أكد مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية أن الدولة اليهودية تعني ان "غياب اليهود عن هذه الأرض بفعل الشتات كان طارئاً، وان العرب كانوا غزاة، وان العودة لأرض الميعاد هي إعادة المسار التاريخي الى صوابيته، وما نتج عن ذلك إنما يتحمله المسبب في ذلك وهم الفلسطينيون الذين صنعوا النكبة الأولى والشتات الأول لليهود".
وقال مدير المركز عبد الرحمن شهاب ان "يهودية الدولة هي إلغاء للحق التاريخي واعتبار الاعتراف الاسرائيلي بأية كيانية للفلسطينيين هي اعتراف الأمر الواقع، وان اعتراف الفلسطينيين هو اعتراف بالحق التاريخي".
وأشار شهاب، في ندوة نقاشية حول دراسة أعدها المركز بعنوان "يهودية الدولة: سياقات وأبعاد"، ظهر الأربعاء، في مقره بمدينة غزة، إلى الأبعاد المترتبة على هذا القانون، حيث "لا يحق للفلسطينيين المطالبة بتعويض عن نكبة عام 1948، وإنهاء المطالبة بالقرار 194، وتبرئة إسرائيل من تحمل العبء التاريخي للظلم الفلسطيني"، إضافة إلى " اعتبار الاستيطان بكل أشكاله دفاعاً عن الحق اليهودي".
وأضاف: "كذلك فإن كل الحروب التي تخوضها إسرائيل ضد العرب هي دفاعية ضد مدعون معتدون على السيادة الإسرائيلية، نزع السلاح الديمغرافي، وهو الوحيد المتبقي في يد الفلسطينيين"، مشيراً إلى أنه "سيتم اعتبار الحدود للدولة هي الحدود التي عرفتها التوراة لاحقاً".
وتابع شهاب: "لقد مرت إسرائيل بتحولات شملت المؤسسات المجتمعية والسياسية منذ إقامة الدولة والى الآن هذه التحولات المنهجية والمستمرة شملت التيارات الصهيونية والدينية على حد سواء وكانت استجابة للتطور في عقل النخبة الدينية وصدى للتحديات التي هددت وجود الدولة الى الآن".
وأردف بالقول: "يأتي تتويج هذه المرحلة بشعور مجموعة من النخبة السياسية في الدولة بأن الفرصة مواتية للانتقال من مرحلة الاستقرار الى مرحلة التمكين التام بعد الشعور بتراجع التهديد الأمني الوجودي للدولة، ولم يعد من تهديد سوى التهديد الديموغرافي الفلسطيني داخل الدولة".
ولفت شهاب، خلال كلمته، إلى انه يمكن النظر للمرحلة القادمة من وجهين: وجه داخلي، وبذا تتميز المرحلة القادمة بأنها مرحلة ما بعد الصهيونية، حيث قامت الحركة الصهيونية بدورها في تأسيس وإقامة الدولة، وواجهت تحديات كبيرة أوصلت الشعب اليهودي الى أرض الميعاد، والآن من المفترض ان اليهودية ستكمل مشوار ما بعد الصهيونية في تثبيت وترسيخ القيم اليهودية للشعب اليهودي.
أما الوجه الثاني فهو الانتقال بالعلاقات الإقليمية الى مرحلة ما بعد الاتفاقيات المرحلية (كامب ديفيد، أوسلو، ووادي عربة)، والتي أدت غرضاً محدداً في مراحل دولية وظروف أمنية اضطرت الدولة ان تعقدها، كانت بمجملها تهدف الى تبريد وتجميد الوضع العربي، وتلهي الفلسطينيين بأحلام الكيانية المأمولة، مرحلة ما بعد الاتفاقيات سيكون هدفها الأساسي حل المشكلة الديموغرافية بعيداً عن "أرض إسرائيل التاريخية".
وذكر شهاب أن "الحديث عن قانون يهودية الدولة عميق الجذور، ويعكس الصراع العميق بين العلمانيين والمتدينين اليهود؛ أما الحديث الجديد عن قانون يهودية الدولة وتبني رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لمشروع القانون فقد جاء متوافقاً مع تنامي تأثير قوة اليمين وتراجع التيارات الصهيونية.
وبيّن أن " فكرة يهودية الدولة بدأت منذ كتاب هرتسل (دولة اليهود)، وكان يقصد دولة خاصة فقط لليهود وليس أية دولة يهودية، بمعنى انها دولة مملوكة ليهود العالم، وهم الذين يشكلون مرجعيتها وتخدم مصالحهم في كل مكان"، مستعرضاً المراحل التاريخية لسياقات الدولة اليهودية، وتفاهمات الصهيونية والعلمانية، ووثيقة الاستقلال، وتنامي الصهيونية الليبرالية.
كما استعرض شهاب أهم القوانين في سياق اليهودية والديمقراطية؛ وأبرزها: قانون العودة 1950، قانون الجنسية 1952، قانون أساس القضاء 1980، قوانين الأساس 1992، بالإضافة إلى القيم اليهودية.
وتطرق للمسائل التي تكمن فيها التناقض بين الديمقراطية والديانة اليهودية، والتي تستدعي تغييرا في نظام الحكم، بالإضافة إلى تناوله الحديث عن الدولة اليهودية والأقليات والمقدسات.
وبحسب مشروع قانون الدولة اليهودية؛ فأن "الأساس في المقدسات على هذه الأرض هي المقدسات اليهودية، والتي سبقت المقدسات المسيحية والإسلامية، بل ان هذه المقدسات قد بنيت على أنقاض المقدسات اليهودية أثناء مراحل الضياع والضعف والشتات".
وبحسب المشروع أيضاً فإن "هناك تآمراً مسيحياً – إسلامياً قد تم على هذه الأرض لعدم السماح بعودة اليهود الى هذه البلاد، قد تحترم الدولة اليهودية بقاء المؤسسات كأمر واقع الى حين، مع احتفاظها بحقها بالمكان، يتم استعادته في أي وقت تندثر فيه المباني بفعل بشري أو طبيعي".
صراع وجود لا صراع حدود
بدوره؛ تحدث الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل عن مدى علاقة يهودية الدولة بطبيعة تطور الدولة الاسرائيلية سواء تبنت يهودية الدولة أم لم تتبناها.
ورأى عوكل "اننا ذاهبون إلى صراع منذ بدايته، وهو صراع وجود لا صراع حدود، فلا دولة ثنائية القومية ممكنة كما قال نتنياهو، ولا دولتين لشعبين قائمة"، مبيناً ان "ما يجب ان نتعلمه كفلسطينيين ان الاسرائيليين اتفقوا على إقامة الدولة وان طبيعتها ستأتي لاحقاً، بعكس الحالة الفلسطينية"، حيث شبه حالة الفلسطينيين كمن يتفق على سلخ الدب قبل ذبحه.
وأشار إلى أن "الهوية الدينية تتناقض مع الهوية الديمقراطية، فلا يمكن لأحد أن يدعي الديمقراطية والتعددية والمشاركة السياسية وهو مصمم على الهوية الدينية"، مستدركا بالقول "ان ذلك لا يعني رفض الأفكار الدينية، ولكن يعني ان الهوية الدينية لا تتوازى مع الهوية الوطنية عند حركات التحرر الوطني".
دولة الاستثناء
من جانبه؛ قال الباحث والمحلل السياسي تيسير محيسن ان "الأزمة التي رافقت جماعة الاستثناء في التاريخ هي تصاحب أيضاً دولة الاستثناء في الواقع، ولذلك فإن اليهود لا يعرفون كقومية أو كدين، هذه جماعة استثناء حتى في القرآن الكريم".
كما أوضح قائلاً: "أنا ارى ان استحضار هذه المسألة هو لتعبير عن مستويين من الصراع؛ صراع داخل دولة اسرائيل في إعادة تعريف نفسها، وصراع في إعادة تعريف ذاتها في إقليم متغير ومتفجر ويعاد بناؤه من جديد، كواحدة من أنماط الهوية أو خلق نموذج آخر لليهود في هذه المنطقة على أساس ديني، وليس دفاعاً عن اليهودية وإنما دفاع عن كيان إسرائيل بوصفها يهودية".
وأردف بالقول: "ربما هي لا تستفيد مما يحدث، ولكن هي ساعدت ان يحدث في الإقليم، ليس للفوز بالاعتراف بها كدولة لليهود، وبكن لوصفها بأنها دولة قابلة للاستمرار والعقلنة والاندماج في الإقليم".
القومية والدين
هذا وبيّن الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية أكرم عطا الله ان "هناك خلط يصعب فكاكه إلا من خلال اختصاص الاختصاص، لأن الدولة الوحيدة في العالم التي تطابق في بطاقة الهوية القومية والدين هي إسرائيل، ولذلك فالدولة اليهودية هناك من يذهب باتجاه الدين ومن يذهب باتجاه القومية، وهذا الأمر بالذات مرتبط بالقومية، وذلك لأن من قدم هذا القانون هم القوميون، ولم يأتِ من قبل اليهود المتدينين".
واستشهد عطا الله بدعوة نابليون من غزة لإقامة الدولة اليهودية، هرتسل ودولة اليهود، وعد بالفور وطن قومي لليهود، لجنة بيل "دولة يهودية"، القانون الأساس ووثيقة الاستقلال دولة يهودية.
وأوضح خطأ البعض في فهم ان المجتمعات الغربية رفضت دمج اليهود فيها، مبيناً ان اليهود هم من رفضوا الاندماج في المجتمعات الأوروبية، ولذلك جاءت فكرت إقامة الصهيونية بعد ثورات أوروبا التي بدأت بعضها تقبل دمج اليهود.
أحداث مضطربة
كما أوضح أستاذ القانون الدولي بجامعة الأزهر عبد الرحمن أبو النصر بأن "اسرائيل دخلت في هذا الموضوع في سياق أساسي ومهم، وهو الأحداث المضطربة في العالم العربي تحديداً، وبالتالي حاولت ان توجد بها مكان في هذا السياق المضطرب، وأن توجد نفسها على الخريطة ورؤيتها التاريخية التي تريدها".
وبخصوص المجتمع الدولي، أكد أبو النصر انه "لم يعترف بيهودية الدولة عندما ميز القرار 181؛ فقد ميز بين دولتين، دولة عربية ودولة يهودية، وبالتالي فهو وصف سياسي وليس اثني أو عرقي أو ديني"، لافتاً إلى أن "الوصف الاثني والعرقي استبعده المجتمع الدولي من مفاهيمه منذ الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وبالتالي كرس مسألة المواطنة الانسانية للجميع، ولم يعترف بأي حال بالأثنية العنصرية".
إسرائيل تعود إلى يمينيتها
أما الكاتب والمحلل السياسي توفيق أبو شومر فقد أشار إلى أن اسحاق دوتشن في أحد كتبه قال ان "هرتسل خرج من وسط التوراة عندما اختار نجمة داود وجبل صهيون، والشعارات هذه كلها لا تحتاج الى نقاش، ولكنهم لاحظوا قوة اليسار في إحدى الفترات، فبالتالي عليهم ان يخفوا هذا الوجه، وبالتالي ظهرت الحركة الصهيونية بوجه علماني وهي ما تستحقه إسرائيل".
وتابع أبو شومر: "هناك أيضاً الصراع الذي كان بينه وبين المتدينين والعلمانيين، كان صراعاً مخفياً على الرغم انه أثر فيما بعد الكوشنير وعطلة السبت في النهاية، وهذا كان شرط بن غوريون، حتى ان يعضهم أسمى هرتسل وبن غوريون بأنبياء اسرائيل في العصر الحديث".
وشدد على أن "اسرائيل الآن تعود الي يمينها، تعود إلى حقيقتها التي تم كشفها فيما بعد".
البعد الديمغرافي
من جهته؛ أكد الباحث والكاتب السياسي حمزة أبو شنب أن "إسرائيل منذ قيامها وهي تخشى البعد الديمغرافي للصراع، لذلك منذ سنوات وهناك العشرات من القوانين في الكنيست الـ 18 والحالي مع التميز العنصري".
وأضاف أبو شنب "لقد لعبت الديمغرافيا قبل قيام الدولة الإسرائيلية دوراً مهما في الصراع مع إسرائيل، ولذلك عمدت إلى استجلاب الهجرة اليهودية وساهمت في نشأة المشاريع الاستيطانية وتهويد المدن العربية، ورغم كل هذه الإجراءات فإن إسرائيل تعاني من التهديد الديمغرافي".
ومضى يقول: "تشير التقديرات إلى أن المسألة السكانية ستحتل المرتبة الأهم قبل المسألة الجغرافية، مما سيكون له تأثير على مجريات الصراع، إذ أنه إذا بقيت معدلات النمو السائدة حالياً فسيصبح نسبة السكان اليهود مع نهاية العام 2020 فقط 48% من مجموع السكان في فلسطين التاريخية، فيما سيصل عدد الفلسطينيين إلى 7 ملايين".
وأردف أبو شنب: "كما سيشكل السكان الفلسطينيون في الداخل – في ظل نسبة نمو 3% – نحو 2.5 مليون فلسطيني، أي ما يقارب 24% من السكان، مما يجعل الديمغرافيا تشكل تهديداً يحفز الاحتلال على سن المزيد من القوانين العنصرية".
وأشار إلى أن "طرح هذا القانون يرتبط بواقع الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، فنتنياهو يسعى لتعزيز صورته أمام اليمين بطرح قانون قد يعرض ائتلافه الحاكم للانهيار، فما ينتظره من ملفات ساخنة على الساحة الإسرائيلية من الإخفاق في عملية الجرف الصامد وملف الميزانية جعلته يستبق ذلك ويطرح القانون الذي يعارضه كل من وزير المالية لبيد ووزيرة العدل تسيبي ليفني".
هذا وثمن الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب الدراسة، موضحاً بأنها "سلطت الضوء على سياقات وأبعاد يهودية الدولة، كانت غائبة عن الأذهان.
يشار إلى أن الندوة النقاشية شهدت حضور نخبة من المحللين السياسيين والباحثين المختصين والمفكرين، الذين أشادوا بالدراسة التي قدمها المركز، وأثروا الندوة بمداخلاتهم وتعقيباتهم، وأجمعوا على أن بإمكاننا كفلسطينيين استغلال الحدث لفضح وجه إسرائيل وكشف عنصريته وعزله عن العالم.