الرئيسية / مقالات
في الشأن الفلسطيني : قراءة في مقابلة محمد بن سلمان..
تاريخ النشر: الجمعة 29/09/2023 12:01
في الشأن الفلسطيني : قراءة في مقابلة محمد بن سلمان..
في الشأن الفلسطيني : قراءة في مقابلة محمد بن سلمان..

في الشأن الفلسطيني :
قراءة في مقابلة محمد بن سلمان..
صالح لطفي ..باحث ومحلل سياسي.
ابتداء..
بمعزل عن موقفنا من التطبيع والسلام بين حكام العرب وإسرائيل وما يدور هذه اللحظات من مفاوضات جادة في تجسير الهوة بين الجانبين السعودي والإسرائيلي لتحقيق سلام بينهما فأن المقابلة التي اجراها بن سلمان مع محطة الكوابل فوكس نيوز ذات أهمية خاصة جدًا تحتاج الى تفكيك وقراءة متجددة لسعودية الحاضر والغد وكيف ستكون السعودية وفقًا للرؤية التي يؤمن بها بن سلمان ، وما تحمله من تأثيرات راهنة ومستقبلية على صيرورات العلاقات في المنطقة بين الحكام والشعوب وأدوات التطبيع مع إسرائيل وكيفية العلاقة مع الحركات الرافضة لإسرائيل وفي مقدمتها الحركات الإسلامية وأن كانت السعودية الدولة قد تقدمت خطوات في هذا المجال عبر فتاوى وتصريحات اعدت خصيصًا لهذا الموضوع مما سيشكل تحدٍ متجدد ومتنامي للإسلاميين وغيرهم من العروبين خاصة مع إعادة العلاقات الإسرائيلية التركية عبر قنوات مدنية-سياسية وليست امنية فقط .
اثارت المقابلة التي اجراها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع فوكس نيوز الإخبارية الخميس الماضي ردود أفعال متباينة اتجاه المقابلة وحيثياتها كشفت عن رؤية واضحة المعالم لبن سلمان اتجاه مستقبل بلاده وكيف ستكون في السياق الأمني والاقتصادي وكيف يرى مستقبل منطقة الشرق الأوسط .
التطبيع ماضٍ وبزخم هائل ..
كشفت المقابلة عن جوانب هامة من الجدل المُتعلق بالتطبيع مع أسرائيل خاصة وان صيرورة تاريخية جمعت الرياض وتل ابيب منذ قيامها تقريبا في سياق المصالح الخاصة بالبلدين فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط (انظر مقالتنا في المدينة يوم 31\5\2023) ... وما يهمنا في هذه المقالة الطروحات التي تقدم بها في اجاباته على سؤال القضية الفلسطينية والتي اكدت وجود مفاوضات تحت رعاية أمريكية أذ يتبين من خلال كلماته وما رافقها من تطورات للاحداث على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي ان التطبيع ماضٍ وبقوة .فوزير السياحة الإسرائيلية حاييم كاتس، حط رحاله الثلاثاء الفائت في الرياض ، في أول زيارة معلنة لوزير إسرائيلي مشاركًا في مؤتمر نظمته منظمة السياحة التابعة للأمم المتحدة ، وهو ما يتساوق وتصريحات بن سلمان في المقابلة مع فوكس نيوز بسعيه لتعدد مصادر الدخل القومي لبلاده ، حيث يسعي ببلاده لتعزيز الاستثمار في السياحة كجانب من جوانب الدخل القومي وجعلها من الدول المتقدمة عالميًا في هذا الجانب وهذا يشير من حيث المبدأ الى تطلع سعودي لتعاون سياحي مع إسرائيل وجلب السائح الإسرائيلي الى بلاده خاصة وهو يراقب ما يجري في هذا الباب تحديدًا مع جارته الامارات العربية المتحدة ، وقد تلقى الاعلام الإسرائيلي هذه الزيارة بحفاوة بالغة معتبرًا إياها تاريخية وفارقة ومهمة للغاية في تسيير أمور التطبيع مع السعودية اذ تعتبر إسرائيل ان التطبيع مع السعودية هو الأهم في تاريخ وجودها وهذه الزيارة وما سيلحقها من زيارات تكشف عن ان السعودية في تطبيعها مع إسرائيل تعمل على عدة مسارات تفصل بينها عمليا فالتطبيع مع إسرائيل غير مشروط كما يبدو في تقدم الملف الفلسطيني الذي طالما تبنته المملكة بدليل هذه الزيارات وإصرار بن سلمان على انها ماضية مستمرة وهذا ما يتساوق وتصريحاته في المقابلة بعمله الدؤوب على جعل السعودية في مصاف دول العالم وبالتالي تحتاج الى تعزيز علاقاتها مع دول العالم اجمع ، وسياساتها في ذلك عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول ومن ثم فلا يهم السعودية من يحكم في اسرائيل وما هي سياساته الداخلية ومواقفه من مختلف القضايا بما في ذلك الموقف من المقدسات وعموم القضية الفلسطينية . هذا من حيث ظاهر التصريحات التي هي السقف الأعلى للسياسات السعودية .
القضية الفلسطينية وسؤال التطبيع ؟.
بين هذه المقابلة وخطاب وزير الخارجية السعودي الذي لم يشر لا من قريب ولا من بعيد الى سؤال التطبيع مع إسرائيل من عل منصة الأمم المتحدة ، وتصريحات كبار القادة الإسرائيليين وفي مقدمتهم نتنياهو حول التطبيع وتفاخره من على منصة الأمم المتحدة جرى ولا يزال ماء كثير في نهر العلاقات السعودية الإسرائيلية التي لم تبدأ بالقطع خلال دورة بايدن وإن كان قد أعاد المساعي مجددًا.
لست من الذين يؤمنون بالمؤامرة وأن العقل الصهيوني عقلًا ملهمًا وعبقريًا بقدر ايماني ان العقل الصهيوني ومن قبله اليهودي متقن في اقتناص الفرص فلا يضيعها ويكاد يكون مدرسًة في هذا الباب يمكن للمراقب وقاريء التاريخ الحديث لليهود ادراك ذلك بسهولة خاصًة منذ خروجهم من الاندلس والى هذه اللحظات .وكون اللوبي الصهيوني له نفوذٌ في واشنطن وان الرياض تطلب دفاعًا استراتيجيا مشتركا مع الولايات المتحدة كما ينص البند الخامس من اتفاقية الناتو ، وتسليحًا نوويًا " سلميًا" يتم فيه تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية وبأيدٍ سعودية فقد جاءت الفرصة التاريخية لتحقيق سلامٍ مع الرياض على أساس من العلاقات مع واشنطن ومعادلة هذا السلام اسرائيليًا مقابل الحماية الامريكية التطبيع معها مع الاحذ بعين الاعتبار التحفظات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في حدود المعقول . علما ان العديد من الاستراتيجيين الإسرائيليين يرفض معادلة التسلح النووي السعودي رفضًا مطلقًا.فيما يعمل نتنياهو على اقناع مجلس الامن القومي والهيئة النووية على قبول الطلب السعودي الذي يبدو انه شرط أساس في تقدم التطبيع ولعل إشارة بن سلمان الى ان مصلحة واشنطن الاقتصادية تعزيز علاقاتها مع الرياض وبناء حلف استراتيجي في ظل تعدد اللافتات العالمية إشارة سعودية الى انها ليست بالضرورة بحاجة الى التطبيع مع إسرائيل كما انها ليست بالضرورة بحاجة الى واشنطن في ما يتعلق بالشراكات الدولية والدفاعات المشتركة وتنوع سلاحها مع تعدد القوى العالمية .
في مؤتمر صحفي مشترك جمع وزراء دول الخليج ووزير الخارجية الامريكية في الرياض يوم الثلاثاء "8\6\2023" ، قال بلينكن إن واشنطن تعمل على تكامل إسرائيل في الشرق الأوسط، وتعميق الاتفاقات الموجودة أصلا وتوسيعها ، وعلق وزير الخارجية السعودي على مقالته بقوله " من دون وجود سلام مع الفلسطينيين فإن أي تطبيع مع إسرائيل ستكون فائدته محدودة"" وأضاف " يجب علينا أن نركز على الوصول إلى مسار يوفر السلام والعدالة والكرامة للفلسطينيين، وأعتقد أن الولايات المتحدة لديها نفس الوجهة، ومن الأهمية بمكان أن نستمر في هذه الجهود"... وهو ما يتساوق وموقف المملكة من خلال تصريحات عديدة ظاهرها العمل على تحقيق حياة مدنية للفلسطينيين وليس حياة سياسية بمعنى الاستقلال السياسي والتمكين ، أي العودة الى نظرية نتنياهو المعروفة بنظرية السلام الاقتصادي .
كون المقابلة مع شبكة فوكس نيوز الصهيونية والموالية للوبي اليهودي في الولايات المتحدة تحمل بحد ذاتها رسائل الى جهات صهيونية ويهودية في الولايات المتحدة وفي إسرائيل على حٍد سواء فأنها أيضًا تحمل رسائل الى الفلسطينيين .
لقد اكدَّ محمد بن سلمان ان المفاوضات جارية ولم تتوقف وأوضح ان القضية الفلسطينية محور في المفاوضات فقوله في المقابلة " منح الفلسطينيون احتياجاتهم وجعل المنطقة هادئة " وذلك ضمن سياساته الاستراتيجية الرامية الى تصفير المشاكل في الشرق الأوسط لتعزيز فرص تقدم السعودية عالميًا وفي الشرق الأوسط وتعزيز مكانتها الاستراتيجية في المنطقة وهو ما عني احتياجها لإسرائيل لتصفير مشكلتها مع الفلسطينيين .وبالتالي يصبح سؤال القضية الفلسطينية مهمٌ سعوديًا وهو ما يتطلب من الفلسطينيين ذكاءً سياسيًا لاستثمار هذه اللحظة. فكما ان الصهونية العالمية متفوقة في اقتناص الفرص لتحقيق وتعزيز مكانة ووجود إسرائيل من المفترض ان يكون الفلسطيني كذلك بما توسل لديه من أدوات .
يبدو ان السعودية تعمل على اجراء عملية جراحية في القضية الفلسطينية مخرجاتها الأساس هدوء فلسطيني مقرون بحياة كريمة " اقتصاد" يرافقه بعضٌ من المواقف اتجاه القدس والاقصى بما يتناسب ومكانة التمثيل الدبلوماسي الجديد للسعودية في رام الله ويحفظ ماء وجه المملكة اسلاميًا وعربيًا من جهة ويبقي على حياة السلطة الفلسطينية من جهة ويخفف عن الفلسطينيين من جهة ثالثة ويبقى الإسرائيلي بمواقفه المتشنجة اخيرًا دزن تغيير في المواقف السياسية والعملياتية اسرائيليًا، وهو ما سيدفع نحو مقاومة متجددة خاصة وقد بدأنا نتلمس الفوضى عموما وفوضى السلاح خصوصًا والفساد المستشري في اذرع السلطة في الضفة الغربية.
بن سلمان رفض في هذه المقابلة الإفصاح عن حجم التنازلات المطلوبة من الإسرائيليين وكيف سيكون شكلها وكان جوابه " هذا جزءٌ من المفاوضات . لا اريد الدخول في التفاصيل لأني اريد حياة طيبة للفلسطينيين" ، وفي لحظة معينة قال بن سلمان " نعمل على ترتيبات السلام بين إسرائيل وفلسطين" ، وحول هذه الجملة تتناسل العديد من الأسئلة منها على سبيل المثال لا الحصر :
-هل فعلا التطبيع مع اسرائيل مصلحة استراتيجة سعودية عليا بناء على إجابات محمد بن سلمان في المقابلة المذكورة ؟...
- وهل فعلا سؤال القضية الفلسطينية مركزيًا في التوجه السعودي اتجاه التطبيع ؟.
-وهل السعودية تستغل القضية الفلسطينية لتحقيق التطبيع ؟.
-وهل اشترطت السعودية في التطبيع مع إسرائيل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في أراض عام 1967 ؟.
-وهل هذا التصريح يتساوق مع تقديم أوراق اعتماد السفير السعودي لدى الأردن الثلاثاء الفائت ، نايف بن بندر السديري، سفيرًا فوق العادة، مفوضًا غير مقيم لدى الأراضي الفلسطينية، وقنصلا عامًا في مدينة القدس، حسبما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)..؟.
-وهل تصريحاته من أن المملكة تعمل من أجل "إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية". تعبر فعلًا عن موقف سعودي ثابت في معنى قيام دولة فلسطينية ؟.
كتب السديري عبر صفحته على منصة "إكس"، تويتر سابقا،يوم الثلاثاء الفائت : "من دولة فلسطين الحبيبة ارض كنعان اجمل التحيات مقرونة بمحبة مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي العهد"، حسب قوله.
الأيام القادمة ستشكف هل فعلا القضية الفلسطينية سؤال أساس في التطبيع وتحقيق السلام بين الدولتين؟.

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017