"تحذير، تحذير، تحذير"، هي لوحة علّقت بين ثنايا مدخله، كتلة جبليةٌ تجرأ المحتلّ على تبديل مشهدها بقيّة فتاتٍ من أوراق، وسموم، ومخلّفات أرداها إلى قطع من الفحم، والرماد، كلّما اقتربت منها أصابت معدتك بألم الغثيان، وحوّلتك أليم الرأس ليومٍ طويل، عِجَال سيّارات مُلقاة هنا وهناك، وبين أركانها علب حديديّة ارتدى الصدأ منها زاوية، ومنحى.
في تحقيقنا هذا سلّطنا الضوء على مكب النفايات الواقع بين قريتي عزون وجيوس، من المسؤول عن إيجاده في منطقة تجمّعات سكنية؟، وهل ذريعة أنّه ضمن منطقة "ج" كافية لعدم إيجاد حل جذري للتخلص منه؟، ما دور سلطة جودة البيئة، والحكم المحليّ ؟، ما ردّ بلدية عزون وجيوس، ومحافظ قلقيلية بخصوص هذا الموضوع؟، ما نتائج الفحص والتحليل التي توصل إليها الخبراء، وأجرتها جامعة النجاح الوطنية في مختبراتها؟، وهل حقيقة تلوث المياه الجوفية صحيحة؟، هل تأثرت أراضي المزارعين بوجود المكب؟، وهل زادت نسبة الأمراض وخاصة السرطان في منطقة عزّون؟، وما الدراسات التحليلية التي تناولت موضوع هذا المكب؟.
"استيقظنا، وعصارةُ الروائح النتِنة تدبّ حولنا، تغمس جبيننا بثلّة الأمراض، لو لم يكن هناك، لربّما أصبحت المنطقة متنزهاً، أو مكاناً سياحيّاً يستهوي الجميع"، بهذه الكلمات بدأ الحاج كمال القادري (60) عاماً، والذي ينحدر من قرية جيوس قضاء قلقيلية الحديث عن هذا المكبّ.
يضيف القادري "رائحته كريهة للغاية، الذباب والحشرات تحوم حوله، بقيّة العظام والأوساخ ما زالت تكبّ فيه مع أنّه مغلق، ومنظره يشوه بيئة كاملة لو لم يتواجد بها لكانت من أجمل مناطق فلسطين.
"توجهنا لبلدية جيّوس، وعزون، لكن بلا فائدة، ولم يحدث شيء، سمعنا أنّ هناك توجهات لتحويله لمنتزه، لكن الشعارات تقول، والكلّ نائم"، هذا ما اختتم به كمال القادري حديثه.
30 سنةً من الموت
في عام 1982م، بدأت حكاية مكبّ النفايات الواقع بين قريتي عزون وجيوس قضاء قلقيلية، حيث صادرت قوات الاحتلال الإسرائيلي قطعة أرض تبلغ مساحتها حوالي 10 دونمات، تابعة للمواطن جمال عبد النبي، والذي ينحدر من قرية جيوس، وأصبح مكاناً لإلقاء النفايات القادمة من داخل الخط الأخضر، ومخلفات المستوطنات والمصانع الإسرائيلية.
وتحت حراسة الجيش والحماية الأمنيّة، وفي جناح الليل، كانت تتمّ عملية إلقاء النفايات فيه، وفي عام 1998م تمّ الكشف بالصوت والصورة والتوثيق نفايات سائلة من مخلفات كيميائية توضع في جالونات بلاستيكية، وتدفن في المكب.
وفي عام 2000م، صادرت قوات الاحتلال الإسرائيلي كل الوثائق المتعلقة بهذا المكب، حيث يقع على بعد 300 متر من حوض بئر مياه يزود ثلاثة تجمعات سكنية هي قرية عزون، وجيوس، صير، بدأت عملية إلقاء النفايات فيه عام 1989م، حيث خصص لرمي نفايات ثماني مستوطنات قريبة منه كـ "منطقة شمرون، معاليه، تسوفين"، وغيرها، ومخلفات المصانع الإسرائيلية.
أغلق هذا المكب عام 2003 م، نتيجة تأثيراته وأضراره، كـ انسياب السموم إلى باطن الأرض، وعمليات الحرق التي ينتج عنها روائح كريهة، والأمراض، وكمية التلوث الهائلة التي تحيط بالتجمعات السكنية القريبة منه.
بعد أن تمّ إغلاق مكب النفايات، تمّ إيجاد مكب بديل لمدة سنتين ما بين قرية عزون، وكفر ثلث، وصنيرة، لتصدر السلطة الوطنية الفلسطينية قراراً بتوحيد المكبّات، ويتم تجميع النفايات من جميع المناطق وإلقاؤها في مكب زهرة الفنجان في مدينة جنين.
مكوث الاحتلال الإسرائيلي لمدّة طويلة قبل قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية، سبّب عدم الاهتمام في تلك الفترة بموضوع البيئة الفلسطينية وصيانتها والحفاظ عليها، عند قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية وضعت جلّ اهتمامها في قضايا ومواضيع اعتبرتها أكثر أهمية من موضوع إدارة قطاع النفايات، وفي ظل عدم وجود الخطط والاستراتيجيّات الواضحة، وعدم وجود مخططات هيكلية للمدن والمحافظات، والزيادة المضطردة في كمية النفايات بأنواعها المختلفة، فقد أدى ذلك إلى تعقيد مشكلة النفايات الصلبة، الأمر الذي رافقه زيادة كبيرة وانتشار ملحوظ لمكبات النفايات العشوائية في الضفة الغربية.
مكبات النفايات الموجودة في الضفة الغربية، لم تتبع الأسس الصحيّة، والمعايير العلميّة في عملية اختيارها، فمعظمها يوجد في مناطق زراعية وسكنية، ومناطق محمية، وأشجار حرجية، مما يسبب العديد من المشاكل الصحية والبيئية والاقتصادية، خاصة أن المناطق التي توجد فيها المكبات كان من الممكن أن تكون مناطق سياحية، أو ترفيهية، فبعضها يوجد بالقرب من ينابيع المياه والأشجار الحرجيّة.
ويبلغ عدد مكبّات النفايات في الضفة الغربية حسب وزارة الحكم المحلي حوالي (156) مكبّاً منتشرة في أنحاء الضفة الغربية، منها ما هو مستعمل حتى اللحظة، ومنها ما تمّ تركه وعدم استعماله كالمكبّ الموجود بين قريتيّ عزون وجيوس بعد تأسيس مكبّ إقليمي للمحافظة مثل محافظة جنين، وغالبيتها ما زالت مستعملة وتلقى فيها النفايات بشكل عشوائي في العراء.
تذمّر واضح
يذكر الصحفي أحمد شاور (26) عاماً، والذي ينحدر من مدينة قلقيلية "هذا المكب مكرهة صحيّة وبيئية، ومنظر ورائحة لا تطاق، ومن ناحية صحية يؤثر على حياة سكان المنطقة ويسبب الأمراض لهم خاصة أنه يحتوي على مخلّفات كيماوية، مما يؤدي لارتفاع أعداد المصابين بأمراض السرطان".
ويتابع شاور قائلاً "إضافة لتسببه بزيادة أمراض السرطان، فهو ملّوث للمياه التي تغذي سكان المنطقة، حيث يقع بالقرب من حوض المياه الجوفيّة المزودة لثلاث تجمعات سكنيّة ".
أمّا الطالبة الجامعية شادن حساين، والتي تنحدر من قرية جيوس قضاء قلقيلية فتقول "لم أرَ، أو ألحظ أيّة تأثيرات لهذا المكب على حياتنا في القرية، فمنذ إغلاقه قلّت نسبة الأمراض، لكن المياه ما زالت ملوّثة".
يذكر (م،س) (25) عاماً، والذي ينحدر من قرية عزون قضاء قلقيلية " يجاور مكبّ النفايات بئر ارتوازيّ، يعمل على تلويث المياه به، فالبئر يضخ لثلاثة تجمعات سكنيّة هي: قرية جيوس، عزون، صير، فيسبب الأمراض، ويؤثر على الزراعة".
"مناطق (ج) تحت السيطرة الكاملة الإسرائيلية، وبالتالي يجب إيجاد رؤية مقاومة للاستيطان، وتكريس أمر واقع فلسطيني، وعدم وضع قيود على الفلسطينيين لاستعمال الأراضي، بمعنى آخر يجب إطلاق اليد الفلسطينية في هذه المناطق دون قيود نظراً لعدم إمكانية تطبيق أي مشروع تخطيطي دون إذن الاحتلال"، هذا ما بدأ به رئيس قسم الجغرافيا في جامعة النجاح أحمد غضية حديثه.
ويضيف غضية قائلاً " المعضلة التي تحكم عملية التخطيط تتكون من شقين: الأول الاحتلال والثاني غياب الوعي المجتمعي، وعدم إشراك المجتمع في العملية التخطيطية بفعالية، لأن الناس هم الذين يدركون حاجاتهم وأولوياتهم أيضاً".
الخطر المدفق
وفي هذا الصدد، توجهنا إلى محافظة قلقيلية لنحصل على معلومات أكثر عن هذا المكبّ، حيث يذكر محافظ محافظة قلقيلية رافع رواجبة " مكرهة صحية، وضرر بيئي على حياة الإنسان، والحيوان، والشجر، والتربة، والمياه، وهناك كشوفات مخبرية تم الاستعانة بها توضح أن هناك إشعاعات خطيرة، وأضرار ناجمة عن هذا المكب".
ويضيف رافع رواجبة قائلاً "لا تستطيع مؤسسات السلطة الوطنية الوصول إلى هذا المكبّ، المسؤول الأول والأخير هم الإسرائيليون، لو قررنا إزالة هذا المكب، إلى أين سيذهب؟، وهل من الممكن أن ننقله من منطقة إلى أخرى، وننقل الأمراض والأوبئة معه؟".
"على كل مواطن أن يحذر من هذه المكبات، لأنها تحتوي على مواد سامة وخطرة، وأخرى ما زالت مجهولة، يجب عدم العبث والاقتراب، وتكثيف الجهود من المؤسسات الأهلية والمدنية لإزالة المكب، وتحميل الإسرائيليين المسؤولية الكاملة عن آثاره وأضراره".هذا ما اختتم به محافظ مدينة قلقيلية رافع رواجبة حديثه.
عقبة الاحتلال
تابعنا سيرنا حتى توجهنا إلى بلديّة عزون لتزودنا بمعلومات تخص هذا المكب، حيث يقول مدير البلدية ماجد عدوان "يبعد هذا المكب عن قرية عزون مسافة 600 متر، المشكلة الأساسية أنه قائم على تجمع للمياه، والمكب يحتوي على مواد سامة تتحلل مع المياه، فتتسرب للطبقات الجوفيّة".
قامت بلدية عزون بإنشاء خطة قدرت لعملها مدة سنتين أو ثلاثة، لترحيل هذا المكب على غرار المكب الموجود في مدينة طولكرم، ليتحول لسماد عضويّ ويقام بدلاً منه حديقة أو متنزهاً، وتعود الأرض التي سلبت بالقوة لصاحبها، إلا أن العمل كان سيتم بطريقة غير قانونية، من طرف أشخاص كان هدفهم الأساسي الاستفادة من المواد الموجودة داخل المكب.
ويضيف ماجد عدوان "أحيانا يقدّم المواطنون شكاوي للبلدية، بأنّ طعم المياه غريب، فنقوم بإعادة تكريرها، أيضاً المزارعون يشتكون من وضع أراضيهم المتصحرة، والصفراء، وأشجار الزيتون فيها غير مثمرة".
"إذا انفجر شيء في هذا المكب نتيجة المواد الموجودة فيه، أو تسربت المواد السامة فالخطر يدق أجراس قرية عزون، جيوس، صير، وهذا يتطلب من كل مسؤول المساعدة في عملية إزالته رأفة بالمواطنين، وحفاظاً على الثروات الموجودة خاصة المياه".هذا ما اختتم به مدير بلدية عزون ماجد عدوان حديثه.
لو لم يكن..لكان هناك إسكان
أكملنا تحقيقنا هذا نحو قرية جيوس، القرية الثانية المتأثرة من وجود المكب فتوجهنا إلى البلدية، حيث يذكر رئيس بلدية جيّوس غسان الحرامي "منطقة المكبّ هي شراكة بين قريتي جيّوس وعزون، يوجد فيها مناطق صناعيّة كمعمل للباطون وللخشب، كان هناك نيّة لعمل إسكان للمهندسين في منطقة قريبة، حيث قاموا بشراء أرضٍ في الجهة الغربية للمكب، لكن وجوده حال دون ذلك".
ويضيف الحرامي قائلاً "كلّ الدراسات والأبحاث أثبتت أن وجود المكب يعمل على تلويث المياه الجوفيّة، والأراضي المحيطة به مزروعة كاملةً بالزيتون، وجوده يشوه المنطقة، ويشجع بعض الأشخاص على إلقاء النفايات، والمخلّفات به".
قامت بلدية جيّوس بإعداد دراسة ترصد التكاليف المطلوبة للتخلص من هذا المكب، وتزويدها للارتباط الفلسطينيّ كي يبلغ الجانب الإسرائيليّ بها، فالمسؤول الأول والأخير عن هذا المكب هي إسرائيل، ومنطقة المكب ضمن منطقة "ج"، أي أن المسؤولية الإدارية والتنظيمية من ضمن مسؤوليات الاحتلال الإسرائيلي.
"يجب على الارتباط الفلسطيني أن يقنع الجانب الإسرائيلي بضرورة إزالة المكب، وعلى أصحاب الاختصاص أن يهتموا بهذه الكارثة، فإن لم نبادر نحن بالمطالبة بالتخلص منه، من سيبادر؟"، بهذه الكلمات اختتم رئيس بلدية جيوس غسان الحرامي حديثه.
يُذكر أن قرية جيّوس تقع في محافظة قلقيلية، عدد سكانها يبلغ حوالي 6000 نسمة، وتعد من أكثر القرى تضرراً من الجدار العازل الإسرائيلي، ويوجد بها 6 آبار ارتوازية فقط خلف الجدار.
ناقوس الخطر
وعن تأثير مكب النفايات على صحة الإنسان يقول مدير الصحة في محافظة قلقيلية د.محمد الهاشم "المكب عبارة عن مواد كيميائية ونفايات صلبة متجمعة لم يوضع المكب بطرق علميّة، وسليمة، ولم يكن هناك إعادة للتدوير، حيث تمّت عملية إلقاء النفايات ودفنها بشكل عشوائيّ، وهذا كلّه يؤثر سلبياً على صحة الإنسان، والحيوان، ويلحق الضرر بالتربة، والنبات".
أمّا عن آثار مكب النفايات على المحاصيل الزراعية، يقول مدير الزراعة في محافظة قلقيلية المهندس أحمد عيد "من بداية تأسيسه تمّ تجريف مساحة كبيرة من الأراضي المزروعة لإعداده، وفي فترة إلقاء النفايات فيه كانت تصدر روائح كريهة، عملت على تهجير المزارعين من أراضيهم نتيجة لقوتها".
ويضيف أحمد عيد "وبعد إغلاق المكب، نبعت مشكلة تسرب المياه، وانتشارها على الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون، من الممكن أن يكون لها تأثيرات على المدى البعيد مباشرة او غير مباشرة".
"يجب ترحيل النفايات ضمن مشروع على مناطق نائية لا تؤثر، بإشراف خبراء ومتخصصين، بعد إعداد دراسات وأبحاث في ذلك".هذا ما اختتم به مدير الزراعة في محافظة قلقيلية أحمد عيد حديثه.
عاتق التكلفة على الإسرائيليين
يقول مدير الحكم المحلي في مدينة قلقيلية يعقوب عصفور "أنشئ هذا المكب قبل مجيء السلطة بقرار إسرائيلي، وعند تسليم السلطة المهام الموكلة إليها كان هناك استمرارية لعملية توريد النفايات من المستوطنات، وزارة الحكم المحلي عملت كثيرا من اجل إزالة هذا المكب إلا أن الإسرائيليين لم يستجيبوا".
ويتابع يعقوب عصفور " اكتشف أنّ هناك براميل كانت ترمى في المكب، كلها مواد مشعة، وتسعى وزارة الحكم المحلي مع كل المؤسسات لتشكيل هيئة من أجل إزالة المكب، لكن الإسرائيليون يتحملون التكلفة الكاملة، وآثاره المدمرة على البيئة، والإنسان، والحيوان".
يذكر رئيس مجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة عثمان داوود "دور مجلس النفايات المشترك الذي تأسس سنة 2000م، هو العمل على نقل هذه النفايات من مكانها إلى مكبّ زهرة الفنجان في مدينة جنين، حيث توحدت المجالس على اختيار مكب رئيس واحد يكون موقعه في الجنوب من فلسطين".
ويضيف عثمان داوود " الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على هذا المكب، بعد أن تعدى على أراضي المواطنين، ومنعنا من التصرف به تحت ذريعة أنه ضمن منطقة (ج)".
خطر المكبّات
يذكر المختص في هندسة الصحة والبيئة، والمحاضر في جامعة فلسطين التقنية/خضوري فتحي عناية "المكبات خطرة على صحة الإنسان، و تلوث الهواء، والتربة، والمزروعات، والمياه الجوفية أي المياه التي نشربها، والمشكلة تكمن أن الطيور والحيوانات البرية تجتمع عند المكبات، ومن المحتمل أن تكون ناقلة للأوبئة والأمراض للإنسان".
ويضيف فتحي عناية "الكثير من الأطفال يتوجه لهذه المكبات للبحث عن بعض الألمنيوم والحديد، والذي يؤدي إلى تعرضهم لهذه المواد السامة بشكل مباشر، وربما إصابتهم بالأمراض".
يتابع فتحي عناية قائلاً "هناك نوعان من المكبات، مكب سليم، ومكب آخر عبارة عن حفرة عادية يتم إلقاء النفايات فيها ودفنها دون أدنى شروط السلامة الصحيّة، ولإقامة مكبّ سليم يجب أن توضع طبقة بلاستيكية، ثم تجمع العصارة التي تحتوي المواد السامة والمشعة عن طريق شبكة أنابيب مربوطة بمضخات، حتى لا تتسرب إلى المياه الجوفيّة، ودفنها يومياً بالأتربة".
أما عن معايير اختيار موقع النفايات فهي: الابتعاد عن التجمعات السكنية، والابتعاد عن الآبار الجوفية ومصادر المياه، وفي فلسطين يفضل وضعها إلى الشرق من التجمعات السكانية أي بعكس اتجاه الرياح السائدة.
تحويل المكبّ
يذكر فتحي عناية "لو تمّ تحويل هذا المكب بعد دفن النفايات بالأتربة، والتخلص من كل الآثار البيئية إلى متنزه، أو منطقة للترفية، وزارعتها بأشجار غير صالحة للأكل، فسوف تتحول من معلم مشوه للبيئة إلى معلم حضاري وجذاب".
يقول مرشد الكيمياء في مديرية التربية والتعليم في قلقيلية عبدالله عيد "مكب النفايات لا يخضع للرقابة وأقاويل كثير نشرت ع وجود نفايات سامة مع المياه تتسرب وتتحلل إلى أشجار الزيتون، وتؤثر على صحة الإنسان، والحيوان وتشوه المنظر لجمالي للمنطقة".
أمّا رئيس قسم الجغرافيا في جامعة النجاح أحمد غضيّة فيذكر " تتكون أغلب النفايات الصلبة من البلاستيك والورق بعد استعمالها في عمليات التغليف للأغراض المختلفة والنفايات الناتجة عن المستشفيات مما يعرف بالنفايات الطبية ،والألمنيوم، والزجاج والمواد الناتجة من عمليات البناء وهذه النفايات برمتها نجدها تكثر في المدن ، أما في المناطق الريفية والزراعية فتكثر النفايات العضوية حيوانية كانت أم نباتية".
ويضيف غضية قائلاً "من الطرق الشائعة للتخلص من النفايات الصلبة: الحرق، الدفن، ويمكن التقليل من حجمها عن طريق الضغط".
التلوث..لا حقيقة
يقول المحاضر من قسم الكيمياء في جامعة النجاح الوطنية د.راقي اشبيطة "العينات التي تمّ أخذها من البئر الارتوازي القريب من مكب النفايات، لم تظهر وجود أي نوع من التلوث، من الممكن أن يتواجد في التربة، لكن لم يصل للمياه، هناك نسبة عالية من مادة الكالسيوم، والتي لها آثارها السلبية".
ويضيف راقي اشبيطة "الخوف أن تكون التربة ملوثة، وبالتالي تتسل المياه إليها، ومع طول الفترة الزمنية تترسب وتصل لباطن الأرض".
دراسة تحليلية
يذكر الطالب نمرهندي في أطروحته المعنونة "دراسة تحليل الفوائد والتكاليف لإدارة النفايات الصلبة لمدينة قلقيلية "أن سكان زهرة الفنجان وجنين قد تضرروا بشدة من مكب النفايات من حيث الآثار البيئية السلبية على المياه الجوفية وتلوث الهواء بدرجة كبيرة، فقد أدى المكب إلى تراجعٍ حاد في مستوى المعيشة لسكان زهرة الفنجان وجنين، لدرجة أن الروائح المنبثقة وعموم المنغصات التي جلبها المكب قد باتت لا تُطاق في بعض الأحيان.
وعن غياب تطبيق القوانين المتعلقة بالنفايات الصلبة في الأراضي الفلسطينية، يقول الباحث ضرغام اشتية في أطروحته عن تقييم واقع المكبات في الضفة الغربية " إن من أهم أسباب مشكلة مكبات النفايات في الضفة الغربية هو الفترة الطويلة قبل قدوم السلطة الفلسطينية، حيث كانت تعيش الضفة الغربية خلال تلك الفترة في فجوة قانونية كبيرة في جميع المجالات ومنها قطاع النفايات الصلبة".
قبل عام 1967م كان يطبّق في الضفة الغربية قانون البيئة الأردنيّ، وبعد عام 1967م أصبحت تطبق القوانين الإسرائيلية ومنها قانون الإدارة المدنيّة، وقانون الجيش الإسرائيليّ، وغيرها من القوانين التي اتسمت بالسطحية والبساطة، وعدم الدخول في التفاصيل.
يضيف الباحث ضرغام اشتية "أغلبية القوانين الإسرائيلية كانت توضع لخدمة أهدافها الاستعماريّة، والتوسعية، والاقتصادية الإسرائيلية، ولم تعنى بالبيئة الفلسطينية بل ساهمت في تدهورها".
أمّا حالياً فتخضع إدارة النفايات الصلبة في فلسطين لقانون البيئة الفلسطيني، ومن القوانين التي تطرقت إلى موضوع النفايات الصلبة نصوص المواد من (7-10)، والتي تحدثت عن تقليل حجم النفايات، وإدارتها، والتخلص منها، والمحافظة على البيئة.
محاولات للاستفادة من المعادن
يقول مدير مكتب سلطة جودة البيئة في طولكرم وقلقيلية المهندس عصام الأشقر "مخاطر المكبات هي احتوائها على مواد كيماوية مجهولة المصدر ومخلفات المصانع، لو وصلت للأراضي الزراعية، والمياه الجوفية فلها تأثيرات جمة، المياه الملوثة ستصل للمزروعات، ومن المزروعات ستصل للإنسان، مما يسبب ازدياد نسبة السرطان".
يتابع عصام الأشقر"قمنا بزيارة المكب عن قرب برفقة وزيرة سلطة جودة البيئة، كانت هناك محاولات إسرائيلية لإدخال مقاولين للتخلص من هذه المخلفات في الأراضي الفلسطينية بحجة الاستفادة مما هو موجود بداخلها، لكن تم الرفض من الجانب الفلسطيني".
"بعد اكتمال التقرير الفني والعلمي حول طبيعة المخلفات، سيتم مطالبة الجانب الإسرائيلي بإرجاعها داخل إسرائيل".هذا ما اختتم به عصام الأشقر حديثه.
يقول مدير مكتب سلطة البيئة في محافظة سلفيت عبر لقاء أجري معه على فضائية القدس المهندس مروان أبو يعقوب " كان لدينا أكثر من مكب، أغلق جزء كبير منها بنجاح تامّ، ونسعى دائماً لتوعية المواطن بالمخاطر التي تسببها هذه المكبات".
ويضيف مروان أبو يعقوب " حرق مادة البلاستيك ينتج عنه مادة الديوكسين، الذي يضر بصحة المواطن، ويسبب أمراض مُسرطنة، والمواد العضوية تتسرب للمياه الجوفيّة، فيجب دفن النفايات حسب إستراتيجية سليمة وواضحة".
المحاكم كَحلّ جذريّ
تذكر رئيس سلطة جودة البيئة المهندسة عدالة الأتيرة "في كثير من المواقع تمّ إلقاء نفايات إسرائيلية في مناطق عشوائية، لا نعلم طبيعة هذه النفايات تماماً، في الوقت الحالي نقوم بعمل دراسات وأبحاث، حيت تشكلت لجنة من الجامعات، ومراكز البحث العلمي، وسلطة الجودة والبيئة، لتأكيد الشكوك حول وجود تأثير حقيقي، ومخاطر لهذه المكبات".
وتضيف عدالة الأتيرة "إن لم تقم إسرائيل بإزالة هذه المكبات، سنتوجه للمحاكم، والقانون حتى تجبر على إزالتها، وتعيد تأهيلها، وتقدم تعويضاً أيضاً".