ينحصر تزيين شجرة عيد الميلاد حول العالم بتاريخ محدد هو عشية يوم الميلاد، هي العادة الشائعة منذ سنين.البعض لا يكترث بتحذيرات الأجداد من أنّ تزيينها قبل الموعد التقليدي فأل سيئ. أضحت هذه الشجرة فألاً جميلاً للجميع، ربما بسبب التفاؤل بالألوان والزينة التي قلّما نصادفها في يومياتنا المعاصرة القاحلة.
قد يبدو غريباً لمن ولدوا ووجدوا شجرة الميلاد ملازمة لأعياد الميلاد المسيحية، أن يعرفوا أنّها من رموز المسيحية الحديثة، أحدث بكثير من نجمة بيت لحم والمهد. ظهرت شجرة الميلاد الأولى في ألمانيا، أواخر القرن 15، حيث اعتاد المؤمنون على وضع شجرة صنوبرية في بيوتهم وتزيينها بالفاكهة والحلويات. ثم انتقلت العادة إلى بقية أوروبا ومنها إلى أميركا الشمالية، بعد أن استُبدل تفاحها بكريات ملونة وتوّجت بنجمة بيت لحم أو ملاك يرمز إلى جبريل.
التاريخ حافل بقصص عن احتفاء بالأشجار واكب البشر منذ القدم، ومن الأمثلة مزارعو وسط أوروبا الذين كانوا يزينون أشجار الصنوبر أو الشربين بالفاكهة والحلويات تفاؤلاً بموسم زراعي جيد وعام سعيد.ويرد في الموسوعة البريطانية أنّ العصور الوسطى شهدت تقديم مسرحيات عشية الميلاد، عرضت فيها "شجرة الجنة"، وكانت شجرة صنوبرية تُزين بالتفاح الذي تسبب بخروج آدم وحواء من الجنة.
تربّعت شجرة الميلاد على عرش التقاليد العائلية لعقود طويلة، ولم يُعترف بها رسمياً كرمز مسيحي إلاّ حين أدخلها البابا يوحنا بولس الثاني إلى الفاتيكان عام 1982، بعد معارضة من بعض أعضاء الكنيسة الكاثوليكية. بقي حضورها خجولاً حتى العام 2004 حين سمّاها البابا يوحنا بولس في رسالة الميلاد رمزاً مسيحياً، وسمّاها "شجرة الحياة"، وأشار إلى أنّها بخضرتها في الشتاء، وسط موت الطبيعة، ترمز إلى رسالة المسيح الإنسانية، كما جعلها مع "المهد" رمزين رئيسين للميلاد.
تحوّل التقليد اليوم لتجارة كبيرة تسجّل أرباحاً كبيرة، كما ذكر تقرير للبي بي سي عام 2013 أنّ عدد أشجار الميلاد التي انتشرت في سوق الميلاد قارب 8 ملايين شجرة، وأن أميركا وحدها تُنتج بين 33 و36 مليون شجرة، وفي أوروبا، يتمّ إنتاج حوالي 60 مليون شجرة وفق تقرير آخر لجمعية حماية النبات الأميركية APS.
أمّا في الشقّ البيئي، فيتصارع تيّاران حول "شجر الميلاد"، الأوّل يشجّع استخدام الشجر الصناعي لمنع قطع الأشجار الطبيعية، ولكنه اليوم لا يخضع لرقابة تصنيعه، وغالباً ما تكون هذه الأشجار مصنوعة من مواد ضارّة جدّاً بالبيئة، ما يأخذه التيار الثاني حجّة قويّة لتشجيع استعمال الشجر الطبيعي، ومن منطلق بيئي أيضاً، كما هناك التحذيرات من سرعة اشتعال هذه الأشجار ومخاطر حرائقها.
تأخّر خروج هذه الشجرة إلى الساحات العامة والأماكن المفتوحة حتى القرن 20، ولم يصبح وجودها العامّ منتشراً إلا في ثلاثينيات القرن الماضي. اليوم، تسود منافسة على اضاءة وتزيين أكبر وأجمل وأغلى شجرة بين المدن والدول، بينما يتزايد الفقر والجوع ومآسي الحروب، الا انّ الأمل يبقى فرعاً خالداً في أحلام البشر.
المصدر: العربي الجديد