب والتعليم والسياحة والتجارة .

وخلاصة القول أنه في الوقت الذي تتعثر فيه عدد من دولنا العربية وتتعرض كياناتها للأهتزاز الشديد تحت وقع التناقضات الداخلية سياسيا وعرقيا وطائفيا ومذهبيا  ناهيك الى الفشل الذريع في مجال التنمية البشرية والأقتصادية رغم الموارد الكبيرة  فأن جمهورية أندونيسيا قد نجحت في أرساء وحدتها الوطنية رغم تنوعها العرقي والثقافي والديني،كما نجحت في تعزيز تجربتها الديمقراطية وبناء اقتصاد ناهض واعد عبر عملية اصلاح وانتقال تدريجي مع تحقيقها لنهضة تنموية اجتماعيا واقتصاديا مترافقة مع تقدم واضح في مجالات الصناعة والتكنولوجيا،وهو الأمر الذي يستحق منا التأمل والدراسة.

كل التمنيات بمزيد من النجاحات لأندونيسيا الشقيقة والصديقة ولشعبها الطيب المحب والمؤيد لفلسطين .         

      

 

 

mildin og amning mildin 30 mildin virker ikke
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017