الرئيسية / الأخبار / عناوين محلية
كيف تحولت "سترات" الصحافة في غزة إلى أهداف للجيش الإسرائيلي ؟
تاريخ النشر: أمس الساعة 06:34
كيف تحولت "سترات" الصحافة في غزة إلى أهداف للجيش الإسرائيلي ؟
كيف تحولت "سترات" الصحافة في غزة إلى أهداف للجيش الإسرائيلي ؟

كتبت رند عصايرة

في قلب غزة، حيث الصمت يخفي خلفه الكثير، وتحديدًا كل صباح كان الصحفي أنس الشريف يتحرك بين الأنقاض، عازمًا على أن يروي القصص التي لا تُسمع في أرجاء العالم. ليس هناك مجال للانتظار أو التراجع؛ فالوقت هنا يمر ببطء، بينما الألم يتسارع. أنس ، الذي اعتاد على رؤية الواقع بوضوح عبر عدسة كاميرته، يشعر بثقل اللحظة، لكنه يدرك أن مهمته أكبر من مجرد تغطية الأحداث.
برز اسم الشريف منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة ، كصحفي مثابر يلاحق القصف الإسرائيلي جواً وبراً وبحراً. لم يلتق الصحفي الشاب أنس الشريف بطفلته الصغيرة وزوجته الحامل سوى مرتين منذُ بداية العدوان وعلى نحو سريع، لانشغاله على مدار اللحظة بتغطية تطورات العدوان في مناطق شمال القطاع. يعيش الشريف (27 عاما) قلقا مركّبا على نفسه وأسرته، ويقول : "الاحتلال يشن حربا شرسة لا حصانة فيها لأحد، والصحفيون وعائلاتهم باتوا جزءا من ضحايا هذه الحرب، فاستشهدوا وجرحوا في غارات جوية استهدفتهم في الميدان وداخل منازلهم".

شهد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تصاعدًا في استهداف الصحفيين الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث يتعرض الصحفيون في القطاع لهجمات متواصلة تستهدفهم بشكل مباشر وتطال منازلهم وعائلاتهم ومقرات مؤسساتهم الإعلامية، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 157 صحفيًا وصحفية منذ بدء العدوان.

في مقابلة صحفية أجريتها مع الصحفية وصانعة الأفلام "بيسان عودة " تقول في لهجة يشوبها الأسى: لقد فقدت الأمل بالنجاة بشكل كامل، الوجوه أصبحت شاحبة والأمل انقطع، أدينا الأمانة تجاه وطننا وسنبقى لآخر نَفَس ننقل لكم الصورة..".
بيسان تجري أيضا مقابلات مع أطفال ونساء وتشارك قصصا إنسانية لجميع أطياف المجتمع الغزي. وفي بعض منشوراتها، تكون دموعها حاضرة إذ تتحدث عن فقدان الآمال والأحلام و"كل شيء عملت من أجله".

وتظهر منشورات بيسان الأخيرة علامات الإرهاق على وجهها، إذ تقول إنها نزحت إلى جنوبي غزة كما طالبهم الجيش الإسرائيلي، لكنها الآن تسأل "من المفروض أن تكون هذه منطقة آمنة، إلى أين نذهب؟ هل أُخبر العالم بأسره أنكم تدفعوننا خارج غزة لكي تحتلوها؟ أخبرنا أيها الجيش الإسرائيلي أين نذهب؟"

ويقول الصحفي الفلسطيني في غزة، أنس الشريف، في مقابلة صحفية سابقة له ، إن "الحياة هنا أصبحت ضنكا وكربا لا يمكن وصفه، في صيدليات شمال غزة المحاصر، البروفين مفقود والرفوف فارغة، ولا غذاء ولا دواء".

ويضيف الشريف، أن "الوضع في شمال غزة لا يُحتمل. لا يوجد صابون، ولا شامبو، ولا منظفات من أي نوع، وحتى الملابس أصبحت غير متوفرة، منذ شهور طويلة لم نذق طعم الدجاج أو اللحوم، أما الأسماك فأصبحت بأسعار خيالية بسبب ارتفاع سعر السولار، الذي يتجاوز الـ35 دولارًا للتر الواحد".

وبما أن إسرائيل تمنع وسائل الإعلام الأجنبية من دخول غزة، فإن مهمة توثيق الحرب على الأرض تقع على عاتق الصحفيين الفلسطينيين في القطاع، حيث واصل العديد منهم العمل على الرغم من المخاطر الجسيمة التي تهدد سلامتهم.

اتهامات باطلة


من جهته، ينفى الجيش الإسرائيلي "الاتهامات الباطلة التي تفيد بأنه يستهدف الصحفيين".
ويقول: إنه "لا يتعمد إيذاء الصحفيين الذين ربما أُصيبوا أثناء غارات جوية أو عمليات تطال أهدافا عسكرية".
كذلك، يؤكد الجيش الإسرائيلي أن "معظم الحالات المذكورة (لصحفيين قُتلوا) هي لنشطاء قُتلوا أثناء الأنشطة العسكرية ولكن تم تسجيلهم كصحفيين".

نحنُ ضحايا على الهواءِ مباشرةً"، كلماتٌ قالها الصحفيُّ سلمان بشير بعد أن أَلقَى درعَ الصحافة، أي سُترَتَه الصحفيةَ، وهو ينقلُ نبأَ مقتلِ زميلِه في تلفزيون فلسطين، محمد أبو حطب، بغارةٍ إسرائيليةٍ على منزله في خانيونس مطلعَ نوفمبر 2023. وكتبَ الصحفيُ رشدي السراج على صفحته في الفيسبوك "لن نَرحلَ … وسنَخرجُ من غزة إلى السماءِ وإلى السماءِ فقط" قبلَ مقتله بغارةٍ إسرائيليةٍ على منزله في تل الهوى غربَ غزة، أواخر أكتوبر 2023، لينضمّ إلى قائمةٍ طويلةٍ من الضحايا الصحفيين.

القيود على حرية الصحافة:
في ظل هذا الوضع المتأزم، تواجه الصحافة في غزة قيودًا على حرية التعبير. هناك تحديات في الوصول إلى المعلومات أو الحصول على التصاريح اللازمة لتغطية الأحداث. بالإضافة إلى ذلك، فإن التهديدات بالاعتقال أو المضايقات من قبل الفصائل المختلفة تمثل عائقًا آخر أمام ممارسة الصحافة بحرية.

الإعلام والصحافة في غزة يمثلان حجر الزاوية في نقل صوت المظلومين ومعاناتهم إلى العالم. ورغم كل التحديات التي يواجهونها، يظل الصحفيون والإعلاميون في غزة ملتزمين برسالتهم السامية، يعملون في ظروف استثنائية لنقل الحقيقة وتوثيق الأحداث. الإعلام في غزة ليس مجرد مهنة، بل هو رسالة وصمود وأمل لمستقبل أفضل.
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017