memantin iskustva oogvitaminer.site memantin wikipedia">
أكتب لكم هذه الكلمات وأمامي الشمس تخرج من بحر ولاية قابس في الجمهورية التونسية، صباح مختلف .. نور شمس هذا اليوم ليس كأي يوم بتاريخ هذا البلد. أشرب القهوة التونسية أسترجع يوم أمس بتفاصيله الممتعة والمرهقة، تفاصيل عشتها كما عاشها المجتمع التونسي بترقب وحذر وأيضاً أنظر الى مستقبل هذا البلد الذي يسطر يوماً عن يوم حالة من التميز العربي بعدة أصعدة.
كان يوم 23-11-2014 مفصلاً للتحول الديمقراطي في تونس، أول انتخابات تعددية شهدتها تونس لاختيار رئيسها منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956 في هذا اليوم، حيث تولى الحبيب بورقيبة رئاسة تونس عقب الاستقلال، ثم خلفه زين العابدين بن علي الذي اضطر الى الهروب من تونس في 14 كانون الثاني عقب اندلاع ثورة شعبية ضد حكمه.
رغم أهمية هذا اليوم لتونس والعرب ولكافة الأحرار في هذا العالم، لكني لن أتحدث عن العملية الانتخابية حتى انتهاء الجولة الثانية والحاسمة من انتخابات الرئاسة التونسية في نهاية شهر كانون الأول القادم، كوني أحد المراقبين الدوليين ومن جهة أخرى بانتظار اكتمال المشهد لأن معادلة الحكم والصراع السياسي بدأت تدخل مخاضاً صعباً معقداً بسبب نتائج انتخابات البرلمان والمواجهة الرئاسية بين السبسي والمرزوقي في الدور الثاني. ما أود الحديث عنه هو مشاهدات هنا وهناك للبلد الذي قال عنه شاعرنا محمود درويش "كيف نشفى من حب تونس".
هذا البلد يحبنا ويعشقنا أكثر ما نحب أنفسنا، في اللحظة التي أقوم بتعريف ذاتي لمن يجب أن أتعامل معهم خلال عملية الانتخابات، تختلف طريقة التعامل كلياً معي لا يتم النظر لي كمراقب دولي وإنما مراقب من البلد التي يعشقونها بذات القدر لعشيقتهم تونس. فجعلني السيد كمال الجماعي رئيس الهيئة الفرعية للانتخابات بولاية قابس أشاهد ما لم يشاهده مراقب آخر، من خلال هذه المشاهدات أدركت المعنى الفعلي للديمقراطية بين النظرية والتطبيق لأول مرة بتاريخ حياتي على الرغم من حصولي على شهادة الماجستير في الديمقراطية وحقوق الإنسان. فقد شاهدت كيف يحمي الجيش العملية الديمقراطية، فقد سمح لي أن أتابع عملية تسليم الصناديق بين الجيش والهيئة الفرعية للانتخابات، دون أن تمتد يد أي جندي الى صناديق الانتخابات، بل كان يحميها بكل قوة وإيمان، لن أخجل إن قلت لكم إن هذا المشهد أبكى عيني، هنا تم ترجمة ما أراده الشهيد محمد البوعزيزي بشكل يفتح أبواب المستقبل إذا ما تم إدارة البلد بما هو مطلوب منها بكل مسؤولية.
أرفع قبعتي وأنحني احتراماً للجيش والشرطة التونسية لما قاموا به من فعل حقيقي لدورهم الأساسي في حماية هذا اليوم خلال عملية تم تقسيمها الى مراحل: قبل، أثناء، بعد الانتخابات ثم مرحلة قبل، بعد، أثناء الفرز والتجميع. كان كل رجل أمن يعلم جيداً ما له وما عليه من مسؤوليات، ما جعله جزءاً أساسياً من الانتخابات كفعل ديمقراطي.
ما استغربته هو أن هذا الحدث التاريخي بانتخاب أول رئيس لتونس بشكل فعلي وديمقراطي ونتائجها غير معروفة مسبقاً، لم يرتق الى أهمية الحدث ذاته من حيث الإقبال على صناديق الاقتراع، وأيضاً رصدت غياباً واضحاً للشباب، ما جعل المعادلة: المسنون ينتخبون والشباب غائبون، فكنت أشاهد نساء تجاوزن السبعين عاماً يصطففن من أجل ممارسة حقهن بالتصويت، في حين كنت أشاهد الشباب وكأنهم في عالم ثانٍ، تكتظ المقاهي بهم، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنهم ذات الشباب الذين أشعلوا الثورة... هم ذاتهم الذين يعانون من البطالة. تحدثت مع عدد متنوع من الشباب لماذا لم يشاركوا في الانتخابات؟ كانت إجاباتهم متنوعة لكن تعبر عن حقيقة مرة!! "مانيش مقتنع"، "قطف زيتون وتمر أفضل لي من أي رئيس قادم"، "شنوة باش يغير رأيي في النتيجة"، "برشا ما يسمعونا برشا ما يفهمونا شنو يأثر صوتي".
بعد أن دهمني التعب يوم الانتخابات قررت أن أغادر قاعة التجميع في ولاية قابس الساعة الثانية صباحاً -يوم الاثنين- وأعود بعد استراحة نوم لن تتجاوز 5 ساعات. عدت إلى ذات القاعة وأنا أبحث عن قهوة، لأجد أستاذ رشيد وهو أحد المشرفين على قاعات الانتخابات الذين تعرفت عليهم أثناء زيارتي لمراكز "المدارس" الاقتراع المختلفة. قال لي مبتسماً تشرب قهوة تونسية بماء الورد. ومع فنجان القهوة قدم لي صورة حفيده الصغير المغترب في إحدى الدول الأوروبية الذي لم يتجاوز 6 شهور وهو ملفوف بالكوفية والعلم الفلسطيني ثم قال لي: تحياتي إلى كل الشعب الفلسطيني وأتمنى من كل قلبي النصر والتوفيق بإذن الله، حضنته وقلت له: تُحبوننا أكثر مما نحن نحب أنفسنا.