في تجربتي الأولى وزنزانتي الأولى كانت الثعالب الماكرة تلعب بكل خبث، هناك حيث مركز تحقيق الجلمة في الداخل المحتل، كانت العصافير(جواسيس الاحتلال) يتربصون بكل كلمة أقولها وبكل حركة أقوم بها، وبكل الوسائل يحاولون استجداء الكلام المهم والغير مهم لعلهم يجدون ضالة ما يبحثون عنها.
في خضم المعركة التي تدور بيني وبين هؤلاء الماكرين، والتي كانت أولاها في الزنزانة الأولى، حيث كان عصفور أهبل، بعد حديث قصير وتعارف بالطبع انتهى بأنه يعرف أحد ما من منطقتي ليعطيني الثقة، سألته منذ متى أنت هنا؟ أجاب: منذ أربعة أيام، جوابا كان صادما، أربعة أيام، حدثت نفسي، وذقنه يكاد يلمع من شفرة الحلاقة التي مرت عليه..كدت أموت ضحكا من كذبه، منذ متى تحرص قوات الإحتلال الإسرائيلي على أن يحلق الأسرى خلال فترة التحقيق ذقونهم...لقد كشف الأول، عصفور إذن.
قلت محدثا نفسي مرة أخرى يبدو أني سوف أواجه نسخ كثيرة تشبه هذه النسخة في هذا الغرف الصغيرة المدببة جدرانها والرطبة جنباتها، وفعلا حدث ذلك ولكن أكثر تلك النسخ المسخ كانت في الزنزانة 11والتي كان بطلها(أ.س) حسب إدعائه، شاب فارع الطول، عريض المنكبين، حنطي البشرة، تغطي ذقنه لحية قصيرة، ذلك الشاب حافظا لبعض السور من القرآن الكريم، كان يأم بنا في الصلاة، وبالطبع أيضا كان هو صاحب النصائح الدينية والأمنية التي تحذر من العصافير، حدثني وحدث الأسرى في الزنزانة التي كان يصل عدد الأسرى بها إلى أكثر من خمسة أحيانا، كان ينصت جيدا وكذلك أجهزة التنصت المزروعة في الزنزانة، ولكن المميز في هذا الحديث هو أنه عندما قلت هذه الجملة(ياجماعة بالكم العصافير ماعندهم إحساس، بالكم ما بشتاقوا لأهلهم ولأحبابهم وأماكن صباهم) من أجل إستجداء مشاعر هؤلاء من هم حولي، تنهد هو تنهيدة كبيرة ..أنا صمت والجميع صمت، نظرت إليه وضعت عيناي في عينيه لم يعرف إلي أين يدير وجهه، لقد كشف عصفور إذن.
ولكن الشك كان له مكان ولو صغير في عقلي وقلبي بددته الشبكة العنكبوتية بعد خروجي من السجن إذ تبين أن ذلك الذي كان بيننا في الزنزانة فعلا عصفور ولكن الاسم ليس له بل لأسير أعتقل في 2003م وحكم عشرة سنوات ويختلف كليا عن ذلك الذي كان يتلفع بالورع المصطنع لكي يحقق هدفه القذر.