في لقاء مطول مع وفد من الاخصائيين النفسيين البريطانيين يعملون بالتعاون مع ( حملة مقاطعة اسرائيل و سحب الاستثمارات منها و فرض العقوبات عليها B.D.S) و يبحثون الاثار النفسية للاحتلال على ابناء شعبنا خاصة الاطفال و النساء و ذوي الاحتياجات الخاصة نتيجة الاعاقات التي يسببها الاحتلال ...وجه لي رئيس الوفد اسئلة متعددة تناولت الشأن الفلسطيني من مختلف الزوايا ...و الحقيقة كان الحوار دافئا و كان الوفد متفهما و داعما للحق الفلسطيني ...و قد وجه لي سؤالا اعتبرته الاهم سألني : انت تقول ان اسرائيل لا تألوا جهدا في فرض وقائع على الارض من شأنها الاجهاز على حل الدولتين و امكانية اقامة دولة فلسطينية مستقلة .. و انا اتفق معك في ذلك و لكن هناك سؤال يراود الكثيرين من الشعوب الاوروبية حتى ممن يدعم حقكم في اقامة هذه الدولة .. و السؤال هو :ما الذي يضمن ان لا تكون الدولة المنوي اقامتها هي دولة متطرفة دينيا يحكمها المتشددون ..و اعذرني على هذا السؤال و ليس رأيي الشخصي و لكن اريد ان اتسلح بالاجابة لمن يواجهنا بهذه التساؤلات في بلادنا ؟
اجبته : دعنا نروي القصة من اولها حتى نصل للاجابة ...يا صديقي العزيز مارتن وزملائك الرائعين اقدر حرصكم و اقول منذ اكثر من قرن و بالتحديد عام 1897 منذ مؤتمر بازل الصهيوني الذي اقرت فيه الحركة الصهيونية اقامة ( دولة قومية لليهود ) على ارض فلسطين و لاحظ (لليهود على ارض فلسطين) منذ ذلك الوقت و حتى اليوم و غدا و الشعب الفلسطيني يناضل لرفض هذا المشروع العنصري و التوجه المتشدد للحركة الصهيونية بنضال وطني قومي و بتعددية سياسية يغلب عليها الطابع الوطني و القومي و التوجه العلماني مع عدم انكار الطابع الديني و المقدس لهذه الارض فامتزج الوطني بالقومي و العلماني بالديني الاسلامي و المسيحي المكون الرئيسي لسكان هذه الارض منذ الاف الاعوام نحو تجسيد هدف تقرير المصير و اقامة الدولة المستقلة ...و يا عزيزي مارتن لم يسجل التاريخ ان الفلسطينيون يهاجمون او يعتدون على اليهود منذ ماقبل العام 1948 و حتى ما بعده بل على العكس كانت الاعتداءات الصهيوني على كافة المقدسات الاسلامية و المسيحية فقتل المصلين و هم يصلون في الحرم الابراهيمي ..و بدل معاقبة القتلة و المحرضين قسم المسجد ...و احرق المسجد الاقصى و هو الآن على طريق التقسيم الزماني و المكاني ...المسلمون يا مارتن هم من يمنعون من الصلاة في مساجدهم و خاصة الاقصى ...و رغم ذلك فالفلسطينيون يعون تماما ما هو هدفهم : ليس قتل اليهود و لا محاربتهم بل هدم الفكرة الصهيونية التي استغلت الديانة اليهودية لبث سمومها و استعمار ارض فلسطين في استيطان احلالي ..تماما كما استغل الصليبيون الديانة المسيحية و قدم اجدادكم لاحتلال فلسطين باكذوبة الدفاع عن الصليب و في الواقع كانت حروب اهدافها استعمارية اقتصادية بالكامل .
لقد شهد التاريخ يا مارتن ان الشعب الفلسطيني شعب يحب السلام و هو معتدل في مواقفه و رؤيته فرضت عليه حروب لم يخترها و تعرض لمجازر تؤرخ في حياة البشر و مع ذلك لم يفقد البوصلة و لم يتشدد و لم يتطرف بل بقي مثالا لشعب عريق يبحث عن حريته ...و لكن يا عزيزي انظر من يقود المواجهة الى التطرف و العنصرية ..انظر من يحاول اقناع العالم ان الحرب دينية بهدف تأليب العالم و ايهامه بالتطرف الديني لدى الشعب الفلسطيني لتمرير مشروعه ...انظر من يقر بكنيسه (الدولة القومية لليهود ) على حساب شعب باكمله و على حساب اكثر من مليون و نصف فلسطيني يسكنون خلف الخط الاخضر ...و من يضع القوانين العنصرية المتطرفة التي تخير هم بين ( الولاء ) لحكومة تقمع و تقتل ابناء جلدتهم و بين الاقامة في هذه الارض التي توارثوها عن ابائهم ...الشعب الفلسطيني يا مارتن يطالب بحقه في دولة فلسطينية مستقلة تعددية تحترم فيها كافة الديانات و المعتقدات و قد قبلت قيادة هذا الشعب بتسوية ظالمة مجحفة بحدود 22 % من ارض فلسطين التاريخية و قابلت دولة الاحتلال ذلك بالتهويد و زرع غلاة المستوطنين العنصريين بعد السلب و الاستيلاء على الاراضي الحيوية و المياه و الطرق ..و نفثت سموم الكراهية و الحقد في نفسياتهم و ملأت مدارسهم بتعليم الحقد و العنصرية و الكراهية ضد العرب .
ان توجه حكومة الاحتلال لاقرار قانون يهودية الدولة و قانون تقسيم الاقصى و قانون تطبيق القانون الاسرائيلي على (اليهود) الذين ( يسكنون) الضفة الغربية كل هذه القوانين هي مدعاة للتطرف و العنصرية و هي الوصفة السحرية لاستدراج حرب اكثر تشددا و عنفا و هم من يقودون اليها..
صديقي مارتن عندما تعود وزملائك الى بريطانيا اخبروا ابناء شعبكم ما شاهدتم بام اعينكم من ممارسات الاحتلال العنصرية و الحواجز ...و اخبروهم بمن التقيتم بهم من ابناء فلسطين و لا نريد منكم سوى الحقيقة ...عند تجوالنا يا مارتن في شوارع نابلس قلت لي : كم هي عريقة و جميلة بلادكم و كم انتم ودودون رغم كل معاناتكم !! و حملناك الرسائل للشعوب الاوروبية طلبا لمزيدا من الدعم و المساندة التي لا ننكرها خاصة في مسيرات التضامن بمئات الالوف في بلدكم بريطانيا اثناء العدوان على غزة و موقف برلمانكم الذي اصبحت بقية برلمانات اوروبا تسير على شاكلته ..
ودعنا مارتن و زملائه بالعناق الحار و المودة و ارسلوا الرسائل بعد المغادرة و اعتقد ان الرسالة وصلتهم جيدا ..و قال لي في النهاية : اشكركم فلدي الآن الاجوبة الكثيرة على اسئلة لم امتلك القدرة على اجابتها في السابق ...شكرا مارتن و زملائك و كل المتضامنين مع شعبنا في مطالبه العادلة حتى الحرية و تقرير المصير .