الرئيسية / مقالات
النضال المستمر للعمال والعاملات في فلسطين: دعوة للتضامن والعمل
تاريخ النشر: أمس الساعة 16:33
النضال المستمر للعمال والعاملات في فلسطين: دعوة للتضامن والعمل
النضال المستمر للعمال والعاملات في فلسطين: دعوة للتضامن والعمل

بقلم: عائشة حموضة، ناشطة نقابية

في خضم الأزمات المتتالية التي تعصف بمنطقتنا، يجد العمال والعاملات في فلسطين أنفسهم يواجهون تحديات غير مسبوقة تهدد ليس فقط سبل عيشهم، بل وجودهم الإنساني بشكل كامل. إن الوضع الراهن الذي نعيشه اليوم يمثل منعطفاً خطيراً في تاريخ نضالنا العمالي المستمر، ويتطلب منا وقفة جادة للتفكير والعمل.

واقع مرير للطبقة العاملة الفلسطينية

تعاني الطبقة العاملة الفلسطينية اليوم من تداعيات مركبة ومعقدة. فمع تدمير القطاعات الإنتاجية وإغلاق المصانع والمؤسسات، فقد الآلاف من العمال والعاملات مصادر رزقهم، وأصبحوا يعيشون تحت وطأة البطالة التي تجاوزت نسبتها 45% في بعض المناطق. وإلى جانب ذلك، يعاني العمال من تفاقم الفقر والتهميش الاقتصادي، وانعدام الأمن الغذائي لدى قطاعات واسعة من العائلات.

التقييد المستمر للحركة والتنقل عبر الحواجز المتعددة يمنع آلاف العمال من الوصول إلى أماكن عملهم، مما يزيد من معاناتهم الاقتصادية ويفاقم من استنزاف قدراتهم. وفي ظل استمرار انتهاكات حقوق العمال وغياب الحماية القانونية والاجتماعية، تزداد الظروف سوءًا، خاصة للفئات الأكثر هشاشة كالعاملات اللواتي يتعرضن لتمييز مضاعف.

المجاعة في غزة وانعكاساتها على الضفة الغربية

لقد ألقت المجاعة الحادة التي تعصف بقطاع غزة بظلالها الثقيلة على الوضع الاقتصادي والإنساني في الضفة الغربية بشكل لا يمكن تجاهله. فقد شهدنا انهياراً شبه كامل للدورة الاقتصادية المرتبطة بالتبادل التجاري بين غزة والضفة، مما أفقد آلاف العمال مصادر رزقهم وأدخلهم في دوامة من العوز والحاجة.

كما أدت موجات النزوح الداخلي إلى ضغوط هائلة على سوق العمل في الضفة الغربية هذا الوضع أدى بدوره إلى استنزاف الموارد المحدودة أصلاً لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، مما أثر سلباً على فرص العمل والتنمية في المنطقة بأكملها.

تحول جزء كبير من الإنتاج والخدمات في الضفة الغربية نحو الاستجابة الإنسانية الطارئة لأزمة غزة، وهو ما خلق اقتصاداً غير مستقر يعتمد بشكل متزايد على المساعدات، بدلاً من الإنتاج الحقيقي المولد لفرص العمل. ولعل الأخطر من ذلك هو الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية والغذاء نتيجة لتقطع سلاسل التوريد والإمداد، مما أضعف بشكل كبير القدرة الشرائية للعمال وعائلاتهم.

ولا يمكن إغفال الأزمة النفسية والاجتماعية المتفاقمة، حيث تزايدت حالات الصدمة والقلق بين العمال، مما أثر على إنتاجيتهم وقدرتهم على الاستمرار في العمل، وأضاف عبئاً جديداً إلى أعبائهم المتعددة.

وضع العاملات: اضطهاد مضاعف

تواجه المرأة العاملة في فلسطين تحديات مضاعفة، تجعل من نضالها أكثر شراسة وأكثر إلحاحاً. فبالإضافة إلى المعاناة المشتركة مع جميع العمال، تعاني النساء من انخفاض ملحوظ في الأجور مقارنة بالرجال للعمل نفسه، وضعف فرص الوصول إلى المناصب القيادية والإدارية، والاستغلال المتزايد في قطاعات العمل غير المنظم.

إن صعوبة التوفيق بين مسؤوليات العمل والمسؤوليات الأسرية في ظل غياب المساندة المجتمعية، واستمرار العنف والتحرش في أماكن العمل، واستهداف الناشطات النقابيات، كلها عوامل تزيد من معاناة المرأة العاملة وتعمق من اضطهادها المضاعف.

دعوة للعمل الفوري

إن هذا الوضع الخطير يتطلب تدخلاً فورياً وفعالاً على عدة مستويات، ولا يمكن الانتظار أكثر أمام هذا التدهور المتسارع في أوضاع العمال والعاملات.

على المستوى المحلي، يجب توحيد الحركة النقابية ودعم هياكل التضامن العمالي لمواجهة التحديات الراهنة بشكل جماعي ومتضامن. كما يتوجب علينا تطوير آليات دعم وحماية للعمال المتضررين، خاصة الفئات الأكثر هشاشة كالعاملات والشباب، من خلال برامج مستدامة وفعالة.

إنشاء صناديق طوارئ نقابية لتوفير الدعم المادي للعمال الذين فقدوا مصادر دخلهم أصبح ضرورة ملحة، إلى جانب تعزيز برامج التدريب وإعادة التأهيل للعمال لمواكبة المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة.

لمواجهة أزمة الغذاء المتفاقمة، نحتاج إلى إنشاء شبكات دعم غذائي عاجل تربط بين المزارعين في الضفة والعائلات المتضررة، للتخفيف من حدة الجوع وتوفير الاحتياجات الأساسية للعمال وعائلاتهم. ولا يمكن تحقيق ذلك دون تنسيق الجهود الإغاثية بين الضفة وغزة لضمان وصول المساعدات للعمال الأكثر تضرراً، وتوزيعها بشكل عادل وفعال.

وعلى المستوى الدولي، نوجه دعوة صادقة للمنظمات العمالية الدولية للتضامن الفعال مع العمال الفلسطينيين، ليس بالبيانات والتصريحات فقط، بل بالإجراءات العملية والدعم المادي والمعنوي. كما نطالب المجتمع الدولي بتوفير الحماية للعمال وفرض احترام حقوقهم الأساسية، وفق المواثيق والاتفاقيات الدولية.

من الضروري توثيق كافة الانتهاكات التي يتعرض لها العمال والعاملات، وتقديمها للهيئات الدولية المختصة، مع تعزيز حملات المقاطعة الاقتصادية التي تستهدف الشركات المتورطة في انتهاك حقوق العمال، لفضح تلك الممارسات والضغط من أجل وقفها.

إننا ندعو بإلحاح إلى الضغط الدولي من أجل فتح الممرات الإنسانية لإدخال الغذاء والدواء لمعالجة المجاعة في غزة، ونطالب بتشكيل لجنة دولية لتقييم الأوضاع المعيشية للعمال وتقديم الدعم المباشر لهم.

رؤية مستقبلية

إن نضالنا ليس فقط من أجل تحسين ظروف العمل، بل هو جزء من نضال شامل من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ونحن نتطلع إلى بناء اقتصاد فلسطيني مستقل ومستدام، يحقق الاكتفاء الذاتي ويوفر فرص عمل لائقة للجميع، ويحمي حقوق العمال ويصون كرامتهم.

تعزيز التضامن العمالي هو أساس للتضامن المجتمعي وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في وجه التحديات المتعددة. ولذلك نسعى إلى تطوير نموذج تنموي يركز على العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، ويضمن توزيعاً عادلاً للثروة والفرص.

علينا ان نسعى كذلك إلى بناء نظام تكافل اجتماعي حقيقي بين غزة والضفة يضمن توزيعاً عادلاً للموارد والفرص، ويعزز من وحدة النسيج الاجتماعي والاقتصادي الفلسطيني، في مواجهة كل محاولات التقسيم والتفتيت.

إن العمال والعاملات في فلسطين لا يطالبون بالمستحيل، بل بحقوقهم الأساسية كبشر: الحق في العمل الكريم، والحق في الأمن والاستقرار، والحق في الحياة بكرامة.

وختاماً، أدعو جميع القوى المؤمنة بالعدالة والسلام للانضمام إلى نضالنا المشترك، فقضية العمال الفلسطينيين هي قضية العدالة الإنسانية في كل مكان. إن الصمت في وجه الظلم هو انحياز للظالم، والوقت قد حان للوقوف معاً في وجه كل أشكال الظلم والاستغلال.

لا يمكن للعدالة أن تنتظر، والوقت للعمل هو الآن.

عائشة حموضة
ناشطة نقابية فلسطينية 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017