بقلم: أيمن هشام عزريل
تعد ظاهرة البطالة هدراً كبيراً لطاقات المجتمع البشرية العاطلة، التي تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الاقتصاد الوطني، لذا تمثل قضية خلق فرص عمل جديدة إحدى التحديات الرئيسية التي تحتل أولوية الصعوبات، التي تواجه سوق العمل، مما يتطلب المزيد من الاهتمام بوضع السياسات اللازمة لمعالجة هذه الظاهرة، والحد من تفاقم معدلاتها، ومحاولة تخفيض نسبتها.
تعاني أغلب الاقتصادات العربية من مشكلة تفاقم ظاهرة البطالة، وبشكل متزايد، مما أثر سلباً على معدلات النمو الاقتصادي لديها، وسجل حالات غير قليلة من الفقر، وتدني مستويات المعيشة بالنسبة للسكان، فتحولت بذلك من بلدان منتجة إلى بلدان غارقة في الديون الخارجية، حيث تمثل ظاهرة البطالة موضوعاً هاماً في النقاشات، ولكن معناها الحقيقي لا يعرف دائماً بوضوح، والتعريف الرسمي للبطالة وفقاً لمنظمة العمل الدولية هو "حالة الفرد المتعطل في الوقت الحالي، والذي يبحث عن عمل نشيط لفترة من الزمن يتفق عليها الموظف ورب العمل" وتعتبر ظاهرة البطالة بأشكالها المختلفة أحد المؤشرات الأساسية لتخلف اقتصادات البلدان النامية.
إن أسباب شيوع ظاهرة البطالة في البلدان النامية والعربية على وجه الخصوص، تعود إلى العديد من الأسباب التي من أهمها، عدم كفاية عناصر الإنتاج المكملة لعنصر العمل في العملية الإنتاجية كالأرض، ورأس المال، والتنظيم التي بتكاملها يمكن أن تتحقق وتستمر العملية الانتاجية، مما يتعذر معه توفير فرص العمل المنتج للطاقة البشرية الفائضة عن العمل، أيضاً تعذر وجود فرص العمل البديلة خارج القطاع الزراعي، وخصوصاً بالنسبة للقطاع الصناعي، الذي استبدل العمل الالي محل العمل اليدوي، إضافة لحاجة القطاع التجاري لرأس المال النادر، ناهيك عن أن القطاعات الإنتاجية عموماً في البلدان العربية تتصف بمحدوديتها وبطء نموها، مما ينتج عنه ضعف قدرتها على استيعاب فائض العمالة الذي يكون مضطراً إلى اللجوء إلى القطاع الزراعي أو بعض النشاطات الخدمية، كذلك ارتفاع معدل نمو السكان خلال فترة السبعينيات والثمانينيات مما أدى الى ظهور كثير من الشباب الذين يبحثون عن العمل.
ندرة الأيدي العاملة النادرة، والكفؤة، مما تعذر معه استبدال مثل هذا النوع من العمل محل العمل غير الكفوء، مما أدى الى ارتفاع كثافة العمل غير الماهر وسيادته في وحدات الإنتاج، ومن ثم ظهور البطالة المقنعة، كالاعتماد على الهجرة كمصدر رئيس لتوليد العمالة من جانب البلدان المصدرة لليد العاملة، وكمحرك لبناء الهياكل الأساسية، من جانب البلدان المستوردة لليد العاملة، وعندما انتهت الحاجة لاستيراد العمالة وحلول الآلة محل اليد العاملة شاعت البطالة في البلدان المصدرة والمستوردة.
عانت بعض البلدان العربية من الآثار المباشرة وغير المباشرة من الحروب والمشاكل السياسية، وخاصة خلال العقود المنصرمة، فعملت أغلب تلك البلدان الى زيادة حصة الانفاق العسكري على حساب الانفاق الاستثماري مما شكل عوزاً كبيراً في حاجة تلك البلدان إلى المشاريع الاستثمارية، التي تستقطب الزيادة الحاصلة في الأيدي العاملة، وخاصة بين فئة الخريجين الجدد فتفاقمت ظاهرة البطالة نتيجة لذلك.
كان من الآثار السلبية التي نتجت عن كثرة الحروب والمنازعات أو حالة عدم الاستقرار الاقتصادي، زيادة عدد السكان المهاجرين للبلدان العربية الأخرى وخاصة لدول الخليج وسوريا، والأردن، ومصر بحثاً عن الاستقرار، والأمان النفسي، والاجتماعي، والاقتصادي، فأدت تلك الهجرة إلى زيادة مستوى عرض قوة العمل في أسواق تلك الدول، وخاصة في قطاع الخدمات فشاعت ظاهرة البطالة فيها.
لذا لا بد من توفير الأمن والاستقرار من قبل الجهات المعنية بذلك، ووضع استراتيجية تهدف إلى الإصلاح الاقتصادي القائم على رفع معدلات النمو، مع زيادة في الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط الدخل الفردي، والحد من هجرة رؤوس الأموال وتشجيع الاستثمارات العربية والأجنبية التي لا تهدد أي مصلحة وطنية، كذلك ضرورة تحويل الجامعات إلى مؤسسات إنتاجية تستوعب قسم كبير من طلابها في منشآتها من جهة، وتتبع نظام تعدد الاختصاصات، وإنشاء صندوق يسهم بتمويله أطراف وطنية وإقليمية يقدم المنح، أو القروض ذات الآجال المتوسطة، كما ويسهم في دعم المشاريع الحرفية الفردية والجماعية الصغيرة، إعادة النظر في سياسات التدريب المهني، والفني لمختلف مراحله، وخصوصاً في هذه المرحلة - مرحلة إعادة الأعمار، من أجل أن تتلاءم تلك المخرجات مع متطلبات سوق العمل، وتنظيم ورش عمل محلية عن البطالة في سياق تنمية الموارد البشرية، تتضمن جمع معلومات عن أسواق العمل، وتقديم مقترحات لمعاجلة الاختلالات الهيكلية في تشغيل العاطلين وضع خطط مستقبلية لذلك، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، بتنشيط، وتوسيع المسؤولية عليها، لخلق فرص عمل، وتوليد وظائف تخفف من حدة البطالة والفقر، محاربة الفساد الإداري والمالي، الذي أصبح بشكل أحد معوقات التنمية الشاملة.