تحقيق:إيمان فقها
" مُنذ زمنٍ لم نلتقط صورةً لنا, تعالَي يا روان, انظُري هناكَ , قطراتُ المطرِ تتراشقُ كجميلةٍ تراقصت على التلفازِ, وصوتُها يَدقُ على نافذةِ الشُّباك كفيروزٍ عند الصباحِ, ارتَدي مِعطَفك وهيّا بِنا نُعاوِدُ حُلمَ الطُفولةِ, كالفراشاتِ سنطيرُ من زهرةٍ لأخرى, ونُغنّي كبلبلٍ اشتاقَ لحبيبتهِ بعد فقدانٍ, ومضاتٌ وانتهى كل شيءٍ".
تُعاود عبير ملحم (21) عاماً الرُجوعَ بِذاكِرتها إلى أيّامٍ حَفرت في جبينِ عائلتِها بَصمةً, وغُصةُ ألمٍ تُحاورُ جَبينها, تَذكرُ تلكَ الفاجعةَ الّتي حلّت على رأسِ عنبتا كغُرابٍ عَشقَ البلدةَ فأبى مُفارقتها.
تَقول عبير "خرجتُ وأختي لنلتقطَ بعضَ الصورِ لنا, فجأةً اشتدّ سُقوط المطرِ, وسمعنا من الجهةِ المحاذيةِ لنا شُرطياً يَطلبُ منّا الرجوعَ إلى منزِلنا, فهناكَ طفلٌ صغيرٌ قد غرقَ في وادي الكلبةِ, ووضعُ البلدةِ بدأ يسُوء".
أمسَكت عبير وروان دربَ طريقِهما للرجوع إلى منزلِهما, ومَا أنْ خَطت قدماهُما عَتبة بيتِهما حتّى ُدقّ الهاتفُ, فكان المتّصل والدتهما تَطلبُ منهما رقمَ صاحبِ التّسوية طلال كبشاوي, فَوضعُ المياه عند منزلِ جيرانهم سيئٌةٌ, والأمرُ بات مخيفاً, أخرجت عبير الرقمَ بسرعة, وأغلقتِ الهاتفَ.
صِياحٌ في الخارجِ, سَلاسِلٌ مُتفجِّرةٌ, قُوّة دفعٍ للمياهِ مُخيفة, و ُرعبٌ حلّ عليهم حتّى وَصل أخمُصَ قدميهِم, بَعد عودتِها مِن بيتِ جيرانهم تذكرت أنّها نَسيت بعضاً مِن الأغراضِ في الخارجِ, فنَزلت إلى الطابقِ الأرضيِّ عند البابِ المُطِّل على حديقةِ بيتِهم عند مفرقِ الاسكندرون, لِتُفاجَأ مِن هَولِ مَنظرِ المياهِ.هذا ما قالته السيدة أم أحمد (53) عاماً.
تقولُ روان ملحم (17) عاما "بَدأتِ المياهُ تَدفع بقوتِها مِن كلِّ النّواحي, وَضعنا الطّوبَ, وأغلقنَا الأبوابَ, لَكن مَصير غَرقِ بيتِنا مُؤكد, كُسِر البابُ, دخلتِ المياهُ من الشبابيكِ حتّى وصلتِ الطّابقَ الأرضيِّ بما يُقاربُ 50 سم, والجُدران مِن فوقٍ أصبحتْ تُسقِط مياهاً أيضاً, حَاولنا إزاحَتها لَكن الأمرَ غيرُ مجدٍ, وفي النِّهايةِ استسلمنا للواقعِ".
و تُضيف روان "ليلةٌ مُخيفة, شَديدةُ البُرودةِ والوحدة, المياهُ حاصرتنا, والكهرباءُ قُطِعت, ووَضْعُ بيتِنا أبْكانِي حتّى غَفوتُ على فاجعةٍ أخرى".
في صَباحِ يومِ الأربعاءِ في التّاسِع من شهرِ كانون الثّاني استيقظتْ عَائلةُ نبيل ملحم على صَوتِ صُراخٍ أيضاً, ارتدت عبير ملابسَها لتُشاهد ماذا يحصُل هناك؟, ذاك الشارعُ الذي رمِّم منذ بِضعة أيامً تحول إلى قطع بسكويتٍ, وحجارةُ السلاسلِ وصلت آخر أرضِهم البالغة 4 دونمات, أغصان الشجر أيضاً مكسّرة, والشارع أصبح يرتفع عن الأرض أكثر من مترين, ومعالم أرضهم جميعها مشوهةٌ.
"بتّ كمصدومةٍ أمشي, لا أريد التخيُّل, عينا أمّي أغرقتاه الدموعُ, وأختي روان وقفت بِلا حراكٍ, وهناك صوتُ بِبكاءٍ ينادي "هاتي حرام", نَاولتهم والدتي إيّاه, وجميعنا ينظُر للآخرِ بصمتٍ مُدقعٍ, فقد وجدوا جثّة الفتاةِ التي سَحبتها المياهُ إلى أرضِنا, وهي تُعانق الشَّجرة, وبعد عدّة خُطواتٍ كانت جُثة هناء".تقول عبير وقطراتُ الدمعِ غَطّت ملامِح وجهِها.
خلف منزلِهم ببضعةِ أمتارٍ روحٌ استندت على شجرةٍ, امتزج جسدُها برائحةِ التُراب, ودّعتِ الحياةِ بعناقٍ واستسلمت لبارئِها, مُجرد إحساسِ العائلِة بالذنبِ لعدم قدرتهم على إيجاد الفتاتين بالوقتِ المناسبِ, ومساعدتهما جعلهم يَعيشون أسُبوعاً من النّدمِ.
عشتُ ألم بلدتِي في تلك الفترةِ حتّى أمرّني العلقم, رأيتُها تنزفُ وحيدةً ولا مجيبَ لها, وعودٌ منذ زمنٍ والرد واحدُ "التمويلُ لا يكفي لمتابعةَ المشروعِ".
في تحقيقنا هذا سنعرضُ مشكلة وادي الاسكندرون, كيف كان؟ وكيف غدا ؟, والحل يكمن أينَ ؟.
سمكٌ تبدّل ذباباً
"كانَ هناك وماتَ, غسلنا ملابسنا به, واستجمّ الأطفالُ فيه, لم يكن بحسبانِنا أن أيَادي البشرِ ستحوله إلى مستنقعاتٍ تنفثُ رائحةَ البعوضِ والموت".هذا ما قالته وجيهة الحسن (69) عاماً.
وفي هذا الصددِ توجّهنا إلى محافِظ طولكرم جمال سعيد فقال " الاسكندرون يُعتبر من اﻻوديةِ الهامّة حيثُ يربطُ ثلاثَ محافظاتٍ نابلس وجنين بطولكرم, ومياهُه تصب بالبحر المتوسطِ, كان قُبلة سِياحية للمواطنين, يستجِّمون فيه, ويغسِلون محاصِيلهم ".
و يُضيف سعيد " في فترة وجودِ الاحتلالِ, ونظراً لغيابِ شبكاتِ الصّرف الصِّحي, ومحطاتِ التّنقيةِ أصبحَ الوادي مكاناً للصّرفِ الصِّحيّ لمدينة نابلس, مما شكل مصدراً للتلوث أثّر على تجمعاتٍ سكانيةٍ كثيرة, وهي قرى واد الشعير والتي بالإضافة لمدينة طولكرم بمخيّميها, وعانى الأهالي كثيراً من هذا التّلوث, ومن الروائحِ الكريهةِ, والأمراضِ المُستعصيةِ, وتلويثِ الأراضِي الِزراعيّة, وحتّى المياه الجوفيةِ ".
عودةٌ إلى النكبةِ
يقول الموظفُ بمجلس القضاء الأعلى نادر ملحم (38)عاماً "أسكنُ بالقربِ من وادي الاسكندرون, رائحتُه تسدُّ نفسي, وتسببُ لي أمراضاً عدة, كان بيتي من أحد البيوتِ العديدة التي غرقَتِ العامَ الماضِي, حيث حاصَرتنا المياهُ من جميعِ النواحِي ".
أما الموظف في شركة التأمين خالد الحسن (49)عاماً فيذكر "شتاءُ العام الماضي أصاب بيتي بالضررِ الفادح, لا زلت أذكُرُ ذلك اليومِ المشؤوم, كنتُ وأسرتي نأكل الكستناء, ويتوسطُنا مدفئةُ كازٍ, فجأةً هجمَ علينا الماءُ من كل صوبٍ وحدبٍ, فوق الجدران, أسفل البابِ, كلُّ أثاث المنزل قد تَلفَ, وأضرارٌ جَسيمة حلّت علينا".
يقول الرائدُ في شرطة رام الله هشام ذوابة (46) عاماً, والمقيم في بلدةِ عنبتا "كارثَةُ العامِ الماضِي آلمت ِبنا جميعاً, ووفاة الفتاتينِ كان كَارثةً حوّلت عنبتا إلى غمامةٍ سوداءَ, لكن هذا العام تمّ أخذُ الاحتياطاتِ لتفادي أو التقليل من كارثةِ العام الماضي ".
لبعض البيوت القريبةِ من جريان الوادي أو الوديان التي تصب في الوادي الكبيرِ, والتي يمكن أن تتعرض إلى خطرٍ, وكان الّشبان أيضاً موزعين في شرقيّ البلد حيث الحاجز الإسرائيليُّ في عنابَ وحتى مفرق بلعا, و قد شكروا الأهالي الذين تعاملوا بجديةٍ مع هذا الموضوع نظراً لأهمية الجدية في مثل هذه المواقفِ, وكانت غرفة العمليات الموجودة بالبلدية قد تعرضت لخطر الفيضانِ, وتم إنقاذ من فيها.هذا ما ذكره المتطوعُ في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أسيد عبد الحليم (24)عاماً.
ويضيفُ أسيد أيضاً "إنّ أكثر المواقعِ كانت إثارةٍ وخطورة هي موقع وادي الكلبة, ووادي المصنعة حيث في وادي الكلبة عجزت الآلياتُ ومجموعات الشباب تسيير أمور الوادي, إذ إن الأمطار كانت في الوقت نفسه غزيرةٌ, وجريان المياه يأتي بقوةٍ مجمعاً من كفر اللبد, وعنبتا في المنطقة الشرقية, أما وادي المصنعة فكان أيضاً امتداد للمياه من ضاحية كفر رمّان إلى الشارع الرئيسيِّ، حيثُ قام الشبّان بقطع الطريق أمام المواصلات نظراً لقوةِ المياهِ ".
متّحدين نقف..متفرقين نسقط
"طول عمري بسمع عنبتا بلد النّخوة,مجموعاتُ متطوعين منظمة جابت كلّ البيوتِ, عندما غرق بيتُنا لم نَطلب المُساعدة من أحدٍ, جاؤوا بمفردِهم, هذا بَدأ يشطف, والآخرُ أمسك دلواً, وبدأ يجرفُ المياه, مع وضعنا المأساويِّ إلا أننا شعرنا بفرحٍ صارمٍ, ما أجملكِ يا عنبتا ".تقول عبير ملحم (21)عاماً.
مبادرةٌ سابقة مِن قبل المجلسِ المحليّ الشبابيّ القديم و الحالي من أجلِ القيامِ بحلِّ مُشكلةِ الوادي, قام المجلسُ بالاجتماع مع بلدية عنبتا, ومناقشة عدة أمور تتعلقُ به, وعمل حملاتِ توعية للنّاس المقيمينَ بالقرب منه مُتمثلةً بعدم رمي أيّ موادٍ فيه, بعد عمليةِ التّنظيف الواسعةِ التي قام بها المجلسُ بالتّعاون مع عدة مُتطوعينَ من أهلِ البلدة.
يقول أحد المتطوعين في عمليات التنظيفِ والإنقاذِ عميد شحادة (20) عاماً " ما زلتُ أذكر ذلك اليوم, ارتفاعُ المياهِ كان بِمستوى نصفِ جَسدي, وقوةُ الّدفع تجرُّ الحاوياتِ الحديدية في الشّارع, والسّياراتُ المُغلقة تسير مع اتِّجاه الماء كقطيعٍ من الغنمِ, الكثيُر من العائلاتِ في عنبتا تشردت, والخسائرُ الاقتصاديةُ كانت فادحةً جداً, ما َيزيد عن مئةِ سيّارةٍ اصطفت في الشّارعِ المُقابل لمنزلِنا باعتباره شارعاً مرتفعاً بعيداً عن الفيضان, وكلُّ أصحاب هذه السّيارات من خارجِ عنبتا".
يتابع شحادة " قُمنا باستقبالِ عددٍ مَعقولٍ من النّاسِ, وهو ما استطعنا عليه في بيتنا, لكنّ عَددهم لا يُضاهي إطلاقاً عدد النّاس الجالسين تحت زخاتِ المطر والبردِ الشّديد, لذلك طلبنا مِفتاح المدرسةِ المُجاورة لبيتِنا حتّى نستقبِل هؤلاء الأشخاصِ, تفاجَئنا من ذلكَ الردّ,( نحتاجُ إلى قرارٍ من التّربية والتّعليم لفتحِ المدرسةِ)".
ثَار غضبُه فبدأ الصُّراخَ, سَألهُ أحدُ الموجودينَ ما المشكلة؟, فأخبرهُ أنّ فتحَ المدرسةِ يحتاجُ إلى قرارٍ, مع أنّها كانت تُفتحُ لأشياءٍ سخيفةٍ دون أي قراراتٍ, تبيّن بعد فترةٍ أنّ هذا الشّاب هو ابنٌ لمسؤولٍ كبيرٍ تحدثَ عبر هاتِفه النّقال, فتمّ فتحُ المدرسَة خِلالَ دقائقٍ.
أما بسام عورتاني فيعلقُ على ما حدثَ في العام الماضي قائلاً " ما حدثَ في عنبتا من أضرارٍ, وأخطاءَ جرّاء الفيضاناتِ يُخزي المفكرينَ, والمخطّطين, والقياداتِ التي لا تحمِل أدنى مسؤوليةٍ، ومن يسمع رواياتِ الشباب العنبتاويين المتطوعين عن تقصيرِ الجهاتِ الرسميةِ يستغربُ إلى أيِّ درجةٍ وصلنا من سُوء الإدارةِ, والتَخطيط , والاستِهتار, وإليكم بعضَ المعلوماتِ:
-1 الشباب المتطوعين هم الذين أنقذوا العائلاتِ والمتضررين, ولم يكن هناكَ دعمٌ لا من الدفاع المدنيّ, ولا من غيره مع العلم أنّ الدفاعَ المدنيِّ في طولكرم لا يمتلكُ إلا سيارتيّ إطفاء فقط, وكانُوا مشغولين حينَها في مِنطقة عتّيل, ومخيّم نور شمس.
-2 لم يتّم إغلاق الطرقِ أمام حركة السّير من قبل الشرطةِ, لمنعِ حدوث وفيّاتٍ وإصابات، وإنما قام بهذا الدور المتطوعين.
3 - لا يوجد في عنبتا ولا سَيارة إسعافٍ, ولا سيارة إطفاءٍ مع العلم أنّ عنبتا محاطة ببيت ليد، رامين، كفر اللبد، كفر رمان، بلعا أي (5 قرى).
4- الإعلام المحليّ عند سماعِه لزيارةِ سلام فيّاض أتى ليغطّي الزيارة , وجاءت قناة فلسطين بعد العِشاء لتغطّي الحدث (بدري وجابين على العتمة كمان).
5 - المتطوعين هُم الذين أنقذوا سائِق التاكسي الذي كان يحمِل الفتاتين، وبحثوا عنهنّ مُطولاً في نفس الأماكن التي وُجِدن فيها, وبعد سماعهم ببلاغِ الإسرائيليّين كَفّوا عن ذلك, لِيعودوا مرةً أخرى الّساعة السادِسة صباحاً ليعثروا عليهنّ في المكانِ نفسه".
ويضيف بسام "أخيراً سيقوم العنبتاويون بالتخطيطِ لحماية عنبتا من المنخفضِ القادمِ، فمن يريدُ من المسؤولين أن يتعّلم فليشتري جزمةً و أفرهول, وينتظر أوامر الشباب عند طلبهم متطوعين".
تقول مسؤولة العلاقاتِ العامةِ في جمعية الهلال الأحمر سوسن النجيب (49)عاماً "عام 2013 شَهد أعنفَ الفيضانات, فقد اجتاحتِ البلدة المياه منذ ساعاتِ المساءِ الأولى حوالي الثالثة وحتى الخامسة إلا أن غرفة العملياتِ كانت لها بالمرصادِ, بالرغمِ من الإمكانياتِ المحدودة, وعدم وصول طواقمِ الدِّفاع المدني وقواتِ الأمن الوطني, إلا أنّ عنبتا بمتطوعيها استطاعت أن تقلِّل من الخطرِ, فقدمت جمعيةُ الهلال الأحمرِ الفلسطينيّ خلال الفيضانِ ما يلي :
18 -1 متطوعاً مؤهلاً ومدرباً لعمليات الإنقاذِ, والإسعافِ, والإخلاء والإطفاء.
2- توفير 24 متطوعاً للمساعدة والإسنادِ.
3- توفيرُ مركبةِ الجمعية على مدار السّاعة.
4- المساعدةُ في إخلاءِ المنازل المنخفضة والمحاذية للاسكندرون.
5- المساعدةُ في تأمينِ وتسهيلِ حركةِ المواطنين وتوجيههم إلى الطرق السليمةِ.
6- البحثُ عن المفقودين والذي استمّر لأكثرَ من 13 ساعة.
7- المساعدةُ بإنقاذ حياة المواطنِ الذي عَلق بالمياه بجانبِ حاجز عنّاب, ونقله بواسطة مركبة الجمعيةِ, وتسليمه إلى الإسعاف والأمن الوطني على مدخلِ مخيّم نور شمس .
8- العمل كخليةِ نخلٍ لتنظيفِ البيوت والشّوارع العامة, ونضح المياه من المنازل.
9- تقديمُ جهازٍ لنضحِ المياهِ وبعضُ المستلزماتِ لأعمال التنظيفِ.
10- فتحُ العديدِ من الطرقاتِ والممرّات لتسهيلِ حركةِ المواطنين.
11 - سَحبُ العديد من السيارات العالقةِ.
-12 تقديمُ المساعداتِ الإنسانيةِ الطارئةِ لأهالي البلدةِ المتضررين".
و تضيف النجيب "قامت جمعيةُ الهلالِ الأحمرِ الفلسطيني وبالشراكةِ مع المجلسِ المحلي الشّبابي, ومركز واصل لتنمية الشبابِ, وبرعايةِ مؤسسة chfوبلدية عنبتا بحملةً كبيرة ٍتُعرف باسم (الوادي يدقُ ناقوس الخطر), وتمّ عقد العديدِ من اللقاءاتِ المجتمعية بخصوصِ الوادي من قبلِ دائرة الشباب والمتطوعين, ولجنةِ الأمومة الآمنة".
صحةٌ مع زومر خطانِ مستقيمان
يرى الطبيبُ العامُ حازم فقها أن للاسكندرونِ تأثيراتٍ سلبية على مواطني البلدةِ، فيقول " أيُّ مياهٍ مكشوفةً تتكاثر فيها الحشراتُ تسبِّب الكثير من الأمراضِ, والمشاكلَ الصّحية, فالاسكندرون مكانٌ مكشوفٌ يَعجُ بالحشراتِ التي تنقلُ الفيروساتِ, والبكتيريا المُضرة بأهالي عنبتا بشكلٍ عامٍ, وبأطفالِها بِشكل خاص نفاياتُ المصانع المقامة على ضفاف الوادي من الأسبابِ الكامنةِ وراء انتشار مرضِ السرطانِ بين سُكان بلدة عنبتا".
رائِحةُ الموتِ تجاورُ عنّاب
غَادرنا عنبتا حوالي السّاعة الثامنة والربعِ صباحاً, المركبةُ دَحرجت بنا يميناً ويساراً, فوضعُ الطرقات في عنبتا َسيءٌ جداً, بالقربِ من مستوطنةِ عنّابَ أُنشئَ, رائحةُ الدّمِ, وقطعُ الجلودِ هنا وهناك, مَشهدٌ لا يُجبركُ إلا على القيءِ, استقبالٌ بملامحَ صامتةٍ وكأنّها تُحادثك "حلّوا عنّي,مش وقتكم ".
دَخلنا المصنعَ, لم نستطع تَحمّل الرائحة, فطلبنا منهُ الجلوسَ بعيداً عن المصنعِ, تحتَ شجرةٍ عابسةٍ تُشبه ملامِحه بدأنَا حديثنا, و سُطوعُ الرائِحة ما زال, أسئِلةٌ عِدةٌ وهروبٌ من الإجابةِ بطريقةِ الذمِّ.
بترخيصٍ مُنذ زمن الأردن أُنشِئَ المصنعُ في الأربعينياتِ على يد نبيل يعقوب بتمويلٍ ذاتيٍّ, بسبعةِ موظفين, وعددُ ساعاتِ عملٍ يتجاوز أو 7 ساعاتٍ.
8 سنواتٍ في صناعةِ الجلودِ, مَوادٌ كيميائيةٌ سامّةٌ رُمِيت في الاسكندرون كانت مسبِّباً قوياً لما آل إليه الوادي, فيما بعد توقفتِ الصِّناعةُ بحسبِ كلامهِ لرداءة المنتجِ نوعاً ما, والتكلفة المرتفعةِ.
وحولَ كيفيةِ التخلصِ من نفاياتِ المصنع تحدثَ صاحبُ المصنع راتب يعقوب "تقومُ بلديةُ عنبتا بجمعِ النفاياتِ, ومن ثمّ تُرسله إلى مكبّ زهرةِ الفنجانِ في جنين ".
كمال حمد (45)عاماً موظفٌ منذ عشرينَ سنةٍ في المصنع, ينحدر من قرية رامينَ, يُعاني من مشاكلَ صحيةٍ في رجلهِ, ومع ذلك يَحني ظهره لساعاتٍ طويلةٍ مستنشقاً رائحة الروثِ, نطق بعضاً من الكلماتِ, وغادر قائلاً "الله يخلف عليكم ما عندي غير هالشغلة,دورولكم على حدا تاني ".
توجّهنا إلى بلدية عنبتا للحصولِ على معلوماتٍ عن المصنعِ بعد طردنا من قبلِ صاحبه لاستفزازه, فكان ردُّ المديرِ التنفيذيّ لبلدية عنبتا تحسين عبدالدايم (54) عاماً "بالنسبةِ لمصنعِ الجلود فهو خارجُ حدودِ بلدية عنبتا, لأنه تابعٌ لمنطقة c".
في 2004تمّ الاحتجاجُ على مصنعِ الجلود, ومصنعُ إعادةَ تكرير الزيوت في سهلِ دير شرف, تمّ إغلاقُ مصنع تكرير إعادة الزيوت لشهرينِ, لإعطائه وعوداً واهية بحلِّ المشكلةِ والنتيجةُ نفسها.
الاسكندرون(وادي الزومر) مشكلةٌ منذ التسعينياتِ, فمنذ قيامِ السلطةِ الوطنية الفلسطينيةِ في عام 1994أخذت على عاتِقها تقليصَ المعاناةِ من خلال البحث عن تمويلٍ للمشروع, وتمّت الموافقة من بنك التنميةِ الألماني عام 1996 لتمويله بقيمةِ 7 مليون دوﻻر.
يقولُ محافظ طولكرم جمال سعيد "معيقاتُ الاحتلال التي شملت عدم السماحِ بإقامةِ محطة تنقيةً غربَ مدينة طولكرم, وكذلك الضغطُ لربطِ المستوطنات بالمشروع, وهذا ما تصدّت له السلطةُ, وعارضته بشدةٍ, فالمشروعُ يقع في منطقة (c)ويجبُ أن يكون هناك موافقةٌ إسرائيليةٌ مُسبقاً لتنفيذِ المشروع, وتمّ القيامُ بعملِ مخططاتٍ كاملةٍ, وعلى إِثر الُمماطلةِ, وطُول المدّة المُنتظرة ارتفعت تكلُفة المشروعِ, كما توسّعتِ الرؤيةُ للمشروع ليربِط كلّ التجمعاتِ المحيطة ".
ألمانيا مرةً أخرى
عاد البحثُ مُجدداً عن تمويلٍ من الجانب الألماني لكن للأسف لم يبدأ المشروعُ, وتعطّل نتيجةَ لوقفِ المفاوضاتِ وتعثُرها, والعقوبات التي تعرضَ لها الشّعبُ الفلسطينيُّ نتيجةً للموقف الوطنيّ الشّجاعِ الذي وقفه الشّهيد ياسر عرفات, ممّا أدّى إلى انطلاق الانتفاضةِ الثانيةِ عام2000 وتعطُّلِ المشروع, وبقيت المعاناةُ.
تمَّ تحريكُ هذا الملفِ بعد عامِ 2007 ليُشكَّلَ مجلِساً للمشروع من كل رؤساء البلدياتِ والمجالسِ المستفيدة, وجرى التفاوضُ مع الجانبِ الألمانيِّ من قبل السلطةِ والمجلسِ, ليتمّ تمويلُه بمبلغِ 40مليون دوﻻر, حيثُ بدأ تنفيذ المشروع بداية2013 , وسينتهي مع نهايةِ 2014.
يقول سامي داوود مديرُ مجموعةِ الهيدرولوجيين الفلسطينيين "قُمنا بتنظيفِ الوادي حتّى مسافةِ 7 كيلو متر, ثمّ توقفنا لعدمِ كفايةِ التّمويل الماديّ من الجانبِ الألماني".
ويضيفُ داوود "عَملنا بكل جهدنا على توعية النّاس المقيمين بالقربِ من الوادي من مخاطرِ بقائِهم في تلك المنطقة, وتوزيعِ منشوراتٍ تحذرهم من أضراره ".
طولكرم والزومر
للدخولِ إلى تفاصيلِ الموضوعِ بشكلٍ أكبرَ توجّهنا إلى نائبِ رئيس بلديةِ طولكرم سليمان خليل فقال "دأبتِ البلديةُ بكافّة مشاريعها مع الجهات المانحةِ, والسلطةِ الوطنية الفلسطينية وسلطة جودة البيئة, والحكمُ المحلي لإنهاءِ هذه المشكلةِ البيئيةِ في طولكرم, فجاءِ مشروع وادي الزومرِ للتخلصِ من المياه العادمةِ, والموادّ السامة التي تأتي من المحاجرِ, ومصانعِ البطّارياتِ, وتصُبُّ فيه فتمّ إنشاءُ محطةِ تنقيةٍ للمياهِ غرب بيت ليد بهدفٍ التخلّصِ من ضررِ المياهِ العادمةِ, ومعالجتها ليُعاد استخدامُها في الزراعة".
هدفُ المشروعِ هو ضمُّ أكبر قطاعِ سكانييٍّ يستفيدُ منه من مخيّمِ نور شمس حتّى أقصى بيتٍ في شويكة, حدثَ خلافٌ مع الممولين على الحجمِ والِّسعة, وبعد عقدِ اجتماعٍ معهم كانت هناك نيَّة للموافقة عليه.
أسسّت بلدية طولكرم وحدةَ المسؤوليّة الاجتماعية داخلها بإدارة تمام الزرعي, والتي وضعت على رأسِ مهامّها حلّ مُشكلة الوادي , حيث أنّ بلدية طولكرم هي أولّ بلدية تؤسّس هذه الوحدة.
"مثلما قُمنا بإزالة مكبيّ نفاياتِ فرعون وعنبتا, سنعملُ على التخلّص من مضارِّ وادي الزومر, فنحنُ معنيّين أن تكونَ مدينة طولكرم بيئة نظيفة خضراء".هذا ما أنهى به سليمان خليل حديثه.
تحليلٌ للنكبةِ
يقول المهندس الدكتور في جامعة النجاح حافظ شاهين "ما حدثَ العام الماضي من فيضاناتٍ يتكرر حسب الدراسات الاحتماليةِ مرةً كلّ 10 سنوات أو 12 سنة, لكن فلسطين تتعرض لأمطارٍ بنسبٍ مختلفة, ويحدث أيضاً أن تسقطَ أمطارٌ بغزارة مسببةً كوارثَ".
ويضيفُ شاهين " الأصلُ في بداية كلُ موسمِ مطر أن يتِّم تنظيفُ الوديان من بقايا الأشجار, والأوساخِ التي تتجمعُ في فترة انقطاع المطر حتى يمُرّ المطر دون مشاكل".
عندما كان حافظ شاهين نائباً لرئيسِ شؤون التخطيط والتطوير في بلدية نابلس, كان يُلاحظ معاناةً في بدايةِ كلِّ موسمٍ, فرقُ الصّيانة تنزلُ لتنظيف العبّارات, ومآخذ المياه, فبعد سقوط ِالمطر تتراكمُ بعضُ النفايات من النايلون والأوراق, وتؤدًي إلى انسداد المآخذ مما يسبًب تراكمَ الأمطاِر, فالأصل أن يكون هناك موظفين مداومين, لكن لا تستطيعُ أي هيئةٍ محليةٍ أن تُتابِع ذلك, بعضُ المواطنين يقومون بإزالةِ النّفايات وأوراقِ الشّجر, ممّا يُساهم في عملية التّصريف الجيد تماماً, وتَفادي الانسداداتِ.
يشير شاهين مع تحّول الريف إلى مدنٍ حضاريةٍ, وزيادةُ نسبةِ الشوارع, والأبنيةِ, فإنّ نسبةَ ما يتصرّف من الأمطار يزداد, فتعملُ العبّاراتُ بكفاءةٍ وسعةٍ أقل, فيُطلبُ هنا إعادةُ الدِّراسة والتصاميمِ.
وادي الزومرِ يُعاني مِن أكثرَ من مشكلةٍ, وهي جريانُ المياه العادمة فأكثرُ من نصفِ مدينةِ نابلس تصبُّ به ممُا يؤدي إلى مشاكلَ عديدةٍ.
بعد إِنجازِ محطّة تنقية المياه غرب نابلس, والخطّ النّاقل الذي أُنجِز قبل ستة أشهرٍ, وافتُتِح مؤخراً, وبعد طرح العطاءِ له قبل سنتين, سيؤدي إلى منعِ جريان المياه العادمة إلى الوادي دون معالجةٍ, وتصريفُ جزءٍ كبير من المياه المتجمعة في مدينة نابلس في المواسير والعبارات, باتجاه محطة التنقية لتجري المياهُ المعالجةُ دونَ إحداثِ الفيضانات.
يقولُ المديرُ التنفيذي في بلدية عنبتا تحسين عبدالدايم " تمّ العملُ على مدّ خطوط مجاري من بيت ليد, ورامين بعد اعتراضات عديدة على المشروع, وكفر رمان و كفر اللبد, وعنبتا شبه جاهزة وبمجرد انتهاء العمل منه ستصبح المياه نظيفةً".
في تاريخ 10/11/2013 تم الاجتماعُ مع مجلس بلدية عنبتا ووزارة الأشغالِ, والحكم المحلي, وكان لهم جولةٌ تفقدية للأودية فوادي الكلبة حاليا يتم العمل به, أما عند مفرق بلعا فالعمل جارٍ لمدِّ خطوط ناقلةٍ.
أُنهيَ العملُ بالمرحلةِ الأولى تقريباً, وهي تشغيلُ محطةٍ للتنقيةِ بسهل بيت ليد, والمرحلة الثانية تكتمل بتشغيل محطة التنقية غرب الخط الأخضر كبدايةٍ نتيجةَ عدم وجودِ أراضٍ ملائمة في منطقة طولكرم, وكذلك لارتفاعِ التكلفة التشغيلية للمحطة, ووجود المشكلة السياسية التي تعطله.
دير شرف والتنقية
ذَهبنا إلى دير شرف لرؤية صاحبِ مصنعِ إعادةِ تكريِر الزيوت, لكن قُوبلنا بالرفض المطلق, فتابعنا َسيرنا حتى وصلنا محطة تنقية المياهِ في سهل دير شرف, وفعلاً جميع مياه مدينة نابلس قبل جريانها في وادي الزومر يتم تنقيتُها.
وعودٌ من هلالٍ إماراتيًّ, ومناشدةٌ كبيرةٌ من رئيسِ بلدية عنبتا على جميع محطاتِ التلفزيون, وفي معظم الصحفِ الفلسطينية لإنهاء مشكلة الوادي التي عمّرت طويلاً, لكن من ينتظرُ الوعود سيعضّ أصابعه ندماً.
آمال بشتاءٍ يمر بلا كوارثَ, وتوقعاتٌ بحدوثِ أضرارٍ إذا جاءت كمية الأمطار كما في العام الماضي, ونبقى نتساءلُ "لو مّر وادي الزومر من جانب أحدِ بيوت المسؤولينَ هل سُيماطِل بحلّه "..لا أظن !.