الرئيسية / مقالات
النسوية الانتقائية: المرأة الفلسطينية خارج دائرة الضوء
تاريخ النشر: اليوم الساعة 14:12
النسوية الانتقائية: المرأة الفلسطينية خارج دائرة الضوء
النسوية الانتقائية: المرأة الفلسطينية خارج دائرة الضوء

بقلم: ديما ياسين
منذ بداية العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة في السابع من أكتوبر عام 2023، تعرضت النساء الفلسطينيات لشتى أنواع الانتهاكات، مثل الاعتقالات التعسفية والقتل والحصار، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والموارد الطبية وحرمانهن من أبسط الحقوق، كالتعليم والصحة والعمل. ولكن يبقى السؤال المطروح: في ظل هذه الأحداث الراهنة، أين اختفت الحركات النسوية العالمية التي تنادي بحقوق المرأة وتدافع عن كيانها؟
متأثرة بأفكار عصر التنوير، وظهرت الحركة النسوية للمطالبة بالمساواة بين الجنسين في الحقوق والفرص، بدأت هذه الحركة بشكل منظم في أوروبا وأمريكا الشمالية في أواخر القرن الثامن عشر، وهدفت في بداياتها إلى تحقيق الحقوق الأساسية للنساء، مثل التعليم، وحق التصويت، والملكية، وحقوق الإنجاب، والمساواة في العمل. ولكن سرعان ما تحولت بعض تياراتها إلى التطرف، مما أدى إلى تهميش قضايا أخرى مهمة كالفقر والظلم الاجتماعي، والتركيز المفرط على قضايا يُمكن وصفها بالهامشية.
وعلى عكس المتوقع، جاء تأثير النسوية سلبيًا على جُلً نساء العالم، حيث تصادمت مع العديد من الثقافات والعادات السائدة في المجتمعات، لا سيما في العالم العربي، وقد خلقت الحركة صراعًا بين النساء والثقافات التقليدية، مما أدى إلى عزوف بعض النساء عن الانخراط في المجتمع أو قبول الدعم المتوفر. كما أن خطاب النسوية المتكرر حول التمييز والاضطهاد عزز شعور النساء بأنهن في حالة دائمة من الظلم، مما أضعف ثقتهن بأنفسهن وقدرتهن على التغيير الإيجابي، إضافة إلى ذلك، ركزت النسوية على الفردية بشكل مفرط، مما دفع بعض النساء إلى الاعتقاد بأن الاعتماد على الآخرين ضعف، وهو ما أدى إلى تجاهل العمل الجماعي والدعم المتبادل. هذا التحول أثّر على نظرة النساء للأمومة والزواج، مما دفع البعض إلى النفور منهما، ظنًا بأنهما يقيدان حريتهن، فخلق ذلك فجوة عاطفية ونفسية يصعب معالجتها.
في المقابل، وعلى عكس الانطباعات السائدة، قدم الإسلام للمرأة حقوقًا واسعة منذ أكثر من 1400 عام، ومنحها مكانة عظيمة وكرمها في جميع مراحل حياتها، سواء كانت ابنة، أو زوجة، أو أمًا، أو عضوًا فاعلًا في المجتمع، على سبيل المثال، أعطاها حق الميراث، وهو حق لم يكن متوفرًا في معظم الثقافات والديانات. يقول الله تعالى في سورة النساء: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ۝٧﴾، كما شرّع الإسلام للمرأة حقوقها في كافة المجالات، سواء في العمل أو التجارة أو الاحتفاظ بمالها الخاص. ينظر الإسلام إلى المرأة من منظور تكاملي، حيث تقوم العلاقة بين الجنسين على التعاون والتكامل، وليس على التنافس كما هو الحال في بعض تيارات الحركة النسوية
وعلى الرغم من الشعارات البراقة التي ترفعها الحركات النسوية العالمية حول حقوق المرأة والمساواة، يظهر تناقض واضح وازدواجية في معاييرها، خاصة في تعاملها مع قضية المرأة الفلسطينية، لم تقدم الحركة دعمًا ملموسًا لنساء غزة وأسيرات فلسطين، اللواتي يعانين من بطش الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات، تعيش النساء الفلسطينيات تحت حصار خانق وظروف معيشية قاسية، دون أن يحظين بالاهتمام الكافي من الحركات النسوية العالمية، لا سيما في الفترة الأخيرة، أما الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، فيتعرضن لانتهاكات جسدية ونفسية دون أن تتخذ هذه الحركات موقفًا قويًا لدعمهن.
وهنا يظهر أن النسوية العالمية تركز غالبًا على قضايا تعكس أجندات سياسية معينة، وتتجاهل القضايا التي تتعارض مع مصالح الدول الداعمة لها، فهي تتجنب اتخاذ مواقف علنية تجاه الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته، مما يُنظر إليه كإفلاس أخلاقي، فلا يمكن فصل قضايا النساء الفلسطينيات عن الاحتلال الصهيوني الذي يمثل العامل الرئيسي في انتهاك حقوقهن، وبدلًا من الدفاع عن قضية المرأة الفلسطينية، تميل النسوية إلى تصويرهن كضحايا عاجزات، دون الاعتراف بدورهن الفاعل في مقاومة الاحتلال والمشاركة في بناء مجتمعهن. هذا التوجه الاستشراقي يعزز الصورة النمطية السلبية ويُغفل تعقيدات واقع المرأة الفلسطينية.
وبينما قدمت الحركة النسوية في بعض جوانبها دعمًا مهمًا للمرأة، فإنها أغفلت قضايا النساء المهمشات، خصوصًا في غزة وفلسطين، من جهة أخرى، نجد أن الإسلام قدم إطارًا شاملاً يضمن حقوق المرأة، مع الاعتراف بدورها في بناء المجتمع، دون إغفال واقعها الاجتماعي والثقافي، وهنا يبقى الأهم هو إيجاد توازن يدعم حقوق كافة النساء عالميًا، مع مراعاة خصوصياتهن الثقافية وظروفهن الخاصة. 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017