لطالما روّجت وسائل إعلام إسرائيلية فرضية أنّ يكون رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" يحيى السنوار مختبئًا داخل أحد أنفاق المقاومة تحت الأرض محاطًا بأسرى الاحتلال؛ لكّن اللحظات الأخيرة لهذا الرجل كانت على النقيض تمامًا "مشتبك من مسافة صفر" في منطقة عمليات عسكرية خطيرة.
هذه النهاية التي وصفها فلسطينيون وعرب بأنها "مشرّفة وتليق ببطولة الرجل" الذي توعد الاحتلال مرارًا بمقاومة متصاعدة إلى أنّ يُدحر عن أرض فلسطين مهزومًا، أجمع خبيران عسكريان أنها "صفعة أمنية مدوية" لدولة الاحتلال بعد أشهر طويلة من الخداع الاستراتيجي الذي مارسه الراحل ضدها.
وأكدا أنّه بالرغم من حجم "الخسارة المؤلم" الذي مُنيت به المقاومة الفلسطينية لغياب رجلٍ كان يقول بكل جرأة وشجاعة لا في وجه الاحتلال، رافضًا التنازل عن ثوابت وحقوق الفلسطينيين، إلا أنّ فشلهم بالوصول إليه بعد عامٍ من تسخير كل الإمكانات الأمنية والاستخبارية بالتعاون من أنظمة غريبة، يعني فشلًا ذريعًا لـ "إسرائيل".
وقال الباحث في الشؤون العسكرية العميد اللبناني المتقاعد أكرم سريوي، إنّ القائد يحيى السنوار ترجم أهم قاعدة أمنية عسكرية تتمثل في أن الحصن الأمين يكمن بالقرب من العدو في التحام مباشر بالتصدي لعدوانه.
ووفق ما وثقته الصور التي نشرها جيش الاحتلال في أعقاب إعلان ارتقائه، فإن السنوار كان يرتدي سترة عسكرية وبحوزته سلاح وقنابل، واشتبك مع جنود الاحتلال حتى آخر لحظات حياته، حيث بدا عليه آثار غبار المعركة، وهو ما أكدته مصادر عسكرية إسرائيلية.
وأوضح سريوي في حديثٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" أنّ السنوار مارس خداعًا استراتيجيًا لمدة عامٍ كامل، أوهم خلاله المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والأمنية بوجوده في أعماق الأرض، بينما الواقع أنه بين مقاتليه يقاوم عدوّه بكل بسالة.
ورأى أنّ اشتراك السنوار في الإدارة الميدانية للعمليات القتالية لفصائل المقاومة، مثّل صفعةً أخرى للقوات التي غاصت في وحل غزة، كما أنّ ذلك يُثبت بطولة القائد في متابعة ميدانية ومباشرة لخطط التشكيلات العسكرية ويلتحم في صفوفهم.
ما فعله القائد يحيى السنوار _من وجهة نظر الباحث العسكري_ يُمثل "مدرسة أمنية وهو صاحب أول جهاز أمني داخل حركته عُرف باسم مجد، وكانت مهمته كشف العملاء وملاحقتهم وتتبع أجهزة أمن الاحتلال وجنوده".
"درس عملياتي عظيم"
من جانبه رأى الخبير بالشأن العسكري اللواء المتقاعد واصف عريقات، أنّ استشهاد السنوار ملتحمًا في الصفوف القتالية المتقدمة في رفح الخالية من السكان منذ 6 شهور، بمثابة درس عملياتي للقيادة السياسية التي تتابع مجريات المعركة، ونموذج عظيم لهزيمة الاحتلال الذي تختبئ قيادته خلف الجنود والمدرعات.
وقال عريقات في حديثٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" إنّ السنوار وهو قائد عملية "طوفان الأقصى" يُثبت بهذه النهاية أنّه لم يترك جنده لإدارة المعركة من بعيد، بل انخرط من الناحية العملية في متابعة الخطط المعدة للمقاومين ومسارها.
وشدد أنّ هذه النهاية لا تُمثل صفعة لـ "إسرائيل" فحسب بل لمخابرات عدة أنظمة غربية شاركت في عمليات البحث عنه وترصد حركاته طوال عام من الحرب، كما تنسف مزاعم الاحتلال التي رددها طيلة الأشهر الماضية حول وجود السنوار تحت الأرض محاطًا بالأسرى الإسرائيليين.
وكان يُردد الاحتلال هذه المزاعم في إطار الترويج لفكرة أنّ السنوار هو المتحكم الوحيد بملف الأسرى وهو من يعيق إتمام الصفقة مع "إسرائيل"، وأنّه يريد حماية نفسه من غدر عدوه، لكن جاءت النهاية لتُثبت عكس هذه السردية الكاذبة، وفق عريقات.
وهذا ما أكدته حركة "حماس" في نعيها لرئيس مكتبها السياسي اليوم الجمعة، حيث قال القيادي البارز فيها خليل الحية إنّ السنوار كان ينتقل بين المواقع القتالية طوال سنة من الحرب ويلهم الجميع بروح الصبر والمقاومة.
وجدد الحية في كلمته المتلفزة، الموقف الذي تمسك به السنوار في أنّ الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة لن يعودوا إلا بوقف العدوان على الشعب الفلسطيني، والانسحاب الكامل من غزة مع خروج الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال.
ويُشار إلى أن "حماس" اختارت السنوار المكنى "أبو إبراهيم" رئيسًا لمكتبها السياسي في 6 أغسطس/ آب المنصرم، خلفًا لإسماعيل هنية الذي اغتُيل في العاصمة الإيرانية طهران في 31 تموز/ يوليو الفائت.
ويعتبر الاحتلال الشهيد القائد يحيى السنوار العقل المدبر لعملية "طوفان الأقصى" النوعية التي انطلقت شرارتها فجر السابع من أكتوبر، التي كبدتها خسائر بشرية وعسكرية وهزت صورة أجهزتها الاستخباراتية والأمنية أمام العالم.