الرئيسية / الأخبار / فلسطين
علي ميمة .. طفل فلسطيني نجا من الموت بعد 35 ساعة تحت الأنقاض
تاريخ النشر: الأربعاء 20/03/2024 07:38
علي ميمة .. طفل فلسطيني نجا من الموت بعد 35 ساعة تحت الأنقاض
علي ميمة .. طفل فلسطيني نجا من الموت بعد 35 ساعة تحت الأنقاض

غزة - وكالة سند للأنباء
كعادتها كما في كل حرب غاشمة يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة أمضت الصحفية سلام ميمة (المصري)، ٣٠ عاماً، أيامها الأخيرة في تداول الأخبار والتحليل السياسي حسب آرائها وطبيعة عملها، ولكنها بعد ثلاثة أيام من بدء الحرب أصبحت هي الخبر؛ بعدما استهدف الاحتلال البيت المجاور لبيتها مما أدى لتدمير منزلها في منطقة الفالوجا شمال غزة، لترتقي شهيدة.

تروي شقيقتها، هند ميمة تفاصيل ما حدث في تلك الليلة، مبينة أنه لم يتمكنوا من معرفة كل هذا إلا في ساعات الفجر الأولى بسبب انقطاع التيار الكهربائي والإنترنت.

وقالت هند: لا نعرف كيف أنا وأبي وأمي وأخواتي ذهبنا إلى منزلها لنتأكد من الخبر، حيث كان القصف في كل مكان. لم نشعر كيف وصلنا ولكن الحقيقة كانت أقوي من أي شيء، فما سمعناه كان أقل مما شاهدته، حيث منزلها المكون من ٤ طوابق مدمرا، وفق شهادتها التي نشرها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وتابعتها وكالة سند للأنباء.

إقرأ أيضاً
طفل فلسطيني يقاوم الظلم: قصة خالد جنيد في سجون الاحتلال
وأضافت: من شدة القصف وجدنا زوج أختي سلام محمد المصري ملقى بجانب البيت جثة هامدة. أيقنت لحظتها أن أختي سلام وأولادها الثلاثة هادي، ٨ سنوات، وعلي، ٦ سنوات، وشام، ٣ سنوات، مصيرهم مجهول تحت الأنقاض.


وحيدة تحت الركام

تتابع: من هنا بدأت رحلة معاناتنا في محاولة انتشال أختي وأطفالها من تحت الأنقاض .. أرسلنا عدة مناشدات للدفاع المدني ولكن دون جدوى. بسبب كثرة الاستهدافات في شمال القطاع لم تتمكن سيارات الدفاع المدني من الحضور، الأمر الذي دفع جميع أفراد العائلة بالعمل باقل الإمكانيات والأدوات المتوفرة بالحفر تحت الانقاض، وهكذا مر اليوم الأول لحبيبة قلبي وحيدة تحت الركام نجهل ما حل بها.

في اليوم التالي وبالرغم من القصف الكثيف في شمال غزة إلا أن والد سلام وأخوتها وبعض الأقارب أصروا للعودة لمنزل سلام لمحاولة فعل شيء ما.

فجأة وأثناء التنقيب سمعوا -حسب شهادة هند- صوتاً من تحت الركام كان صوت إحداى ساكنات المنزل. قالت بلهفة الذي يتشبث بالحياة "أنا عايدة أنا عايشة".

حينها، بدأ الجميع بالتهليل وبات لديهم أمل أن يكون الجميع بخير، بذلوا جهدهم بالإمكانيات المتاحة لإخراجها من تحت الركام حية بعد أكثر من ٢٤ ساعة. وهنا تجدد الأمل في إيجاد سلام لربما حية! بعدما أخبرتهم بأنها سمعت صوت أنين فاستمروا بالحفر حتى اليوم التالي هو 12/10.

إصرار أفراد العائلة وأملهم بإخراج الجميع من تحت الركام كان يتحدى صوت القصف والطائرات في سماء شمال غزة، وبالفعل بدأ الأمل يتحقق.

انتشال علي بعد 35 ساعة تحت الأنقاض

تقول هند: استمر الحفر، وفي حوالي الساعة ١١ صباحا تم انتشال علي ابن أختي سلام الأصغر وطبعاً كان في حالٍ يرثى لها. دون أن أشعر ركبت معه سيارة الإسعاف فقد مكث تحت الأنقاض أكثر من ٣٥ ساعة متعبا وحيدا خائفا وجائعا، حيث تم نقلنا إلى مستشفى الأندونيسي ومن هناك تم تحويله إلى مستشفى الشفاء إلى قسم العناية المركزة نظراً لخطورة حالته وتدهورها.


تضيف: عندما أنظر إليه الآن لا أصدق أنه نجا من كل ما مر به على الأقل جسدياً فقد مكث في العناية المركزة ٣ أيام ومنع من الطعام والشراب نظراً لوجوب خضوعه لعدة عمليات. ولكن لم يكن الموضوع سهل أبداً نظراً لعدم توفر الأسرة والازدحام الشديد بسبب كثرة الإصابات إثر الاستهدافات الوحشية للاحتلال. كان المصابون ملقون بين الممرات وكانت الطواقم الطبية تعمل بكل ما واتوا من إمكانيات.

تتابع: شاهدت الكثير من المصابين أيقنت أن ما يحدث لغزة هو قتل مع سبق الإصرار وإبادة بالمعني الحقيقي كل لحظة كان يصل المئات من المصابين والشهداء ومعظمهم اطفال ونساء.

في اليوم الثالث الساعة ١١ ليلاً قرر الأطباء إجراء ٣ عمليات لعلي فقد كان يعاني من قطع في أوتار اليد وخلع بالكتف ومشكلة أخرى في الرأس وتكللت بالنجاح.

أسئلة بلا إجابات

تقول: من هنا بدأت معاناة جديدة مع علي فقد وجدَ نفسه صفر اليدين وتدمرت أحلامه وفقد ماضيه ومستقبله وعائلته وكل ما كان يملك دون أن يدري كيف سرق منه الموت أعز ما يملك كان لديه الكثير من التساؤلات ” وين أمي وأبوي واخواتي؟ .. طيب دارنا؟ وألعابي؟ ” لم أملك القدرة على اخباره الحقيقة طمأنته أنهم بخير وينتظرون خروجه.


في 16/10 تقرر خروج علي من المستشفى وتوجه مع خالته إلى دير البلح حيث نزحت عائلتها قبل يومين بناءً على أواهر التهجير الإسرائيلية، أما سلام والدة علي، وطفليها هادي وشام فقد انتشلوا شهداء من تحت الركام بتاريخ 13/10.

دعوني أخبركم فقيدة قلبي

اسمحوا لي أن أقتطع من الزمن لحظات لأخبركم عن فقيدة قلبي سلام، تقول شقيقتها هند، مبينة أنها كانت حقاً رائعة بتفاؤلها وحيويتها وأحلامها فقد كانت كباقي الأمهات تحلم أن ترى فلذات أكبادها يكبرون أمام أعينها وهي تحفهم بالحب والاهتمام.

تضيف: تمنت سلام أن يكون هادي طبيباً فلطالما تحدثت لي عن حلمها ذاك ” نفسي أشوفه دكتور يا هند” وما زالتُ لا أصدق كيف سرقها الموت مبكراً قبل أن تتمكن من تحقيق ما كانت تحلم به حالها حال الكثيرين من نساء غزة.

أم الطفل الوحيد الناجي، علي فقد بدأت معاناته تتفاقم؛ فقد استقبله الجميع بالبكاء وبين كل الوجوه لم يجد أثراً لأفراد عائلته فكانت صدمته كصفعة مدوية جعلته يربط الأحداث ويدرك ما يخشى حدوثه.

تقول هند: علم أنه فقد كل شيء ولكنه كان ينكر، لم يشأ أن يصدق. سمعناه يحدث أصدقاءه “دار جيرانا وقعت على دارنا وصارت زي البسكوتة وشكلوا أهلي راحوا فيها”- وازداد إلحاحه يوماً بعد يوم ليرى عائلته أو يحدثهم وكنا نختلق الأعذار فتارةً نخبره أنّه لا يوجد شبكة اتصال وتارةً نخبره أن الطريق مغلقة ولم يمتلك أي منا الشجاعة الكافية لمواجهته بالحقيقة المؤلمة.

الحقيقة المؤلمة

لم يجد علي أي إجابات شافية لأسئلته وكل ما كان يجده هو المراوغة مما جعله يلجأ للعنف فقد صار عنيفاً ومؤذياً لنفسه وغيره ..يبكي بهستيرية وتصيبه نوبات غضب ويصر على البقاء وحيداً إذا رأى أحداً من أقارب أهله أو أصدقائهم.

من يعرف علي الطفل كثير الحركة والابتسامة اجتماعي كل العائلة تحبه، كان هو وأخيه هادي كأنهم توأم لا يفارق أحدهم الآخر حتى عندما كانت سلام تشتري لهما الملابس تكون متطابقة، الكلام كثير عنهم ولكن في القلب غصه عندما تنتاب علي حالة الغضب، لا يمكن أن أصف الحالة النفسية التي يمر بها فهي صعبة جدا وفي تدهور مستمر، تقول خالته.

تتابع: لا نعرف كيف نخبر علي بالحقيقة التى يرفض عقله ان يدركها، نحن على يقين بأنه يعرف أنه لا يمكن أن يرى هادي وشام وأمه وأبوه مرة ثانية فقد سرق الموت عائلته وتركه وحيدا يصارع مستقبله المجهول.

علي مثال حي لمعاناة أطفال غزة الذين فقدوا كل شيء، وسرقت الحرب منهم أهلهم وذويهم وأحلامهم ومستقبلهم وماضيهم ولا يعلمون هل سينالون فرصة البدء من جديد!

تتسءل هند: أما آن لهذا العالم أن يتحرك ويكسر صمته أمام الإبادة الجماعية لسكان غزة ويرحم هؤلاء الأطفال.

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017