عاصر السيد الشهيد حسن نصر الله (64 عامًا)؛ الأمين العام لحزب الله اللبناني، تحولات عديدة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، لا سيما القضية الفلسطينية الني ناصرها دومًا، وعاش منذ نعومة أظفاره مع عائلات لبنانية وسورية وفلسطينية.
جمع حسن نصر الله بين طموحه في أن يكون رجل دين إلى جانب كونه شخصية سياسية صارت من الأكثر تأثيرًا في المنطقة طوال سنوات، وبدأ حياته من حوزات لبنان والعراق وإيران.
لقب بـ "سيد المقاومة"، نظرا للدور الذي قام به حزبه في تحرير جنوب لبنان عام 2000 من الاحتلال الإسرائيلي الذي استمر 22 عاما، ثم في مواجهة إسرائيل في حرب يوليو/ تموز 2006.
من البازورية إلى الضاحية الجنوبية..
ولد حسن عبد الكريم نصر الله (حسن نصر الله)، في 31 آب/ أغسطس 1960، في حي "شرشبوك" وعاش بين برج حمود وحي الكرنتينا الفقير في بيروت. ويعود أصله إلى بلدة البازورية، التي تقع في جنوب لبنان.
تزوج من فاطمة ياسين، وله منها خمسة أبناء هم: هادي وزينب ومحمد جواد ومحمد مهدي ومحمد علي.
قتل جيش الاحتلال نجله البكر "هادي" سنة 1997 في مواجهات في منطقة جبل الرفيع بجنوب لبنان، وبقي جثمانه محتجزا إلى أن تمت استعادته عام 1998 ضمن 40 جثة لشهداء لبنانيين وأسرى في عملية تبادل مع "إسرائيل".
انتقل والده "عبد الكريم" ووالدته "نهدية صفي الدين" من البازورية، وعمل والده في العاصمة اللبنانية "بيروت"، وحسن نصر الله كان الابن الأكبر سنًا من عائلة مكونة من 3 أشقاء و5 شقيقات.
تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة "الكفاح"، وتابع دراسته المتوسطة في مدرسة "الثانوية العامة" في منطقة سن الفيل ذات الأغلبية المسيحية. وتلقى تعليمه الديني في مراكز وحوزات شيعية في لبنان والعراق وإيران.
تشكلت معتقداته عندما شاهد "ما حدث في فلسطين، وفي الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، وفي الجولان، وفي سيناء".
وقال في مقابلة صحفية مع "واشنطن بوست" عام 2006: "لا نستطيع الاعتماد على دول جامعة الدول العربية، ولا على الأمم المتحدة، والطريقة الوحيدة المتاحة لنا هي حمل السلاح ومحاربة قوات الاحتلال".
الانضمام لـ "حركة أمل" والانشقاق عنها..
عاد إلى البازورية في عمر الـ 15 عامًا، مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، واستكمل دراسته فيها، كما انضم إلى حركة أمل، التي صار مندوبها في البلدة، قبل انتقاله إلى النجف بالعراق للدراسة في الحوزة العلمية فيها.
لم يمكث حسن نصر الله طويلًا في العراق، وعاد إلى لبنان بعد تضييق من النظام العراقي السابق على الحوزات الدينية، والتحق بحوزة دينية في بعلبك، كانت تتبع آية الله محمد باقر الصدر، وأسسها عباس الموسوي، كما درس دينيًا في مدينة قم (إيران) في وقت لاحق.
برز حسن نصر الله سريعًا في حركة أمل، وبعد مسؤولية حركة أمل في بلدة البازورية، وبعد عودته من الدراسة في العراق استأنف نشاطه السياسي والتنظيمي في الحركة، إذ عين سنة 1979 مسؤولًا سياسيًا لمنطقة البقاع وعضوًا في المكتب السياسي.
كان العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982، لحظة انشقاق لحسن نصر الله ومجموعة كبيرة من أعضاء حركة أمل، نتيجة خلافات سياسية داخل الحركة حول مواجهة الاجتياح الإسرائيلي، إذ كان موقف الحركة أكثر مهادنة تجاه "إسرائيل".
رفض نصر الله ومجموعات عدة، كانت متأثرة بشكلٍ أكبر في إيران أو الخميني، موقف حركة أمل، مما دفعه للانضمام إلى الخلايا الأولى لحزب الله، وفيها صار مسؤولًا عن منطقة البقاع، وكان مسؤولًا عن التجنيد وتأسيس الخلايا العسكرية.
الأمين العام لـ "حزب الله"..
تعرّف، في العراق، على عباس الموسوي، الأمين العام الثاني لحزب الله، والذي خلفه حسن نصر الله بعد اغتياله بإطلاق صاروخ من طيران الاحتلال الحربي على موكبه عام 1992.
تولى نصر الله، مهمة نائب مسؤول منطقة بيروت في حزب الله عام 1985، وسريعًا صار مسؤولًا للمدينة الهامة في تشكيل حزب الله، والتي يوجد فيها أحد أبرز معاقل الحزب؛ ضاحية بيروت الجنوبية.
كما تولى منصب المسؤول التنفيذي لحزب الله، الذي يُكلف في متابعة تنفيذ وتطبيق قرارات مجلس شورى حزب الله.
بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله عباس الموسوي، في قصف إسرائيلي، في شهر شباط/ فبراير 1992، انتخب مجلس شورى حزب الله، العضو الأصغر سنًا فيه، حسن نصر الله لقيادة الحزب.
وفي جنازة الموسوي قال نصر الله: "سنستمر في هذا الطريق.. حتى لو استشهدنا جميعًا، وهدمت بيوتنا فوق رؤوسنا، لن نتخلى عن خيار المقاومة الإسلامية".
معاركه ضد "إسرائيل"..
قاد نصر الله، حزب الله في أبرز معارك الحزب ضد "إسرائيل"، إذ كان أمينه العام في معارك نيسان/ أبريل 1996، وكانت جولة من الاشتباكات المتبادلة عبر الحدود، وانتهت في أول تفاهم بين "إسرائيل" وحزب الله.
يشار إلى أن جيش الاحتلال قتل نجل نصر الله هادي في 12 أيلول/ سبتمبر 1997، واحتجز جثمانه لمدة عامين.
ووقف نصر الله وراء استراتيجية حزب الله، باستهداف جيش الاحتلال وأعوانه داخل الشريط الأمني الإسرائيلي الذي كان في منطقة جنوب لبنان، والذي تكثف بشكلٍ كبير في أعوام التسعينيات، وانتهى بانسحاب "إسرائيل" من لبنان في أيار/ مايو 2000.
بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، وضع حسن نصر الله أولوية تبادل الأسرى على أجندة حزب الله، وفي عام 2004 كان له دور أساسي في عملية تبادل الأسرى.
قاد نصر الله تنفيذ قرار مجلس شورى حزب الله، بتنفيذ عملية أسر جنود من الجيش الإسرائيلي، من أجل استعادة الأسير سمير القنطار، الذي رفض الاحتلال إطلاق سراحه في الصفقة السابقة.
حرب تموز 2006..
كانت حرب تموز/ يوليو 2006 من أبرز اللحظات في حياة حسن نصر الله، إذ كانت في وقتها الحرب الأطول في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، وارتفعت شعبية نصر الله عربيًا.
صمدت المقاومة اللبنانية في وجه جيش الاحتلال، وفشل أهداف العدوان على لبنان، خاصةً مع نهاية الحرب دون اغتيال حسن نصر الله، وتمسك حزبه بالأسرى، إذ تمكن من تنفيذ صفقة تبادل للأسرى في عام الـ 2008.
الدخول للحياة السياسية في لبنان..
بعد 10 أعوام من تأسيس حزب الله، وتحديدًا في عام 1992، انخرط الحزب سياسيًا في لبنان للمرة الأولى، كان هذه القرار الأول لحسن نصر الله كأمين عام.
شارك حزب الله في انتخابات مجلس النواب، وكانت مدخلًا للمنافسة السياسية في لبنان، إذ تحول في مسار تدريجي إلى أبرز قوة سياسية في لبنان، وحصل على أكبر عدد من الأصوات في تاريخ لبنان الحديث خلال الانتخابات عام 2018.
"طوفان الأقصى".. المعركة الأخيرة
في 8 تشرين أول/ أكتوبر 2023، انخرط حزب الله في مواجهة جيش الاحتلال، بعد عملية 7 أكتوبر في غلاف غزة، إذ بدأ حزب الله في استهداف المواقع العسكرية الإسرائيلية، مما أدى إلى إخلاء 60 ألف مستوطنة إسرائيلي من منازلهم على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة.
وفي خطابه الأول بهذه المعركة، يوم 2 تشرين ثاني/ نوفمبر 2023، ثبّت نصر الله المواجهة ضمن قواعد الاشتباك القائمة، إذ أكد مرات عديدة على كون جبهة لبنان هي "جبهة إسناد لقطاع غزة".
وأشار إلى أن قرار التفاوض وتوقف الحرب، يرتبط بوقفها على قطاع غزة، وعلى مدار الحرب كان نصر الله حاضرًا في اغتيال قيادات عدة من حزب الله.
حسن نصر الله شهيدًا..
في 27 سبتمبر/ أيلول 2024 قال جيش الاحتلال إنه قصف ما سماه المقر المركزي لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، مؤكدًا أن الغارة كان هدفها اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وأكد في اليوم الموالي أن عملية الاغتيال نجحت.
وأعلن حزب الله يوم 28 سبتمبر/ أيلول 2024 عن استشهاد حسن نصر الله في الغارة التي استهدفته. وتعهدت قيادة الحزب في بيان لها بـ "مواصلة جهادها في مواجهة العدو وإسنادا لغزة وفلسطين ودفاعا عن لبنان".