طوباس: استردت الحلقة العشرون من سلسلة "كواكب لا تغيب" لوزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية والاتحاد العام للمرأة التفاصيل الأخيرة للشهيد حامد حمدان جابر، الذي سقط مطلع كانون الأول عام 1989 على أطراف قرية تياسير.
يعيد شقيقه الخمسيني ناجح الزمن إلى الوراء: كان أخي طويل القوام، وحنطي البشرة، وبشعر أسود، وأحبه كل من عرفه، ولا ننسى خجله، وهو السادس في العائلة. وكنت أتسابق مع أختي نجاة على من يلعب معه أكثر. وصنعت له ألعابًا من الأسلاك والقماش، وكنا نجر علب السردين الفارغة بخيوط، وعلمته صيد العصافير بفخاخ كنا ندفنها في التراب، وتولع حامد بركب الخيول في سن مبكر، لكنههم قتلوه بعد 20 يوماً فقط من زواجه.
يضيف: كان حامد يرعى الأغنام في منطقة "مراح المختار "وخلة جميع" في أطراف تياسير وقرب قرية العقبة، قريباً من الشارع الرئيس، وشاهد جنود الاحتلال يعتدون على امرأة، فتدخل لمنعهم، وبعد وقت قصير أكمل عمله، لكنهم أطلقوا رصاصة على ظهره، ولحقوا به، ووضعوه في جوف شجرة سدر، وقلبوه على صدره.
ووفق الراوي، فإن سائق سيارة محمد العلي مر من المكان، وشاهده يرفع يده، فظن أنه يخبره بوجود جيش الاحتلال في مكان قريب، ولكن بعد وقت قصير عاد إليه، فشاهد إصابته، ثم أخبر عائلته، ووجدوه يسبح في بركة دمه، ثم نقلوه إلى مستشفى رام الله الحكومي، فمضى 18 يومًا يعاني، وفقد وقتها الوعي، إلى أن صعدت روحه إلى السماء.
فرح قصير
يتابع ناجح: حزنا على حامد كثيرًا، فهو لم يفرح بزواجه، ولم يكمل حلمه ببناء بيت قريب من منزل العائلة، ولو تركوه كما أصيب، ولم يقلبوه لعاش، كما أخبرنا الأطباء.
وتحتفظ عائلة حامد بكتب ابنها وكراسته وخط يده وحقيبته المدرسية، فيما لا تغادر عيونها وذكرياتها السترة الخضراء التي اخترقتها رصاصات الاحتلال لحظة استهدافه، وتجمع وثائق وتقارير طبية عن ابنها، الذي لقبته أسرته (أبو زكي)، وكانت تتمنى لو رزق بابن أو ابنه ليبقى أثره.
يكمل ناجح: شعرت أمي يوم إصابة حامد، عصر ذلك اليوم الأسود، بأن شيئاً غريبًا وقع، بعدما سمع إطلاق نار بجوار البيت، وراحت تنادي علينا لتفقد أخي وإعادته إلى المنزل، الذي لم يكن يبعد عنه سوى نحو 2 كيلو متر، ولم يمض وقت قصير، إلا جاء السائق ليخبرنا بما حدث، وبدأت دموعها وعويلها.
شهيدان لجسد واحد
واستنادا لما يسكن صدر العائلة، فإن صغيرها (أبو زكي) الذي سقط عن 21 عامًا، عاني من الاحتلال وهو تحت التراب أيضًا، إذ أصر على فتح الجراح مرة ثانية، وقرر بعد شهر من استشهاده إخراجه من القبر، وتشريح جثمان، بحجة معرفة سبب الوفاة، وطبيعة الإصابة، واشترطت إعادة دفنه بعدد مُقلص من أفراد العائلة.
يؤكد ناجح، أن شقيقه جابر وابن عمه أحمد قالا عقب إعادة دفن الجثمان مرة ثانية، إن الجسد لم يتعفن، وكان ذا رائحة طيبة، لكن أمه حزنت كثيًرًا، ولم تسمح العائلة لها بوداعه مرة أخرى.
كان حامد فارساً، وتنقل في طفولته عبر الجبال والسهول المحيطة بقريته، وساهم مع أبناء جيله في مقاومة الاحتلال في بدايات انتفاضة الحجارة، وترك المدرسة لمساعدة العائلة، ومع أن اسم حامد أطلق من جديد على أبناء أخوته وأخواته، إلا أن أحدا لا يشبهه في هيئته ومرحه.
ينهي جابر: لو كان أخي فوق الأرض اليوم لكان على أبواب الخمسين، ولا أنسى العبارة التي كنت أكررها له كل يوم تقريباً قبل استشهاده: "يا حامد، ربعك صامد"....
سرد إنساني
بدوره، أكد منسق وزارة الإعلام في محافظة طوباس عبد الباسط خلف أن "كواكب لا تغيب" وثق خلال عشرين حلقة خلت قصصًا لثلاثين شهيدًا وشهيدة من مدينة طوباس ومخيم الفارعة وطمون وعقابا وتياسير، سقطوا في انتفاضة الحجارة التي اندلعت عام 1987.
وأشار إلى كتابة حكايات شهداء الحرية الإنسانية تكتسي أهمية خاصة، في وقت صارت تتعامل فيه وسائل الإعلام مع الشهداء كأرقام مجردة.