الرئيسية / الأخبار / فلسطين
بعد منخفض الموت 2013 استيقاظ ذاكرة فقدان الضحايا ... والجاهزية ثقيلة الخُطى
تاريخ النشر: الخميس 08/01/2015 14:29
بعد منخفض الموت 2013 استيقاظ ذاكرة فقدان الضحايا ... والجاهزية ثقيلة الخُطى
بعد منخفض الموت 2013 استيقاظ ذاكرة فقدان الضحايا ... والجاهزية ثقيلة الخُطى

كتبت أ. أمل  دويكات

 عصر الثامن من كانون الثاني – يناير 2013 كان كل من سماح وهناء وماهر على موعد مع الموت تحت وطأة تيارات مياه الأمطار. هناء السامري (24 عامًا) كانت برفقة زميلتها سماح كنعان (34 عامًا) عندما حاصرت المياه السيارة التي استقلتاها للعودة إلى مدينتهما نابلس في أكثر أيام ذلك العام هطولًا. أما المحامي الشاب ماهر برية (27 عامًا) فكان في طريق عودته من قلقيلية إلى طولكرم، لكن المياه الجارفة لم تمهله كثيرًا، واختطفت روحه ملقية بجثته في وادي التين جنوب طولكرم.

أربع وعشرون ساعة قبل الغرق كانت هناء تحتفل مع عائلتها بعيد ميلاد أحد أبناء شقيقتها ديانا بناء على رغبتها. تقول ديانا "كأنها كانت تطلب حفل وداع لا عيد ميلاد".

بعد ساعات معدودة، كان القلق يساور والدة هناء لتأخرها عن الموعد اليومي لعودتها إلى منزلها من مكان عملها في إحدى شركات التأمين. وتضيف ديانا "اتصلت بي شقيقتي الصغرى، وقالت إن أمي تشعر بالتوتر وطلبت مني الحضور سريعا إلى المنزل، فأسرعت إلى منزل والدي، وعندها أخبرتني أمي أن هناء اتصلت بها قائلة: ماما الوضع بخوّف كثير، وشكلي مش رح أوصل البيت ... وكان هذا آخر كلامها قبل انقطاع الاتصال بها نهائيًا."

وتتابع "كان لدينا أمل أن تكون هناء بخير، رغم أن هذا الأمل انقطع بعد أن بدأت رحلة بحث مجموعة من شبان المنطقة عن هناء في اليوم التالي، لقد وصلتنا أخبار متضاربة كثيرة حتى أتى الخبر اليقين بأن جثة هناء وجدت بلا روح قرب شجرة مكان الحادث."

سماح كنعان كانت تتهيأ لحفل زفافها، لكن المياه التي اختطفت روحها اقتلعت البسمة من وجوه ذويها ومحبيها. تم يستطع العامان اللذان مضيا على غياب سماح أن ينسيا شقيقتها مها ألم الفراق، فاعتذرت عن الحديث بشأن شقيقتها لما في الأمر من إشعال للحزن في قلبها.

لكن مها نعت على الجهات المسؤولة عدم التحرك الجاد والإصلاح الحقيقي لبنية المرافق والشوارع، قائلة "في الأعوام الماضية كانت تسقط أمطار غزيرة وليس عام 2013 فقط، فلماذا لم يكن يحدث كل هذا الدمار؟ هل أصبح الحل أن نعطل الحياة بانتظار المنخفض؟ وحتى تعطيل الحياة واختباء الناس في المنازل ليس حلًا."

المحامي الشاب ماهر برية كان عائدًا من عمله مستقلًا سيارته الخاصة إلى حيث منزله في قرية عتيل قضاء طولكرم. وهناك في أودية المدينة كان على ماهر أن يواجه طوفان المياه وحده. ووثقت وسائل الإعلام الفلسطينية حينها شهادات حيّة وتسجيلًا مصورًا لآخر لحظات صراع ماهر مع فيضان المياه قبل رحيله، وقال أحد شهود العيان في المنطقة إنه أخبر الشاب برية بضرورة عدم نزوله من سيارته لأن مستوى الماء كان مرتفعًا وأن خروجه قد يؤدي لخطر على حياته. إلا أن الشاب سارع بالخروج في محاولة لمقاومة تيارات المياه الجارفة التي لم تنصرف عنه إلا باختطاف روحه.

هل التخطيط استراتيجي؟

لقد كان المنخفض الثلجي الأخير منتصف كانون الأول – ديسمبر 2013 المعروف إعلاميا باسم "أليكسا" اختبارًا لصمود البنية التحتية في دول المنطقة العربية، وخاصة الأراضي الفلسطينية الخاضعة منذ عقود لاحتلال شامل. فضلًا عن الخسائر الاقتصادية في القطاعات المختلفة أهمها القطاع الزراعي، وبلغ حجم الخسائر المادية في مدينة الخليل وحدها إلى 100 مليون دولار.

وربما يكون السؤال الأجدر طرحه مع حلول الشتاء والمنخفضات العميقة خاصة الثلجية منها، هل هناك تخطيط بعيد المدى لمواجهة الأضرار المحتملة من المنخفضات أم أن العلاج هو اختباء المواطنين في المنازل؟

يقول عميد كلية الهندسة في جامعة النجاح الوطنية د. خالد الساحلي إن الأصل أن يسبق تخطيط الشوارع الامتداد العمراني، إلا أنه في المدن الفلسطينية يسبق الامتداد العمراني تخطيط الشوارع مما يجعل تخطيطها أمر واقع أو لاحق لنمو العمران. وعن جاهزية البنية التحتية والشوارع لاستقبال المنخفضات يقول الساحلي إن القدرة الاستيعابية للبنى التحتية أقل بكثير من حجم استخدامها مما يعني ضغط متزايد عليها بازدياد المستخدمين والمركبات.

ويضيف الساحلي أن مدينة مثل نابلس تقع في منطقة جبلية وتكثر فيها الانحدارات مما يزيد تجمعات مياه الأمطار، مشيرا أن قنوات التصريف بمجملها قديمة في المدينة إلا أنه تم تجديدها ورغم ذلك ما زالت غير قادرة على استيعاب كميات المياه وغير ملائمة لحجم الأمطار السنوي. كما أن عدد قنوات التصريف والعبّارات غير كاف والمدن إجمالًا تحتاج المزيد منها.

وفي رأي الساحلي فإن بناء الشوارع نفسها يجب أن يراعي ميلان أو انحدار إلى الجوانب بدرجة معينة بحيث تجري مياه الأمطار على جوانب الشارع بدلًا من تجمعها وسطه. وهذا ما لم يتوفر في شوارع المدن الفلسطينية بشكل عام إلا القليل منها.

البلديات تعمل .. ولكن

يقول المهندس يوسف نصر الله من الدائرة الهندسية في بلدية نابلس إن جزء كبير من شوارع المدينة قديم جدًا ولا يمكن إعادة صياغتها هندسيًا من جديد، لكن البلدية تأخذ بالاعتبار تخطيط الشوارع بحيث يُراعى فيها تصريف مياه الأمطار بما يعرف هندسيا (الميلان الطولي والعرضي للشارع)، كما أن البلدية تواجه عمليًا المد العمراني السابق لإنشاء الشوارع مما يعني تقييد لدقة العمل الهندسي في حال وجود مباني على الجانبين بعضها أعلى من مستوى الشارع وبعضها أخفض منه.

ويضيف المهندس نصر الله أن التمويل مهم للإصلاح المطلوب، إلا أن البلدية تنجز ما بوسعها إنجازه من خلال بعض المشاريع الممولة، وخلال السنة الماضية نفذت البلدية عدة مشروعات لإصلاح الشوارع في مناطق مختلفة من المدينة، لتخفيف حدة تجمع مياه الأمطار في الشوارع. مشيرًا أن البلدية بحوزتها خطة جاهزة لنظام تصريف كامل لمياه أمطار المدينة، إلا أن هذا المشروع مكلف جدًا، فالحديث عن نظام تصريف يمتد على المدينة بأكملها، وهذا ما تسعى البلدية لتحقيقه يومًا.

ويؤكد نصر الله أن المشكلات الناجمة عن المنخفضات الجوية موجودة حتى في الدول الغنية والدول المتقدمة. إلا أن المأمول هو التخفيف من الأضرار والمخاطر المصاحبة لهذه المنخفضات.

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017