الحارث الحصني
كان الجو بديعيا للغاية، عندما بدأت معالم النهار تتضح أكثر لــعائلة زهدي دراغمة، من سكان "نبع غزال" بالفارسية، إحدى تجمعات الأغوار الشمالية.
وهذا الجو الدافئ يبحث عنه الجميع، لقضاء أوقاتهم في التنزه على سفوح الجبال والسهول الآسرة للألباب في الأغوار الشمالية، والتي باتت جبالها وسهولها اليوم، مكسوة باللون الأخضر مع نمو الأعشاب بكثافة بعد موسم مطري فوق الممتاز.
لكن، جلوس مستعمرين على مقربة من خيام دراغمة، واحتساءهما المشروبات الساخنة، والأرجلية، صعّب الأمر على تلك العائلة.
"جاءا منذ السادسة وأحضرا غازا صغيرا، وأعدا القهوة والأرجيلة، يتعمدون استفزازنا لترك مساكننا". قال لؤي دراغمة لـمراسل "وفا".
وعائلة دراغمة وجدت نفسها في الأشهر القليلة الماضية، وجها لوجه مع كم هائل من أعمال استفزازية ينفذها المستعمرون بحماية قوات الاحتلال.
والأمر تعدى كونه تنزها لاثنين من المستعمرين في فضاء الأغوار الواسع، فصورتهما وهما يجلسان قبالة خيام الفلسطينيين، هي توضيح لما يجري في الشريط الشرقي للضفة الغربية.
"تركا كل جبال الأغوار وسهولها وجاءا إلى مقربة من خيامنا". قال لؤي.
وحتى تلك الأفعال الاستفزازية، ينشرها المستعمرون المسلحون في كل جبال الأغوار والمناطق الرعوية خاصة، والتي يقصدها الفلسطينيون لرعي مواشيهم.
يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة: "باتت هذه الأعمال الاستفزازية تسجل شبه يومي(..)، في نبع غزال سجلت منذ السابع من أكتوبر الماضي أكثر من 120 حالة اعتداء قام بها المستعمرون ضد الفلسطينيين".
وللتوسع بالأرقام قليلا، ففي الفارسية كلها والتي تضم أكثر من تجمع فلسطيني، سُجلت بالفترة ذاتها أكثر من 250 حالة اعتداء، جلها في "نبع غزال".
وخلال الفترة الماضية أمكن رؤية المستعمرين يقتربون بدراجاتهم النارية من خيام الفلسطينيين في المنطقة، ويمرون من قربها.
قال عارف دراغمة: "ما يحدث هو امتداد لطيف الاستعمار في هذه المنطقة".
وتشهد الفارسية منذ عامين حركة بناء دؤوبة لمدرسة دينية قرب خيام السكان.
واقفا وقد مد يده نحو الغرب، قال عارف دراغمة كل ما يقوم به المستعمرون يهدف إلى "إجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم".
قبل أشهر، أحضر المستعمرون تحت حماية جيش الاحتلال، جرارا زراعيا وحرثوا أرضا ملاصقة لخيام تلك العائلة، بعد ذلك أحضروا ماشيتهم وطعامها من القش، وأطعموها أمام خيام العائلة ذاتها.
مهتمون بشأن الاستعمار بالأغوار يقولون، إن أعمال الاستفزاز التي يمارسها المستعمرون، تأتي تحت حماية الاحتلال.
صباحا، حضرت شرطة الاحتلال إلى المكان، وقد اكتفت بإخبار الفلسطينيين أن المستعمرين جاءا للتنزه ولا يمكن أمرهما بمغادرة المكان.
قال لؤي: "ذهبنا إليهما وطلبنا منهما الابتعاد، لكن أحدهما أشهر سلاحه في وجوهنا قبل مجيء الشرطة الإسرائيلية التي وقفت في صفهما".
"لم يترك المستعمرون شيئا لم يفعلوه (..)، هناك اعتداء على الرعاة، واعتداء على خيام الفلسطينيين، والاستيلاء على المراعي، وإرهاب السكان العزل"، وكله بحماية الاحتلال، قال الناشط دراغمة،
وفعليا، يُرى الفلسطينيون وهم يرعون ماشيتهم قرب خيامهم فقط، رغم اتساع الرقعة الخضراء في الأغوار الشمالية.
"هذه الجبال لم تعد لنا". قال لؤي، وهو مالك لقطيع ماشية في الفارسية.
منذ بداية العام الجاري، تكرر فعل المستعمرين الاستفزازي للعائلات في نبع غزال أكثر من 15 مرة.
وهذا في قاموس حياة الفلسطينيين في الأغوار، أمر يبعث الخوف والقلق في النفوس، فلا يمكن تفسير ما يحدث إلا أن أهدافا واضحة من وراء هذه الأفعال، ووفق دراغمة: "يريدون للتوسع الاستعماري أن يستمر في المنطقة دون توقف".
تتحدث الأرقام والإحصاءات عن قفزة كبيرة في حجم اعتداءات المستوطنين منذ السابع من أكتوبر الماضي.
في التقرير السنوي الصادر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان جاء أن قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرين، نفذوا خلال العام الماضي، نحو 12161 اعتداءً بحق المواطنين وممتلكاتهم في مختلف المحافظات، سُجلت 5308 اعتداءات منها بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، في ارتفاع قياسـي في عدد الاعتداءات المسـجلة في عام واحد.
وأوضح التقرير أن أبرز انتهاكات الاحتلال ومستعمريه خلال عام 2023، أن جيش الاحتلال نفذ 9751 اعتداءً، فيما نفذ المستعمرون 2410 اعتداءات، ونفذ الجانبان 206 اعتداءات مشتركة.