(سيضربُ الموتُ بجناحية السامين كل من يعكِّر صَفوَ الملك( ربما تذكركم تلك العبارة التي نقشت على قبر الملك المصري عنخ امون في احد الاثار المصرية، والتي تلا اكتشافها سلسلة من الحوادث الغريبة التي بدأت بموت كثير من العمال القائمين بالبحث في المقبرة وهو ما حير العلماء والناس، وجعل الكثير يعتقد فيما سمي بـ"لعنة الفراعنة".
وارتباط الحوادث بتلك اللعنة، اجهض العديد من الاسباب التي ادت الى موت العمال حقا، فمعظم المحققين في حوادث الموت قرب تلك المنطقة يوفرون على أنفسهم عبئ البحث عن اسباب الوفاة، ويطلقون على الميت اما "ملعون" او "منحوس ابن منحوسة".
وواقع الاعلام والصحافة العربية يشابه كثيرا ما تنعت به تلك القبور الفرعونية، حتى عندما يتضاعف انين الجماهير ويبحث الشاب عن متنفس لأزماته، والسلطات عن حلول لصراعاتها، تهل اللعنات على الصحافة والصحفيين وكأنهم جنود مبعوثين من رب مشفق ومنقذ.
والصحفي الملعون بدوره يقوم بتحمل وزر أُمته، ويتحمل فشل السلطات الثلاث والأنظمة البيروقراطية في الدولة، وعملية تحمله تلك عملية معقدة جدا تبدأ بنفخ العضلات، وشرب هرومونات تسمين الدواجن ومن ثم يدخل عالم الصحافة المنحوسة، ليحل عقد المجتمع، فما ينفك الا ويرى نفسه بحاجة لحل ازمات عالمه الخاص في الصحافة، وفك النحس واللعنة، ويخفف من حدة ما تطلبه الجماهيرقبل الغرق في استعراض عضلاته.
وفي اغلب الحوارات والندوات والمؤتمرات يتحدثون عن ازمة الصحافة، فالازمة هي السؤال الدائم عن البحث الدائم عن الذات، وعلى الرغم من ان الصحفي ما زال يبحث عن ذاته، الا انه عندما تكون الازمة مرتبطة بالصحافة تتعقد اكثر، فالصحفي عليه البحث عن الأخطاء والخطايا لدى الجميع شعب، وسلطة شعب يعيش أزمة الفكر، وسلطة تعيش أزمة الثقافة، هذا يعني أنها تفتح جبهتها الدائمة ضد كل الخصوم ضد التخلف والاستبداد وضد التغول والفساد، ما يعني أن كل ترسانة السلطة متأهبة ومتوثبة دوما لإطلاق فوهة مدافعها وسوط جلاديها ضد الصحافة، ولتتخيلوا حجم الازمات و اللعنات التي تلحق به، حتى اخر كلمة في أي مناسبة تُطالب الصحافة بدورها ، والصحافة تطالب الجميع، والرد على الله!
ومن امثلة ازمات الصحفي الذاتية ايضا، لعنة رجل الامن في الدول العربية، حيث اطلق الصحفي اكرم عطاالله في احد اوراق بحثه عن الصحافة مسمى صحافة شاعر القبيلة أي انها السلطة التابعة لسلطة الدولة، موضحا انه في داخل كل صحفي رجل امن صغير يملي عليه ما يكتب، وتوسيعا للمفهوم السلطة تشمل سلطة ادارة المؤسسة الإعلامية وسلطة راس المآل والسلطة السياسية، وسلطة المُعلن، وسلطة الاحتلال، وهذه اصابع الصحافة الملعونة الخمسة على كل صحفي عدها قبل البدء بأي نص وإذا كسر احد الاصابع الخمس، عليه ان يجّبره، او يتخلص منه لأن الجزء من أي سلطة لا يتحرر منها إلا اذا ثار ضدها وكسرها، وثورته ضدها هي ثورته على ذاته الاستعبادية للوصول الى ذاته التحررية، هكذا تتحرر الشعوب ويتحرر الصحفي.
ولكن انتظروا ليس بهذه السرعة
فالأزمة هنا ليست وجودية، فكثير منا يظنون ان حل ازمة الصحافة مع ذاتها في الدول العربية تأتي عبر التخلص من سلطة راس المال المؤسساتي او الحكومي او الحزبي لقنوات الاعلام، ولكن هذا بكل بساطة سيؤدي الى ازالة القناة للابد، لعدم وجود تمويل داعم لها، فان كان هناك عطل في بيتك، لا تهدمه باكمله لتقيم غيره، وأنت مفلس!
حل الازمة هنا، يأتي من ادراك الصحفي بانه حر، عبر التفكير خارج اطار المكتب، ووجود رؤيا مستقلة بعيدا عن المهام الموكلة والمفروضة عليه، حتى يكوِّن المقدرة المطلوبة للاستقلالية عن الاصابع الخمس، الايمان بالقدرة وحده يفك اللعنة المرافقة للصحافة، فاذا تعود الصحفي على الاستعباد، ستكون الصحافة خالية الدسم، خفيفة، تدغدغ الفساد والمفسدين بلطف، وتتقاوى على فساتين هيفاء وهبي الجريئة، وتتقصّى اسباب فتنة مؤخرة كيم كاردشتيان