(80 مليون) دولار خسائر مخيّم نور شمس خلال (28) اقتحام إسرائيلي!
إعداد: ايمان فقها
في منتصف مخيم نور شمس الواقع شرق طولكرم، يقف متأملًا آثار الدمار الذي حلّ بمنزله المكون من (3) طوابق، تلمح من بين تجاعيد وجهه حرقة لِقلبه، تارةً يتأمل المنازل المدمرة بشكل كامل، وتارة ينظر لثنايا منزله، فَلم تُبقِ رصاصات الاحتلال الإسرائيلي من ممتلكاته شيئًا دون أن تعيث بها خرابًا!
يروي الحاج أبو محمد الجبالي بمرارةٍ، الحال الذي آلت إليه المنازل في مخيم نور شمس إثر اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة منذ السابع من تشرين الأول لعام 2023م، إذ تعمد الاحتلال إلحاق أكبر ضرر ممكن من خلال تكسير النوافذ، والأبواب، وإحراق المنازل، وهدم أسوارها.
ويقول الجبالي: "(3) مرات حاولت إصلاح نوافذ المنزل، ممّا كلفني في كلّ مرة (3) آلاف شيكل، وَلم يعد منزلي مأهولًا للسكن، إذ عكفت على استئجار منزل في مدينة طولكرم لعائلتي المكونة من (9) أفراد بتكلفة بلغت (ألف) شيكل شهريًا، فيما لا يسمح وضعنا المادي بِدفع هذا المبلغ بعد التعطل عن العمل!".
وَوسط كل الدمار الذي تعمد الاحتلال صُنعه، يحتاج أبو محمد الجبالي قرابة (10) آلاف شيكل، لإعادة إصلاح منزله، وخزانات المياه المتضررة.
وَقرب منزل الحاج أبو محمد، أسَست عائلة الشاب براء الدعمة محلًا لبيع المواد الغذائية منذ (30) عامًا و(3) مخازن، تعرّض المحل التجاري لإطلاق الرصاص الكثيف، وتفجير أبوابه، وإطلاق شظايا الرصاص التي سببت إتلاف المواد داخله.
وَيذكر الدعمة: "منذ بداية الاقتحامات، نتعرض للأذى بشكل مستمر سواء داخل محلنا التجاري، أو من خلال التدمير الكامل لكافة المخازن لدينا، أو تدمير سور بيتنا، ما كلفنا خسارة بلغت (130) ألف شيكل!".
ويستدرك الدعمة: "يتعمد الاحتلال تفجير الأبواب، وإلحاق ضرر كبير بالمواد الغذائية الموجودة من خلال إطلاق الرصاص صوبها، ما يعيث خرابًا بها وتصبح غير قابلة للبيع فنعمل على إتلافها، ما يكلفنا ضررًا ماديًا كبيرًا". وَيصف الوضع الاقتصادي داخل المخيم بالصعب جدًا.
على الشارع الرئيسيّ في مخيم نور شمس، يعمل الشاب العشرينيّ أحمد علي داخل مخبز ومعجنات حيفا، والتي لم تسلم من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، إذ تضررت الماكينات والآلات وخلّفت خسارة تقدر ب (10) آلاف شيكل حسب قوله.
ويقول علي: "نظرًا لانخفاض الطلب على المعجنات، تقلص عدد العاملين للنصف، فيما كانت مبيعاتنا تقدر بما يقارب (9) آلاف شيكل يوميًا، انخفضت مع بداية الحرب لألف شيكل يوميًا!".
(80 مليون) دولار خسائر المخيم!
في كلّ زاوية من زوايا المخيم، وحيثما يقع بصرك تجد أكوامًا من الدمار، فقد طال اعتداء الاحتلال الإسرائيلي بجرافاته وآلياته كلّ ما في طريقه، من أشجار، ومنازل، ومحال تجارية، ومؤسسات، ومركبات، وشبكات الصرف الصحي، والبنية التحتية، فيما اتخذ الاحتلال الإسرائيلي عشرات المنازل ثكنات عسكرية لهم وعاثوا دمارًا داخلها، فيما لم تسلم من النهب والسرقة.
وحسب إحصائية حصلنا عليها من لجنة خدمات مخيم نور شمس، فقد دمّر جيش الاحتلال (170) منزلاً بشكلٍ كليّ، و(1750) منزلًا بشكل جزئي أي قرابة نصف منازل المخيم، وشملت أضرارها هدم أسوارها، وتدمير محتوياتها ومرافقها، أو إشعال النار داخلها بسبب الشظايا، ما أضحت غير مأهولة للسكن، فيما يتعمد الاحتلال إلحاق الضرر من خلال تفجير الأبواب حتى لو كانت مفتوحة أمامه.
أمّا عن المباني العامة، فَهدمت جرافات الاحتلال مبنى نادي مخيم نور شمس، وأصبح بشكل كامل آيلًا للسقوط، وخلّف خسارة تقدر بمليون ونصف شيكل! إلى جانب هدم قاعة أفراح في حارة المنشية تحتوي على روضة أطفال، وتقدّر خسارتها بتكلفة بلغت مليون ومئة ألف شيكل! فيما عاث خرابًا بشكل جزئي في مقتنيات لجنة خدمات المخيم من خلال تدمير أجهزة الحواسيب والمكاتب، تسبب ذلك بخسارة تقدّر ما بين (15 ألف- 20 ألف) شيكل.
وَعاث الاحتلال دمارًا في (220) محل تجاري، منها ما دمره كليًا كالمحلات الواقعة في الساحة الرئيسية للمخيم، إضافة للمحلات الواقعة على شارع نابلس أمام مخيم نور شمس، وأخرى تضررت بِشكل جزئي من خلال هدم جدرانها، وإتلاف المواد الغذائية الموجودة من خلال إطلاق الرصاص الكثيف داخلها، إلى جانب إزالة يافطاتها الإعلانية.
وَلم تسلم المركبات في المخيم من الدمار، إذ سجلت اللجنة تضرّر (200) سيارة منها ما دمره الاحتلال كليًا من خلال مداهمتها بالجرافات، أو جزئيًا من خلال تكسير أبوابها، ونوافذها، ومحركاتها، فيما تتراوح كلفة إصلاحها ما بين (3 آلاف - 11 ألف) شيكل.
وَتضررت البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي في المخيم بشكل كبير، إذ سجلت دمارًا في الطرقات بلغ (3 مليون) شيكل، أما خسائر شبكات الصرف الصحي فبلغت (2 مليون) شيكل، إذ تعمد الاحتلال في كلّ اقتحام إلى تدمير الطرقات ليمنع المواطنين من التنقل بين حارات المخيم.
وسجلت لجنة الخدمات أيضًا، عمليات سرقة الاحتلال الإسرائيلي وَنَهبِه لمقتنيات المواطنين من داخل منازلهم ومحالهم التجارية، مثل أجهزة الحواسيب، والمصاغ الذهبية، والنقود، والمعدات.
ووفقاً لإحصائيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا، ففي الاقتحام الأخير للمخيم في 9 من تموز، تسببت جرافات الاحتلال الإسرائيلي في إلحاق أضرار فادحة بالبنية التحتية الأساسية داخل المخيم وحوله، بما شمله ذلك (1,600) متر تقريبًا من شبكات الصرف الصحي والمياه، وأسفر عن انقطاع إمدادات المياه والكهرباء والخدمات الأساسية.
وَخَلص تقييم قادته الأمم المتحدة في 10 من شهر تموز إلى أن أضرارًا جسيمةً أصابت 24 مبنى من المباني السكنية وباتت غير صالحة للسكن، ما أدى إلى تهجير ما لا يقل عن (36) أسرة تضم (149) فردًا. كما أُصيبت العشرات من المباني التي يستخدمها أصحابها في تأمين سبل عيشهم والمحلات التجارية بأضرار متوسطة إلى فادحة.
وحسب دراسة "أوتشا"، ما بين 7 تشرين الأول حتى 15 تموز، هدم الاحتلال الإسرائيلي (1,179) مبنى من المباني الفلسطينية أو صادرتها أو أجبرت أصحابها على هدمها في شتّى أرجاء الضفة الغربية، وكان 40 في المائة (474 مبنى) منها مأهولة. ونتيجة لذلك، هُجّر 2,756 شخصًا، من بينهم 1,113 طفلًا. وقد هُجّر نحو نصف هؤلاء (1,410 شخصًا) من منازلهم التي دمرت أثناء الاقتحامات، وخاصة في مدينتي جنين وطولكرم والمخيمات المحيطة بهما.
وضع اقتصادي صعب!
ويصف رئيس لجنة خدمات مخيم نور شمس، نهاد الشاويش الوضع الاقتصادي بالصعب جدًا في المخيم نتيجة الدمار، والتعطل عن العمل، وفقدان المنازل، وهدم المحال التجارية، ويقول: "لم يترك الاحتلال مكانًا في المخيم إلا وَعَمِلَ على تدميره، وإلحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار، مخلفًا خسارات باهظة الثمن تصل ل (80) مليون دولار حتى اللحظة مع تردي الوضع الاقتصادي".
ويبيّن الغول، أنّ تدمير شبكات الصرف الصحي في المخيم، أثّر على الوضع الصحي للمواطنين في البلدة خاصة كبار السن، إضافة لعرقلة حركتهم داخل المخيم وتنقلهم سواء داخل العيادات الصحية أو بين الحارات الأخرى.
ويناشد الغول، المؤسسات الحقوقية والداعمة إلى التوجه للمخيم الذي بات منكوبًا للمساعدة قدر الإمكان في إصلاح ما يمكن من منازل ومحال تجارية، أو تقديم المساعدة للمواطنين جراء الخسارة الباهظة لممتلكاتهم، مبينًا أن الحكومة الفلسطينية استأجرت (300) منزل للمواطنين الذين فقدوا منازلهم بشكل كليّ لمدة (3) أشهر.
(30%) من المنشآت أغلقت!
ويوضّح رئيس غرفة تجارة وصناعة طولكرم منير الدحلة، أن آخر اقتحام لمخيم نور شمس، سبب دمارًا كليًا وجزئيًا ل (170) محل تجاري، بتكلفة بلغت (2مليون) دولار، حيث يعيل كل محل منها ما بين (4-5) عائلات، من هذه المحال ما تمّ إعادة تدميره مرة أخرى بعد إصلاحه.
ويستدرك الدحلة قائلًا: "الوضع الاقتصادي سيء جدًا، فلم تشهد محافظة طولكرم هذا الدمار منذ سنوات طوال، والجرافات العسكرية عاثت بالشارع الرئيسي لمخيم نور شمس وهو شريان طولكرم الرئيس دمارًا وصل لعمق 1.5م تحت الأرض ما عزف المتسوقين من الدخول لطولكرم".
ويبيّن الدحلة أن نسبة مبيعات التجار في طولكرم انخفضت ل (20-30%)، وهي نسبة لا تتعدى توفير المواد الأساسية للمحال التجارية وتكلفة التشغيل، ما أدى لإغلاق (30%) من المنشآت في طولكرم بشكل كامل. مناشدًا الجهات المسؤولة للوقوف عند مسؤولياتها ووضع خطط اقتصادية لتعزيز صمود المواطنين والتجار، وتقديم المساعدات للمتضررين جراء ذلك.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغ عدد سكان مخيم نور شمس حتى منتصف العام 2023 نحو 7083 لاجئًا، تعود أصولهم إلى القرى الواقعة في محيط مدينة حيفا.