كتبت : مرام فقها / ماجستير إرشاد نفسي وتربوي
اسم المساق : الارشاد الاسري والزواجي
جامعة النجاح الوطنية
يقوم المجتمع البشري على قاعدة أساسية نواتها الأسرة، التي تميل كفته مع ميلان الأسرة، فإذا كانت تلك النواة صالحة، يصلح المجتمع، والعكس صحيح.
والأسرة المختَرَقة تقود حتماً إلى انهيار المجتمع في كافة المجالات، كظهور جيل فقير الأخلاق، ومتفكك.
ومع التقدم الهائل في تكنولوجيا التواصل الاجتماعي، والاتصال، والتي أصبحت متاحة للجميع، تحت مفهوم "الاعلام الجديد" الذي يحمل بصفة عامة كل محتويات التواصل الاجتماعي، انخفضت نسبة الأمان الأسري أمام غول التواصل الاجتماعي والاتصال.
إن الفراغ الكبير الذي يعيشه أفراد الأسرة، يجعلهم يتجهون إلى العالم الافتراضي للقضاء على الملل، وملء الفراغ الأسري الفطري، ومحاولة لفت الانتباه والحصول على الرضا من الآخرين من خلال الحصول على إعجابٍ أو تعليق، وقلة وجود الأصدقاء وعدم وجود الأهل في الحياة اليومية بالإضافة إلى المغريات التي تقدمها وسائل التواصل لأصحاب المشاريع.
وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيراتها على الأسرة كثيرة فقد أصبح المنزل مكان يعيش فيه مجموعة من الأفراد تجمعهم علاقة الدم , وتفرقهم تقنيات وبرامج التواصل الاجتماعي ، فلكل فرد في الأسرة عالم خاص به
والشيء الأكثر خطورة، أن كثيرا من العلاقات الزوجية أصبحت تواجه فتوراً شديداً، قادت في كثير منها إلى الطلاق بين الزوجين، وهو الشيء الذي يؤدي إلى انهيارها، وبالتالي انهيار جزء من المجتمع البشري.
عملت مواقع التواصل الاجتماعي على الإخلال بدور كل فرد من أفراد الأسرة؛ بسبب سوء استخدام لهذه التكنولوجيا المتجذرة في حياتنا اليومية.
وفي نهاية المطاف، تقود الأعمال المنحرفة بسبب سوء استخدام تكنولوجيا التواصل، إلى تفكك الأسرة وغياب مظاهر التكافل الأسري وابتعادها عن الدور المنوط بها سواء على مستوى الفرد أو المجتمع فكان لزاماً توضيح مختلف هذه التأثيرات
فقد ولدت هذه التكنولوجيا الكثير من المشاكل الأسرية على عدة مستويات ، لعل أبرزها ما يعانيه الأبناء فيما بينهم، أو علاقة الآباء بالأبناء وحالات العزلة التي يعيشونها.
ومنطقيا، يفترض الا يكون حدود بين أفراد العائلة، لكن لجوء الفرد إلى مكانه الإفتراضي بعد البيت أو المدرسة أو العمل، جعل العائلة تعيش في غربة بين الجدران.
إن انتهاك منظومة القيم الخاصة بالأسرة، يعتبر استهانة بالحياة الأسرية مما يشكل خطراً ممتداً، كانفصال الآباء أو انحراف الأبناء وظهور الخيانات الزوجية إذا تم التعامل معها بالشكل الخاطئ.
.
قد يبدو التعلق بتكنولوجيا المعلومات أمرا بسيطاً وسهلاً إلا أنه مع التعامل المتكرر لهذه المواقع قد يصل الفرد إلى عدم القدرة على التحكم بنفسه أثناء استخدام تلك المواقع حتى يصل إلى مرحلة الإدمان.
. وجعلت مواقع التواصل الاجتماعي الأبناء ضحية للأفكار الهدامة والأفكار الشاذة التي تشجعهم على الإباحية والخروج عن عادات وتقاليد وقيم المجتمع التي اعتادوا عليها في أحضان الأسرة . وقد تعرض بعض المراهقين والأطفال إلى التنمر عبر مواقع التواصل الإجتماعي مما سبب حدوث حالات الاكتئاب وأدى في بعض الأحيان إلى الانتحار .وظهرت العديد من المتاعب الصحية والنفسية التي تعاني منها الأسرة نتيجة الادمان على مواقع التواصل الاجتماعي .
ولمواجهة بعض أخطار مواقع التواصل الاجتماعي وتقليصها كان من المهم جداً تحديد أوقات للخروج إلى نزهة أو إجازة بعيداً عن الهاتف وأجهزة الحاسوب ومحاولة عدم إستخدامها من أجل صنع ذكريات جميلة مملوءة بالمرح والسرور مما يزيد من أواصر الروابط العائلية . ومن المهم جداً أن يكون الحوار بين أفراد الأسرة مستمراً من أجل حل المشكلات الأسرية ومحاولة تفهم واحترام أفكار الآخرين لأن التجاهل والإهمال والإنشغال عن الأبناء من قبل الآباء يجعلهم في حالة البحث عن بديل وهذا البديل لن يجدونه إلا في الشارع أو في العالم الإفتراضي ، ولا بد من الزوجين أن يبتعدا عن إستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لحل مشاكلهم العائلية سواءً فيما بينهما أو مع الأبناء لأن هذا قد يزيد من وتيرة الخلاف وتفاقم الأوضاع إلى الأسوأ .
ورغم الجانب المظلم الذي ظهر جلياً عن استخدام مواقع التواصل، إلا أن هذا لا ينكر وجود ايجابيات لهذه المواقع تعود بالفائدة على العلاقات الأسرية ولعل من أهمها جمع شمل الأسرة , كاستخدامها للتواصل مع أفراد الأسرة البعيدين عن بعضهم، ورفع المستوى التعليمي لدى الأبناء ، عن طريق الاهتمام بالمدونات العلمية، وتوفير مادة للحديث المشترك بين أفراد الأسرة عن طريق مناقشة بعض الأخبار التي يتم نشرها عبر مواقع التواصل.
إن استغلال مواقع التواصل لعرض الكثير من المنتجات في مختلف المجالات مما يجعل الأسرة تربح الجهد والمال وكسب ولو القليل من المال قد يكون سبباً في حل مشكلة مادية قد تواجه أحد أفراد الأسرة .
وفي النهاية إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت واقعاً مفروضاً لا أحد يستطيع إنكاره أو التهرب منه ، ومن لم يستخدمها أصبح خارج الزمن وغير مواكب لعصره الذي يعيش فيه ، ومحاولة إلغائها أو محوها بأي شكل كان صعبة جداً , فالإشكال الحقيقي ليس في توقيفها أو تعطيلها ، وإنما في كيفية الاستفادة منها بطرق إيجابية والعمل على التقليل من خطورتها وهذا لن يأتي إلا عن طريق ترشيد استخدامها وتوعية الآباء والأبناء في كيفية استخدامها بشكل سليم، لا يؤثر على تماسك الأسرة واستقرارها ، وتحديد الأوقات المناسبة لاستخدامها.