الرئيسية / مقالات
في الذكرى السنوية الثانية والثلاثون على استشهاد القائد جاسر دويكات
تاريخ النشر: السبت 13/12/2014 08:45
في الذكرى السنوية الثانية والثلاثون على استشهاد القائد جاسر دويكات
في الذكرى السنوية الثانية والثلاثون على استشهاد القائد جاسر دويكات

 حينما يترجل الفارس معانق ثرى الوطن

وحدهم الثوار هم من يتقنون رسم النهايات بكامل البهاء والجمال، ووحدهم الشهداء والعظماء من يصنعون من شهادتهم املا وحياة وبداية درب للاجيال التي تليهم، وحدهم الشهداء دون غيرهم من العابرين الى درب الحياة الى الاخرة، يزيدون بهاءا وحضورا كلما مضت الايام، ونستحضر بطولاتهم كلما شعرنا بصعوبة الواقع وتحديات المرحلة، ونتذكرهم بتفتح ازهار اللوز، وسنابل الخير، وأزهار الربيع، يحمل لنا هواء البحر عطر نضالهم وسيرتهم الطيبة، فنشعر بوجودهم ملىء المكان على الرغم من مرور الايام، فتلك هي الشهادة لا تؤمن بقواعد الزمن، وكلمة المستحيل، وهكذا هم الشهداء يبدعون بحضورهم الجميل في كل تفاصيل حياتنا، وفي كل دروب نضالنا ، فلا غرابة إن خرجوا لنا من بسمة الاطفال، او ازهار اللوز والبرتقال، او إن فاجئونا بحضور جميل في رصاص المقاومين ، او ترنيمات الفلسطيني في عيد المسيح، او تكبيرات وابتهالات الامهات في ساحات الاقصى المبارك. 
 
اثنان وثلاثون عامآ مضت على ترجل فارس الوطن " جاسر عثمان دويكات " ابو عمار " ذاك الفدائي النقي، والمقاتل الصلب العنيد، الذي نشا في أسرة ترعرعت على حب الوطن الذي كان يعيش في كل تفاصيل حياته، هذا الشاب الرياضي الوسيم، الذي غادرنا مبكرا ولم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره، تاركا خلفه نهجا نضاليا وزوجة وطفلان، الاكبر اسماه عمار تيمنا بقائد المسيرة ورمز النضال ياسر عرفات " ابو عمار " والاخر اياد " تيمنا بالشهيد القائد صلاح خلف " ابو اياد "، فقد اعتاد شهيدنا الذي عرف زنزانة المحتل منذ كان شبلا من أشبال الفتح قبل ان يشتد ساعده، أن يرى أسماء قادة الثورة الفلسطينية محفورة في جدران الزنازين، فقرر أن يحفرها بطريقته الخاصة بأن أطلقها على ابناءه لكي يمنحها حياة بطريقة الثوار النقية. 
 
كان شهيدنا القائد في مقتبل العمر حينما اضحى زائرا دائما لزنازين الاحتلال، ولأقبية تحقيقه التي تشهد له بالصلابة الفولاذية، فكان وجوده بها عاملا هاما في رفع معنويات رفاق الدرب في اقبية التحقيق وتوجيههم لاساليب التحقيق التي ينتهجها المحتل، لما راكمه من خبرة نضالية بسبب تعدد مرات اعتقاله، إذ عرف عنه صلابته وشجاعته ولم يسجل عليه اعتراف للمحتل أبدا، على الرغم من تيقن المحتل الصهيوني ان شهيدنا القائد هو المحرك والمنفذ الاساسي والموجه الاول للعديد من العمليات الفدائية، والهجمات النوعية على جنود الاحتلال وعملاءه، كما ان خبرته المميزة في صناعة المتفجرات والتي تسببت في إحدى تلك المرات بإصابته بجروح في بطنه وانحاء مختلفة من جسده الطاهر، قد زادت من استهداف المحتل له، إلا ان المحتل الغاصب وفرق محققيه لم ينجحوا ولو لمرة واحدة في انتزاع اعتراف من شهيدنا البطل، الذي امن ان الحفاظ على سرية العمل العسكري والتنظيمي، وحماية رفاق الدرب هو واجب مقدس، مما حدى بفاشيي العصر الجدد من محققي الاحتلال الى استخدام ابشع طرق التعذيب التي لا يتحملها بشر ضد شهيدنا البطل، وصلت الى حد التسبب بجرح عميق في قدمه باداة حادة وتقطيع شريانات القدم، وتركه ينزف وهو مشبوح الى ان فقد الوعي، واهمين أن جرح الجسد قد يوهن الارادة ، متناسين أن ارادة الثوار من فولاذ، يزيدها النار قوة وصلابة، حيث خرج شهيدنا البطل من الاسر بعد شهرين من العلاج، بعد أن تيقن المحتل بان قدمه لن تعود الى وضعها الطبيعي قبل الاصابة، حيث استثمر القائد جاسر دويكات اصابته في القدم للسفر خارج الوطن بحجة العلاج، لكنه كان يهدف قبل كل شيء الى تعميق التواصل مع القيادة في الخارج، وتامين دخول السلاح الى الارض المحتلة، وتوفير ما يلزم منه للمجموعات المسلحة للقيام بالعمل الفدائي الذي ابدع شهيدنا في مضاعفته حتى غدى كابوسا يؤرق المحتل، فقد امن شهيدنا ان السلاح محلي الصنع من متفجرات محلية " اكواع " لم تعد تكفي لحاجة المجموعات المسلحة التي توسعت في الارض المحتلة، والتي كان شهيدنا البطل موجها لها وحلقة الاتصال مع الشهيد القائد سعد صايل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح و المسؤول العسكري للثورة الفلسطينة في ذلك الحين، حيث نجح شهيدنا بايصال السلاح الى المجموعات المقاتلة في الارض المحتلة من خلال استخدام اسلوب ( النقاط الميتة)، إذ كان يتم التعرف عليها من خلال الدينار المقسوم الى قسمين، بحيث يكون قسم مع المستلم للمعلومات والأخر مع الشخص المكلف بايصالها، بشكل يمتاز بسرية كبيرة، بحيث لم يكن كل من المسلم والمستلم يعرف الاخر، حفاظا على سرية العمل العسكري، وعدم انكشاف امر المقاتلين في حال انكشاف احدهم . 
 
حيث أدى نجاح شهيدنا في ادخال السلاح، وتعاظم العمل المسلح وتكثيفه، الى تكبيد المحتل خسائر كبيرة، مما جعله يبذل جهودا استخباراية وعسكرية مضاعفة لمعرفة مصدر تزويد المقاتلين بالسلاح، وهو الامر الذي نجح به اخيرا بعد ان أمر القائد سعد صايل بادخال كمية كبيرة من السلاح، حيث كان مكان التسليم " النقظة الميتة " هو احراش قرية رامين في محافظة طولكرم، وكان شهيدنا القائد هو المسؤول عن استلام السلاح وتوزيعه على المقاتلين، لتكون مشيئة الله ان يرتقي القائد سعد صايل الى العلا شهيدا قبل شهيدنا جاسر باشهر قليلة، دون ان يعلم ان المحتل قد اكتشف امر تزويده للارض المحتلة بالسلاح . 
كان لاستشهاد القائد البطل سعد صايل اثرا كبيرا في حياة شهدينا البطل، فقد عزم على الثار له من القتلة، ومواصله دربه من خلال تكثيف وتعظيم العمل العسكري في الارض المحتلة، وما ان استلم شهيدنا اشارة بوصول السلاح من خلال تطابق نصفي الدينار حتى بدا الاستعداد مباشرة للعمل. 
 
كان يعلم شهيدنا القائد ان الاحتلال واعوانه يراقبونه على مدار الساعة، لكن ذلك لم يمنعه أن يطلب صباح الأحد 5-12-1982 من والدته وأخته وزوجته واطفاله ان يحضروا أنفسهم لأنه يريد أن يأخذهم في نزهه الى طولكرم، فيما كان الهدف الحقيقي هو خداع المحتل للتاكد من وصول السلاح اللازم للعمل العسكري ضد الاحتلال، في درس يصلح لكي تتعلمه كل الاجيال، وهو أن المناضل النقي، والفدائي الحقيقي لا يتوان عن تقديم روحه وعائلته واعز ما يملك من اجل الوطن والمقاومة، حيث قام شهيدنا البطل في اثناء عودته من طولكرم وبعد نجاحه بالتمويه على الهدف الحقيقي من اصطحاب عائلته وعند منتصف الليل تقريبآ وبالتحديد قبل حاجز عناب بالاستدارة بسيارته بإتجاه قرية رامين وأوقف عائلته وتاكد من وجود السلاح، غير مدرك بان ايدي الغدر والخيانة والنفوس التي باعت شرفها للشيطان من عملاء المحتل قد ابلغوا المحتل بمكان السلاح، مما جعل المحتل يضع المكان تحت المراقبة الدائمة طوال الوقت، بإنتظار ابطال المقاومة واستلام السلاح . 
 
ادرك شهيدنا البطل انه لا بد من الاستعانة باثنين من المناضلين الثقة على الاقل، غير مدرك بان المحتل قد حدد هويته، وقرر اغتياله لمعرفته العميقة بثباته وصموده الاسطوري في التحقيق، واستحالة انتزاع اعتراف منه باي وسيلة كانت، فكر الشاب بمن يختار معه لنقل السلاح وتخزينه، اول من فكر بهم هم أخوته ورفاق دربه في المقاومة ، لكن الاول كان مبعد الى الأردن ومعتقل هناك ومحكوم عليه بالإعدام نتيجة احداث أيلول، والثاني معتقل لدى المحتل ومحكوم علية بالمؤبد نتيجة تنفيذ عدة عمليات عسكرية في الارض المحتلة ، والثالث معتقل ومحكوم عليه اربع سنوات، والرابع تم اعتقاله على الحدود وهو عائد من رحلة الدراسة ،فلم يجد شهدينا القائد أحد أكثر قربا من صديق العمر والنضال والشهادة الشهيد البطل حسن الدريني، ووالده المناضل الشهيد ابو حسن الدريني، حيث اجتمع المناضلين الثلاثة ، ووضعوا الترتيبات النهائية للعملية، وعقدوا العزم على التوكل على الله وتنفيذ المهمة النضالية ليلة الاحد 12-12-1982، إذ توجهوا جميعآ ولم يكونوا يعلموا بأن يد الغدر قد سبقتهم، وان المحتل قد استبدل السلاح بمتفجرات فائقة الحساسية عند تحريكها ستنفجر، وهو الامر الذي حصل عند منتصف تلك الليلة، عندما هز انفجار عنيف مدينة طولكرم، فكانت اردة الله، ليرتقي القائد جاسر والقائد حسن شهداء معانقين ثرى الارض، فيما اصيب المناضل ابو حسن اصابة بالغة افقدته عينه وادت الى اصابات بشظايا الانفجار في اجزاء مختلفة من جسمه ، لكن الله كتب له بعض من حياة قبل ان يستشهد ليروي لنا قصة البطولة الشهادة والفداء التي سطرها جاسر دويكات " ابو عمار " ورفيق دربه حسن الدريني، هؤلاء القادة الذي سطروا وصية لنا تقول :-
 
أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
وانظر إلى شفتي أطبقتا على هوج الرياح
أنا لم أمت! أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح
واقرع طبولك يستجب لك كل شعبك للقتال
المجد للشهداء ، سنابل الارض، ملحها وبارودها، ونار انتصارها الاكيد
 
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017