تتزاحم الأسماء هذه الأيام على وسائل الإعلام لمدّعين أنهم آباء للمقاومة الشعبية -- هذا من انجبها وهذا من احتضنها وذاك من رباها واخر اخترعها -- افراد ولجان وفصائل -- وينسى بعضهم انه ولغاية بضع سنين كان من اشد المعارضين لها و ممن يسخفونها ويشككون بجدواها ويصفون المؤمنين الممارسين لها بانهم يلجاون لاضعف الايمان هروبا من الجهاد الاكبر الذي هو بنظرهم -- المقاومة المسلحة .
ويتمادى البعض اكثر ويضعون تواريخ محددة لانطلاقتها متناسين انها كانت منذ بدايات الانتداب البريطاني على بلادنا ومارسها شعبنا نهجا كفاحيا لطرد الانجليز ولوقف الهجرات الصهيونية لبلادنا ويذكر المؤرخين تاريخ ثورة البراق في العام 1929 حين خرجت جماهير شعبنا بالالوف لتشارك في التظاهرات ليسقط الشهداء والجرحى بالعشرات كما ولا يمكن نسيان ان الثورة الفلسطينية الكبرى في العام 1936 ابتدات باضراب استمر لستة شهور .. وبعد سقوط ما تبقى من فلسطين تحت الاحتلال الاسرائيلي في العام 1967 لجا شعبنا لشتى وسائل المقاومة والى جانب المقاومة المسلحة كانت المقاومة الشعبية ولا يمكن نسيان اضراب التجار في القدس في العام 1967 .. وتوالت الهبات الجماهيرية في العام 1974 و 1976 حين تشكلت الجبهة الوطنية وبعدها لجنة التوجيه الوطني وكيف خاضت القوى المؤيدة لمنظمة التحرير الانتخابات البلدية وفازت فيها ولعبت دورا رئيسيا في مواجهة الدارة المدنية .. وكيف كان الاتحاد العام لنقابات العمال في الضفة الغربية اولى المؤسسات الوطنية التي اعترفت علنا ورسميا بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني .. وكانت هناك اللجنة العامة للدفاع عن الاراضي التي نظمت عملية مقاومة الاستيطان وتسريب الاراضي وواجهت روابط القرى العميلة .. وكانت لجان العمل التطوعي وما خرج من رحمها من مؤسسات لعبت دورا هاما كادوات لتعزيز الصمود ثم جاءت الانتفاضة الشعبية الاولى التي يمكن القول انها التجلي الاكبر للمقاومة الشعبية وزخرت بتجارب كبيرة ودروس وعبر كثيرة اسست فيما بعد لتشكيل اللجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان حين بدا المحتل تنفيذ احد اخطر مشاريعه لضم وتهويد الاراضي الفلسطينية .. وان كانت بلعين والمعصرة والنبي صالح وكفر قدوم وبيت امر الآن النماذج الأبرز للمقاومة الشعبية، إلا أنها ليست نماذج يتيمة وليست نبت شيطاني، فقد كان قبلها نماذج أخرى نجحت لكن لم يعطها الإعلام حقها بالبروز، فحملات مقاومة الجدار في مناطق جنين وطولكرم وقلقيلية.. وحملات مناهضة الحصار والحواجز كما كان يحصل في نابلس، كما يحصل في نابلس وغيرها من المحافظات، كلها نماذج رائعة للفعل الشعبي المقاوم.
قد يكون مقبولا أن تقول لجنة ما في موقع ما أن تاريخ تأسيسها هو كذا وكذا .. لكن أن تدعي أن انطلاقة المقاومة الشعبية كنهج وشكل نضالي بدا مع تأسيسها فهذا مرفوض ويعتبر تجنيا على نضالات شعب بأكمله .. وكذلك مرفوض ان يقوم تنظيم سياسي ما بالادعاء انه الأب الروحي والمؤسس والقائد للمقاومة الشعبية لانه بهذا الادعاء يتجنى على حضور قوى أخرى سبقته بتبني هذا النهج والعمل وفقه ومازال لها ايضا إسهاماتها فيه ..
وهكذا يتضح ان المقاومة الشعبية ليست لقيطة ولا نبت شيطاني .. فأبوها وأمها هم الشعب الفلسطيني المبدع .. وهو القوى التي تعتبرها خيارا استراتيجيا للوصول الى الحقوق الوطنية المشروعة دون أن تضعها بديلا لأشكال النضال الأخرى ومنها المقاومة المسلحة.
مخيم الفارعة – فلسطين
13/3/2014