طوفان الأقصى ..
قــــــراءات فــــي أوراق المعــــــــــــركة .
الورقة الأولى ..االرسائل العكسية ...
صالح لطفي ... باحث ومحلل سياسي.
مدخل ...
هذه سلسلة من الأوراق في التحليل السياسي للحرب الدائرة بين المقاومة في قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي اتناول فيها الحرب من البعدين السياسي والمستقبلي معتمدًا في التحليل على مجريات الاحداث بالدرجة الأولى ويوميات الحرب وما يكتب ويصور عبر أدوات التواصل المختلفة اسرائيليًا بالدرجة الأولى .
ترمي هذه الأوراق لتحقيق ثلاثة اهداف ، تعميق الوعي السياسي ورفعه ، تعميق معنى الواقعية السياسية وفهم تعقيداتها ، وقراءة المستقبل على أساس من الاحداث اليومية التي تشكل بتراكمها الأساس لفهم الراهن وقراءة المستقبل، والتأكيد على ان الظلم اذا وقع وتطاول الظلمة على الخلق فأنهم الى زوال مهما كانت قوتهم وعمق علاقاتهم ، وقد كشف لنا القرن السالف عن ذلك فضًلا عن انَّ تساقط الأوراق عن دول تزعم الديموقراطية وحقوق الانسان وعن المنظومات الدولية التي يتحكم بها مجموعة من الدول المسيحية المتواطئة مع إسرائيل. وهو ما سيؤسس لعالم جديد بدأت معالمه تتبدى مع بدايات الحرب في اوكرانيا . هذه الحرب لها ما بعدها محليًا وعالميًا وستؤسس لمستقبل جديد من الأهمية بمكان ان يستلهمه الإسلاميون ممن يؤمنون بالتمكين والدولة قبل فوات الأوان فهذه الحرب فتحت لهم روزنة يجب استثمارها .
إسرائيل الخاسر الأكبر ..
استفاق العالم يوم السبت على اقتحام المقاومة الإسلامية والوطنية في قطاع غزة تقوده حركة حماس عبر ذراعها العسكري ، كتائب القسام ، لغلاف غزة وحتى مدن اوفيكيم وسديروت ورافق هذا الاقتحام عمل عسكري أربك الحكومة الإسرائيلية كما الجيش وأجهزة الامن المختلفة واستمر الوجود العسكري اامقاومة الى لحظة كتابة هذه السطور ، ليلة الخميس الفارط ، رغم تصريحات الجيش تنظيف الغلاف والمدن المذكورة من المقاومين ، بله، ونقلت القناة الثالثة عشرة الإسرائيلية عن وجود قوة للمقاومة في مدينة ديمونا حيث المفاعل النووي الإسرائيلي ، وهو ما يعني ان المقاومة تملك من القوة والجاهزية ما يمكنه ان يباغت الجيش الإسرائيلي ومختلف الأجهزة العاملة معه بما في ذلك القوة القادمة لدعمه من الغربيين والامريكيين على الرغم من الحصار المطبق على القطاع .
في سياق الدراسات العسكرية فأنَّ العملية التي نفذتها المقاومة فجر السبت والى هذه اللحظات عرت إسرائيل الدولة والأجهزة الأمنية المختلفة والجيش كما عرت لاحقًا البعدين النفسي والأخلاقي للمؤسسات السياسية والإعلامية وهو ما ترك المواطن العادي خال الوفاض ، مهيض الجناح ، متوجسٌ خيفةً دفعته للارتماء بحضن المؤسسة ومقولاتها المطلقة التي أعلنت عن حصار شامل شَمِلَ قطع الماء والكهرباء والأدوية ومتعلقات الصحة والغذاء ومنع دول كمصر من فتح المعابر لادخال الماء والغذاء والمتطلبات الصحية فضلًا عن الكهرباء . ومع كل ما ذكرت فأن إسرائيل خسرت عمليًا الحرب مع المقاومة وكانت الخسارة فادحة ومدوية ومخزية تداركها نتنياهو بذكائه السياسي بتوريط غانتس ومن معه من العسكريين في هذه الحرب والجرائم الخطيرة التي ستتحمل مسؤولياتها لاحقًا شخصيات بعينها أذ الحماية الامريكية والأوروبية الرسمية لن تحمي القتلة خاصة مع التحولات الجارية في المنطقة هذا الى جانب تعرية القوة الإسرائيلية وانها لاعب أساس في المنطقة بعدئذ تدخلت واشنطن لستر سوءتها والتغطية على فشلها الذريع .
لفت انتباه المراقبين الاتصال الذي اجراه نتنياهو لبايدن ، وقيل العكس ، طلبَ فيها نتنياهو الدعم الأمريكي حيث كشف عن حجم الازمة التي اعتورت الدولة واجهزتها المختلفة .هذا الاتصال تحول بعد ذلك الى تبنٍ امريكي وغربي كامل للحكومة الإسرائيلية واعطائها الضوء لتدمير القطاع مترافقًا مع حضور عسكري امريكي مؤلل وقيادات عسكرية أمريكية واسطول امريكي عملاق وتبادل للحديث شبه يومي بين نتنياهو وبايدن ، وهذا الوضع المأزوم إسرائيليا دفع الجيش بحملة تدميرية شاملة على القطاع شملت كل البنى التحيتية والصحية والحضارية والثقافية ابانت حجم الخلل الإسرائيلي المُغطى والمحمي عالميا . في هذه الاثناء هدد بايدن الحكومات العربية وطالبها المضي بما يطلبه منها ، كان من ذلك انتقاد المقاومة على تجرئها غزو إسرائيل وما رافق هذا الغزو ، وانبرت ابواق المثقفين التابعين لهذه الأنظمة لدعم مواقف حكوماتهم .. وفيما الدول العربية تنتقد وتصدر البيانات كانت الطائرات الإسرائيلية ترتكب جرائم حرب في غزة تنفيذا لخطاب جالاند المسمى ب"خطاب الحيوانية" حيث ساوى اهل القطاع بالحيوانات والهمج وأنه يجب التعامل معهم بالمثل وهي مقولة من مقولات جرائم الحرب.
خطاب بايدن أيام الثلاثاء والأربعاء كان واضحًا في الدعم المطلق لإسرائيل على الاستمرار بتنفيذ مجازرها المدنية والبشرية في القطاع وبان موقفه المنحاز والمتواطيء مع الاحتلال وسياسات الأرض المحروقة .يشكل خطاب بايدن احظة مهمة في فهم الحرب ومداراتها وكيف ستنتهي وفقًا للسيناريوهات الإسرائيلية-الامريكية . فالخلاصات محو المقاومة عن الخريطة لخلق واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط اذ بطي صفحة حماس يكون قد اسدل الستار نهائيًا ، هكذا يظنون، على المشروع الإسلامي السياسي ممثلًا بالاخوان المسلمين .
حتى كتابة هذه السطور الجيش الإسرائيلي يعمل ليل نهار على تدمير القطاع والقيادة الامريكية تتحدث بصراحة عن تحرير الرهائن الأمريكيين من جهة وفتح مسارات آمنة لحملة الجنسيات غير الفلسطينية من المتواجدين في القطاع وقياداتها تهدد ليل نهار كل من سيتجرأ على مساعدة القطاع بأي شكل كان تمهيدًا لتدمير القطاع وتسويته بالأرض دون ادنى حساب للمدنيين ففي العقل الباديني والإسرائيلي كل ساكنة القطاع اهدافٌ مشروعة وهو وان كان فيه خطورة كبيرة على سكان القطاع فهو وصفة مستقبلية لما سيدور من حروب ومعارك.
الرسائل.
بادين اعلن من البيت الأبيض الحرب على غزة وأهلها من مدنيين وذلك لاسباب كثيرة منها ما له علاقة في صلب المشروع الصليبي في المنطقة ، وما يتعلق بالانتخابات الامريكية ، وما له علاقة بالولاء لليهودية على اساسٍ من السياقات الانجليكانية وما له علاقة بالصراع الاممي القائم بين واشنطن وموسكو .
الرسالة الأولى : نتنياهو يعلن حربًا على غزة سعيًا منه لمحو عاره يوم السبت بصفته المسؤول الأول عن الجيش وأجهزة الامن المختلفة ، وهو في هذا الإعلان يقول للعالم ان حماس جيش له دولة تمامًا كحال أسرائيل الجيش الذي له دولة وقد تمَّ تمريغ الجيش بالتراب مما تطلبَّ تدخلا أمريكيا ولاحقا غربيا لحماية الدولة وتزويد الجيش بمزيدٍ من الاليات واسلحة الموت .
الرسالة الثانية والمتعلقة بالحرب والاعلان عنها ستنتهي باجتياحٍ شامل لقطاع غزة من اجل ترميم ما تهدم من هيبة الجيش والمخابرات ومن اجل هذه الخطوة تمَّ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والتواصل الأمريكي مع إسرائيل على اعلى المستويات ، وهو ما سيكون له تداعياته الكبيرة وكلها سيئة بالنسبة للاحتلال ، فالاجتياح المطلق واحتلال غزة يتطلب سياسات مرافقة محلية وإقليمية ودولية ، وهو ما لا يمكن الموافقة عليه كما يرشح من التصريحات من جهة والبقاء في غزة ستكون كلفته عالية جدًا وترك الأمور كما كانت سابقًا يعني فشلًا ذريعًا للسياسات الإسرائيلية الامريكية اذ عودة حماس ستكون اقوى وستدخل سلطة رام الله في حرج شديد فلسطينيًا وعربيًا .
الرسالة الثالثة ان التدمير الشامل للقطاع رسالة الى كل من تسول له نفسه التطاول على إسرائيل ـ لكن نتنياهو وزمرته العسكرية غابت عنه ثلاثة أمور كبرى ، ان إسرائيل دولة خسرت حربها مع المقاومة ، وانها بتدميرها الشامل للقطاع بموافقة أوروبية -أمريكية تقول للفلسطينيين ومن خلفهم العرب والمسلمين ان التعامل مستقبلًا بالمثل مقبول بل ومطلوب ولا مكان لذر الرماد بالعيون في مواضيع حقوق الانسان والقانون الدولي فالقوة ، والقوة فقط هي الحكم الفصل ، ولأن المقاومة طورت خلال عقدين ادواتها القتالية بشكل ملفت للنظر فأن سيناريوهات الحرب المتعلقة بهذه الحيثية مفتوحة على كل الأبواب راهنًا ومستقبلًا ، ولن يجرؤ العالم بانتقادهم اذا ما تم قصف مكثف مماثل لما تقوم به إسرائيل في غزة لمدن مركزية مثل تل ابيب المدينة التي تعج بالحياة وتعبر حقيقة عن إسرائيل .
الرسالة الرابعة ، وفيها نتنياهو عمل على النجاة من محرقة سياسية تنتظره عقب انتهاء هذه الحرب المدمرة فنجاحه في ضم غانتس ومجموعته الى حكومة " شبه وطنية " ومنح غانتس ومن معه من العسكريين قسيمة المشاركة في المجلس المصغر لادارة الحرب ، رسالة وان كانت موجهة بالدرجة الأولى للمواطن الإسرائيلي ليطمئن ، فهي ايضًا تصل الى الفلسطيني المراقب الذي يدرك ان هذه الحكومة ستخوض حربًا قذرة جدًا تكلفتها الفلسطينية هائلة تذكرنا بما حدث في البوسنة والهرسك وستكون معادلتها وفقًا للشعار المرفوع من لدن المقاومة "نصرٌ او استشهاد" ، وهذه العقيدة ستواجَه إسرائيليا وامريكيا اذ الولايات المتحدة متورطة بالكامل في هذه الحرب التي تستهدف الانسان والحجر والشجر بواحدة من ثلاثة سيناريوهات ، أن تدفع أسرائيل التكلفة بالكامل خاصة وانهم يعترفون بمقتل اكثر من 190 جنديًا حتى هذه اللحظات ، فلا بأس ان يقتل عدد مٌضاعف من الجنود الإسرائيليين بثمن انهاء وجود المقاومة وسيتم امتصاص الغضب الإسرائيلي الداخلي فيما سيترك القطاع وحيدًا يلعق جراحه أو يخضع للوصاية المصرية او لمجموعة فلسطينية ليس بالضرورة تتبع سلطة رام الله ، او تتوقف الحرب عبر تدخل دولي يضع القطاع تحت الوصاية الدولية مرحليًا في إعادة لسيناريو البوسنة وكوسوفا وستكون المقاومة عندئذ في وضع لا تُحسد عليه . فأن كانت الوصاية تمهيدًا لاستقلال شامل تحت رقابة اممية تُهيِئهُ لذلك خاصة وقد استمعنا لتصريحات بوتين الأربعاء في مؤتمر الطاقة وموقفه مما يجري في القطاع ، فأن التكلفة التي دُفعِت ستكون محل جدل فلسطيني كبير ، او إعادة الحكم العسكري الى القطاع بإدارة مدنية والتعامل مجددا مع سلطة رام الله للعودة الى القطاع لتحكم من جديد على أساس من فلسفة دايتون في الحكم وفقا لسياسات السلطة في الضفة وتعاملها مع حماس ومن يدور في فلكها .
الرسالة الخامسة الى الغرب اذ يشبه المقاومة بداعش حيث اجتمع الغرب ومعه الاتباع بحده وحديده لمحق تنظيم الدولة في ملمح إسرائيلي الى انهم سيستعملون كافة الأساليب والأدوات المحرمة دوليًا ، وهو ما يعني مستقبلًا ان السياسات ستكون بالمثل والعين بالعين اذ محو التنظيمات شبه مستحيل وداعش الذي يسعى لربط المقاومة بها لحرف العالم عن جرائمه في القطاع حيٌ وينمو في المناطق التي هُزم منها..
خلاصات ..
تمارس إسرائيل ومعها القوى الغربية ، الولايات المتحدة في الدرجة الأولى ، بمعاقبة ساكنة قطاع غزة بالكامل وتعمل على إيجاد معابر امنة لخروج غير الغزيين من غزة تمهيدا واستعدادا لحرقها على من فيها ...ولتحقيق هذه المحرقة ثمة حاجة لحكومة شبه وطنية تقود هذه الحرب وتتحمل لاحقًا مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية والسياسية فالنجاح سيكون لنتنياهو والفشل سيكون لغانتس ومجموعته اذ نتنياهو بات يؤمن بهدم المعبد على من فيه .
القطاع مُقدم على اجتياح بري تحت حماية أمريكية أوروبية وصمت عربي ويترافق هذا العمل بعمليات تدمير شاملة للقطاع مصحوبًا بمساعي استخباراتية أمريكية واجنبية وعربية هدفها تحرير الرهائن قبل الاجتياح او اثناء الاجتياح في اطار عملية عسكرية نوعية تهدف لتحريرهم .
الاحتلال وخلفه المنظومة الأوروبية والأمريكية يشجعان إسرائيل على هذه الحرب ويطالبون العرب وتركيا ان يكونوا كلب الحراسة الخارجي لهذه الحرب والتفاوض مع قيادات حماس في الخارج لاقناع المقاومة بالافراج عن الاسرى الإسرائيليين ومن يحملون الجوازات غير الإسرائيلية فضلا عن الإسرائيلية...