في مثل هذه الأيام من كانون أول في العام 1987م اندلعت انتفاضة الشعب العربي الفلسطيني, لتكون بمثابة الرد العربي الثوري الشامل على الاحتلال الصهيوني وجملة ممارساته النازية والعنصرية, وسلسلة جرائمه الوحشية بحق الشعب الفلسطيني ,وكذلك رداً طبيعياً على العربدة الصهيونية الاستعمارية الفاشية التي طالت كل أرجاء الوطن العربي مستخدمة في ذلك نشوة السطوة والقوة ,وأسطورة جيشها الذي لا يقهر ,وكذلك تفوق أساطيلها الجوية والبحرية والبرية النوعي ليصل ذراعها الأخطبوطي ويطال عدوانها كل من لبنان وسوريا والعراق-المفاعل الذري- ومقرات منظمة التحرير في تونس وخطف الطائرات المقلعة من الجزائر..تلك العربدة التي أصابت أصحابها بجنون العظمة وقمة الغرور ودفعتهم لارتكاب المزيد من المجازر الوحشية بحق أبناء العروبة وفلسطين الأبرياء والعزل ودون حسيب أو رقيب من قبل قوى الاستكبار العالمي المنحازة أبداً لصالح الاحتلال والاستيطان.
لم تكن قط انتفاضة الشعب الفلسطيني في التاسع من كانون الأول محض صدفة أو وليدة اللحظة العفوية ,وإنما جاءت تتويجاً لعملية تراكم الوعي النضالي والثوري,وانفجاراً حتمياً لإرادة الشعب الحية والتي لا تقهر,وتعبيراً حقيقياً لشخصية الإنسان العربي الفلسطيني ومكنوناته الخلاقة وارثه الحضاري القومي ,وانتسابه لقوم الجبارين واّل البيت والخلفاء الراشدين,وإيمانه العميق بالله عز وجل وعدالة قضيته...تلك المقومات والعوامل التي أسهمت جميعاً في اندلاع انتفاضة الشعب المجيدة في وجه الغاصب الصهيوني المحتل ,وسجل فيها شعبنا أروع الملاحم البطولية في التاريخ الإنساني ..حيث تصدى الأطفال والشباب ومعهم الشيوخ والنساء وببسالة منقطعة النظير وبصدور عارية لدبابات ومجنزرات العدو بل وطائراته وسفنه الحربية التي استخدمت جميعاً في مواجهة شعب أعزل إلا من إرادته وحجارته التي قهرت اّلة الموت والعربدة الصهيونية ,ووضعت حداً نهائياً لأسطورة الجيش الذي لا يقهر أمام مشاهد جنوده المدججين بكافة أنواع الأسلحة الأمريكية الفتاكة وهم يفرون كالفئران من أمام أطفال وأشبال وزهرات فلسطين, وحقق فيها شباب فلسطين تقدماً غير مسبوق أبهر العرب والعالم ,حيث سيطر شباب الانتفاضة الباسلة على الأرض وأماكن تجمعات الشعب ,وأداروا بحنكة عالية شؤون الناس والعامة من خلال تشكيل كافة اللجان التي تعنى بأمور الشعب والمقاومة والقيادة الوطنية ,وانتشرت اللجان الشعبية ومعها القوى الضاربة ولجان الحراسة الليلية ولجان التموين والإغاثة والصحة واللجان السياسية والأمنية والسيادية في كافة المدن الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967م والتي أعلنت كمناطق محررة عصية على الاحتلال واّلياته والذي واجه أشد مقاومة منذ احتلاله فلسطين في العام 1948م.
وفي هذه الذكرى المجيدة ..ذكرى الانتفاضة المباركة التي بيضت وجوه العرب جميعاً,وأعادت إليهم الهيبة والوقار..نؤكد مجدداً للقاصي والداني أن لدى شعبنا مخزوناً هائلاً لا ينضب من العطاء والفداء والنضال ,وان هذا الشعب سيواصل زحفه الكفاحي حتى نيل كامل حقوقه ممثلة في السيادة الكاملة وغير المنقوصة وعلى كامل تراب وطنه ,وإقامة دولته الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف, وعودة كافة اللاجئين إلى ديارهم ومساكنهم التي هجروا منها عنوةً وقهراً.
وفي الختام نبرق تحياتنا لأرواح شهداء الانتفاضة المجيدة التي تحلق في سمائنا ولا تغادرنا حتى يتسنى لنا النصر أو اللحاق بدروبهم ونحن على القسم والعهد ثابتون وفي مسيرة الجهاد والنضال ماضون..ولا ننسى هنا تحية الجرحى المرابطون وأسرى الحرية الصامدين وأطفال الحجارة صناع الغد المشرق.
بقلم : ثائر حنني
بيت فوريك – فلسطين المحتلة
كانون الأول 14