الرئيسية / الأخبار / فلسطين
"دموع على بوابات العبور"
تاريخ النشر: منذ 5 ساعات
"دموع على بوابات العبور"
"دموع على بوابات العبور"

كتبت رند عصايرة

يتفنن الاحتلال الإسرائيلي في ابتكار أساليب إذلال الفلسطينيين، ممارسًا أبشع أشكال القهر والإرهاب بحقهم. ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بلغت المعاناة ذروتها؛ إذ فرض حصارًا خانقًا على مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها، وأحاطها بطوق من الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش، وأغلق مداخلها ببوابات حديدية ضخمة، زرعت مكان الأشجار ومظاهر الحياة. تحوّلت الطرقات إلى فخاخ انتظار وموت، وحُرم الأهالي من أبسط حقوقهم في التنقل، فسقط شهداء وهم يحاولون عبور هذا الطرق للوصول إلى أعمالهم، أو إلى المستشفيات، أو حتى إلى وجهات حياتية.وتشير المصادر الفلسطينية والميدانية منذ مطلع العام الحالي ، إلى وجود ما يقارب 898 حاجزًا، تشمل الحواجز الثابتة والمؤقتة، والبوابات الحديدية، ونقاط التفتيش، التي يتم توثيقها بشكل مستمر، مما جعل الضفة الغربية أشبه بجزر معزولة .
تتشبث أم سامي، وهي امرأة ستينية من إحدى قرى شمال الضفة الغربية ، بعصاها الخشبية، تجر قدميها المتعبتين تحت ظلال شمس تموز الحارقة. تقف منذ أكثر من ساعتين على حاجز بيت فوريك في انتظار السماح لها بالعبور. لا دواء في الحقيبة سوى حبوب الضغط والسكر، ولا همّ في قلبها إلا الوصول إلى المستشفى قبل أن تغلق أبوابه.

هذه الحواجز، تدفع النساء الفلسطينيات ثمنًا مضاعفًا للقيود العسكرية، تتكدس الأجساد في طوابير طويلة، تقول أم سامي :أخرج من بيتي قبل الفجر لألحق موعد المستشفى، لكن الحاجز يبتلع ساعاتي… أصل مرهقة قبل أن يبدأ الفحص.”
تلك المشاهد اليومية، التي تتكرر أمام المئات من النساء، تحوّل التنقل إلى اختبار صبر وقوة، وتترك أثرًا نفسيًا وجسديًا عميقًا يضاف إلى جراح شعب يرزح تحت الاحتلال.
حواجز وبوابات مدينة نابلس
منذ ساعات صباح يوم الأحد 9 أغسطس 2025، شددت قوات الاحتلال الإسرائيلي إجراءاتها العسكرية على جميع الحواجز والنقاط العسكرية،المحيطة في مدينة نابلس، وبالتزامن مع إغلاق بعضها بشكل متكرر، بالإضافة إلى إغلاق عدد من البوابات الحديدية المقامة على مداخل البلدات والقرى والاحياء المحيطة في المدينة. أدى ذلك إلى تفاقم الأزمات المرورية، وزيادة معاناة عشرات آلاف المواطنين من سكان هذه القرى ، الذين يواجهون صعوبةً بالغة في التوجه لأعمالهم ومراكز تعليمهم، ما أدى إلى تقيد حركتهم بشكل كبير..
وفي هذا السياق، شهد حاجز المربعة العسكري، إغلاقات متكررة منذ ساعات صباح يوم الأحد وحتى إعداد هذا التقرير، بالتزامن مع تشديد الإجراءات العسكرية على حاجز عورتا العسكري المجاور له. كما نصبت قوات الاحتلال بوابة حديدية جديدة على الطريق الترابية المحاذية لحاجز المربعة، ما أدى إلى تفاقم الأزمات المرورية الموجودة أصلا.
وأفادت المواطنة أثير ياسين ، التي تعمل مشرفة الصحة في مديرية نابلس ، حول معاناة تنقلها على حاجز المربعة ،تقول :
يبدأ يومي منذ الساعة الخامسة صباحًا، قبل أن يستيقظ أطفالي. أُحضّر لهم وجبة الفطور، ثم أغادر مسرعةً لألتحق بعملي. لكن الطريق ليست يسيرة، إذ يقف حاجز المربّعة عائقًا أمامي كل يوم.

كثيرًا ما أمكث عند الحاجز ساعة أو أكثر، فأصل متأخرة إلى عملي، وأعود في المساء منهكة، ولا يبقى لي من الوقت مع أطفالي إلا القليل. أشعر وكأنني أركض طوال النهار بين البيت والعمل، والزمن لا يمنحني فسحةً للحياة.

أقسى اللحظات حين أكون على موعد مع مهمة عاجلة أو متابعة ميدانية، فأجد نفسي عالقة أمام الحاجز، أراقب عقارب الساعة وهي تمضي، وأدرك أن دقائق عمري تُهدَر بلا جدوى. الإحساس بالقهر لا يأتي من التعب فحسب، بل من اليقين بأن وقتي وحقّي في الحركة تُنتزع قسرًا.
ولا أنسى تلك اللحظة عندما وصلت إلى بيتي في منتصف الليل ، أبحث وأفتش عن أطفالي الصغار داخل أروقة المنزل ، لأجدهم نائمين على فراشهم وهم منهمكين في إنتظار والدتهم العالقة على حواجز الاحتلال أن تأتي إليهم !
وفي مقابلة أخرى أجريتها مع عروب عصايرة التي تعمل ممرضة في مستشفى الأمل ، وتقول :
دوامي يبدأ الساعة الثامنة صباحاً ، أصل إلى المستشفى الساعة التاسعة بعد انتظار ساعتين على حاجز المربعة ، لا يوجد طريق بديل سوى الانتظار على الحاجز ، مع العلم أن المستشفى لا يبعد عن الحاجز سوى ١٥ دقيقة ، لأصل كُل يوماً متأخرة !


ويضيف المعلم صامد صالح : أُدرس اللغة العربية في مدرسة ترمسعيا للبنين ، أخرج من منزلي الساعة السادسة والنصف صباحاً ، لا أقف كثيراً على حاجز صرة ، لأنه في أغلب الأوقات يكون -بحرياً- ولكن هيهات أن يكون بحرياً اثناء العودة ، دوامي ينتهي الساعة الواحدة ظهراً وأصلُ بيتي الساعة الرابعة عصراً.!
كل تلك القصص ، وكل تلك الساعات المهدورة على الحواجز، دفعتني لتساؤل: إلى متى؟
إلى متى سيبقى الطبيب، والمعلم، والعامل، والموظف، والطالب، ينتظرون دورهم في طوابير العبور كي يصلوا إلى أماكن عملهم أو دراستهم؟

في كل يوم، وعلى تلك الحواجز التي لا تنتهي، يُهدَر وقتنا، وتُسرق منا لحظات حياتنا.
نتساءل: إلى متى سيبقى الطريق حاجزًا بين الإنسان وحقه في العمل والتعليم والحياة؟
إلى متى سنظل ننتظر دورنا، بينما تمر ساعاتنا، وأحلامنا، وأوقاتنا الثمينة دون عودة؟
وبكل تأكيد إن إنهاء هذا الظلم ليس خيارًا، بل ضرورة، ليعود لكل منا حقه في الحرية، والكرامة، والحياة الكريمة التي يستحقها..
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017