عيسى قراقع
رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين
هنا في المسافة الضوئية بين الارض والسماء، في بيت لحم ، على اصوات فرق الكشافة، وتحت شجرة الميلاد العالية المضيئة بالحب والوعد والحرية والسلام، وعلى مرمى حبة زيتون خضراء من القدس القريبة، كانت صلاة منتصف الليل، الناس والطير والشجر والمطر والبرق والآذان والاجراس وتصلي بخشوع وانتباه، امام المذود والاعشاب وقطرات الحليب البيضاء.
يا رب: ايها العالي القدير، يا رافع السماء والظلم عن المقهورين والمعذبين، نحن شعب فلسطين، الواقف طويلا طويلا فوق خشبة الصليب، نشر دما وجوعا وحصارا، نقتل منذ مائة عام و نحيا، نموت كثيرا ونحيا كثيرا، امامنا دبابات وبنادق وسجون وحبال ومشانق، وأمامنا الليل يشتد علينا ويدلهم.
نتطلع يا رب الى صبح آخر، بلا محتلين وعساكر ومداهمات بعد منتصف الليل، صلاتنا مجروحة، صلاتنا ناقصة، صلاتنا لم تكتمل يا رب العالمين، فاحمنا من هؤلاء المتربصين بالمسجد والكنيسة، واحمنا من هؤلاء القادمين الى ارضنا استيطانا ومستوطنين، اعداء الشجر والورد، والاطفال المحلقين مع شمس يوم الميلاد في مدينتنا الرائعة.
يا رب:
جربنا كل ما نستطيع ، عبدناك من الوريد الى الوريد، من الدم الى الدم، حتى فاضت بنا الآيات وذبح انبياؤنا على بوابات السماء، شهداء سقطوا داخل الكنيسة ، مبعدين ومشردين ومعتقلين، حواجز عسكرية امام بيوتنا و في غرف نومنا، جرافات تجرف الارض وجذورنا، اطفالنا خائفون حائرون لايبتسمون، فاحمنا يا رب من جنون هذا الاحتلال الاسرائيلي، احم عبادك المرابطين على ارض المقدسات والانبياء.
يا رب:
أضأنا شجرة الميلاد في ساحة المهد في بيت لحم، وامام كنيستك الرابضة في المعنى والتاريخ، مشى معنا ماضينا الانساني من حقل الى حقل، ومن بيت الى بيت، ومن آية الى آية، حتى امتزج الصوت بماء البئر ورائحة المكان.
وها نحن امام بوابة السنة الجديدة، نردد اننا كنا هنا ولا زلنا هنا، عبادا صالحين مقاتلين صامدين، نحن هنا قبل ان يجيء (يهشواع) الاسرائيلي ويحتل الحقول، وينشر ايديولوجيا الاستيطان، ويقطع الصبار ويعبرن الاسماء.
الليلة نقول: يا ربنا العالي ان لنا تحت هذا التراب وفوق هذا التراب، خطى رسلنا، تعاويذ ارواحنا ، واننا اول القادمين مع الغيث ، واول الواقفين تحت ماء السماء، ومن اجل شعبك الجبار، شعب القدس والخليل والجليل، اطرد الغزاة من هواءنا وارضنا وحياتنا، من حاضرنا وغدنا، قبل ان يصلوا طفل المغارة ويقتحموا الصلاة.
يا رب:
هذه صلاتنا الكنعانية كما اردت وشئت، نصلي بين الكروم والحنطة، بين التين والزيتون وطور سنين، ونرى غيابنا كله شجر، شهداؤنا الليلة يحتفلون بميلاد موتهم، بيوتنا ترتب حدائقها للعائدين، ونرى الارض تطرز ثوبها للطير والاناشيد.
نصلي للتعايش والسلام والمحبة، متضرعين اليك يا الله ان لا يبقى سيف تل ابيب مسلطا فوق رقابنا، يقطع تين البراري واحلامنا بالحرية والكرامة المقدسة، ومتضرعين اليك يا الله ان توقف هذه المذبحة، وينسحب جنود بني اسرائيل الذين يدّعون انهم قادمون الينا باسمك، ويدّعون انهم شعبك المختار، ليمسحوا شعبا اصيلا عن ارضه فلسطين، سفكوا الدماء، ووضعوا في يدك المسدس ليقتلونا باسمك، كاذبين ومهووسين، كانك لهم وحدهم.
يا رب:
حرر اسرانا القابعين خلف القضبان، المقهورين والمعذبين سنين طوال، ارفع سيف الجلاد عن رقابهم، وحطم الاغلال عن اياديهم، اعدهم احرارا سالمين الى اولادهم وعائلاتهم، لقد صارعوا الحديد والقوانين الظالمة، ولقد ماتوا وعاشوا وظلوا يشتبكون مع الجلادين من اجل السلام الحر والعادل، من اجل انسانية الانسان والعدالة الالهية الكونية.
يا رب:
انقذ المرضى في السجون، المعاقين و المشلولين والجرحى والمصابين بامراض خبيثة وصعبة، اعطهم حياة أخرى كي يعيشوا سالمين، لا يريدون ان يموتوا في الظلام صامتين، لا يريدون ان ينتصر السجان على ارادتهم، انقذهم ليشاركوا معنا افراح الميلاد وصلواتنا في ليلتك القدسية.
يا رب:
نحن شهودك الصامدين في العبادة، هنا على هذا المكان، لنا كتاب مقدس وليس اسطورة او خرافة مسلحة، لنا الصلاة والتراب والدم والنار، الارض ليست فارغة منا كما يدّعون، الارض ممتلئة بدمنا وحطب اجسادنا وبذاكرتنا وذكرياتنا .
هذا صوتنا يا رب، نجنا من العنصرية الاسرائيلية المستشرية عندهم، نجنا من دولة بوليسية فاسدة تهدد الزمان والمكان وروح الصلاة ، نجنا ممن يعشقون الحرب ويقصفون شعبك باطنان القنابل، نجنا ممن يرقصون فوق مذابحنا ويغنون للبندقية باسم الخلاص والابدية.
يا رب:
في صلاة منتصف الليل نبشرك اننا شعب فلسطين، شعبك، قد استعدنا روحنا ونجمتنا الفضية، عادت من الغياب الى المغارة، اضاءت وفاضت بالبشرى والهداية والسلام.
نرفع ايادينا الى عنان السماء لنقول: يا ربنا العالي الرحيم، ها نحن نصلي، كنيسة المهد امامنا، القدس تتحرك نحونا، ان عطشت نعطش اكثر، وان تنفست نزل المطر واحتفلت النجوم وتحركت الرياح، لنا فيها نبي وصخرة وضفائر شمس في التاريخ والهوية، ولها فينا عبادة ودم وبحر ومدن تتصافح ايديها من حيفا حتى النقب، ومن ابراهيم طوقان حتى محمود درويش، ومن دم الشهيد زياد ابو عين حتى عذابات الاسير كريم يونس في سجون الاحتلال.
نصلي يا رب بخشوع:
هذه الارض جدتنا في الممات والحياة
مقدسة كلها حجرا حجرا
هذه الارض بيت الله
سكنت معنا نجمة نجمة
اضاءت لنا ليالي الصلاة