مرح منى و حنين حلاوه- نابلس-

على بعد أمتار من دخولك البلدة القديمة في مدينة نابلس، ستسحرك رائحة تفوح من مكان بعيد، وستتسلل الى أعماقك، وستفتح شهيتك لتناول الحلوى التي تنبعث منها تلك الرائحة الشهية، وسيأسرك مذاقها اللذيذ الذي لن تستطيع مقاومته، وستتمنى أن تأكل المزيد منها دون كلل أو ملل.

نابلس المدينة الفلسطينية التي تشتهر بالعديد من الصناعات والتي تنفرد بها عن بقية المدن الفلسطينية, و بالأخص صناعة الحلويات, تميزت وانفرد بصناعة الحلاوة القرعية و المعروفة في مدينة نابلس باسم "حلاوة وزلابية", والتي تعد حلوى شعبية صباحية شهيرة لأهالي المدينة متوارثة عبر الاجيال منذ القدم.

رأيتهُ سَحراً يقلي ... زلابية في رِقة القشرِ ... و التجويفِ كَالقَصبِ بهذه الكلمات بدأ صاحب محل حلويات البيروتي السيد حربي التيتي حديثه، مفتخراً بمهنته التي جعلت الزبائن تتوافد اليه من مناطق مختلفة داخل مدينة نابلس و خارجها.

يقع محل البيروتي في شارع النصر الشرقي قرب جامع النصر وبالقرب من المكان يوجد صبانة النابلسي ويقع في الشرق ساعة المنارة التي تتوسط منطقة باب الساحة في البلدة القديمة التي تعد جزء من التراث النابلسي العريق ويعود تاريخها الى الفترة العثمانية في فلسطين.

ويضيف السيد حربي "محلنا اشتهر بالحلويات منذ مئتي عام، وتعلّمتُ الصنعة عبر عدة عقود من والدي الذي كنتُ أرافقه للذهاب الى المحل مما ولد لديّ شغفاً وحباً لمعرفة الكيفية التي تصنع بها الحلوى اللذيذة التي كانت افطاري الصباحي المفضل لأكبر وتكبر معي مهارتي التي اكتسبتها منذ الصغر من والدي, ولتصل المهنة  الى ولدي أدهم الذي يتقن الصنعة رغم انه لا يتجاوز 22 عام".

يقول السيد أدهم التيتي أنه يفضل طبخ الحلاوة والزلابية أمام الزبائن ليعطيهم إنطباع ان العمل مستمر وليجذب المارة من خلال ضجيج الآلات، وليثير فضولهم ويتقدموا بضع خطوات الى داخل المحل ويتخذوا قرار الشراء.

ويضيف أنه ليس لديه مانعاً من أن يرى أحداً طريقة صنع الحلاوة والزلابية, مشيراً الى أنه ليس بالسهولة اتقانها حتى لو رآها المارة.

 ويكمل حديثه وهو يحدّق برغيف الزلابية، أن كثيراً من الزبونات كن يأتين لسؤاله عن طريقة صنعها, كونهن يفضلن صنعها في المنزل, لكن غالباً لا يتقنّ صنعها ولا يحصلنَ على نفس المذاق الذي يتذوقنه عندما تكون من صنع الحاج حربي التيتي, كونه أكثر من يتقنها بخبرته الطويلة وحبه لهذه المهنة, التي يبدو انها احبته كما أحبها.

يداعب السيد حربي العجينة كطفلة مدللة, ويلقيها في الهواء الطلق لتعود سلسة بين يديه التي ترى التجاعيد في ثناياها لتحدثك عن الخبرة المتوارثة.

ويذكر السيد أدهم "رغم صغر سنّي، اتقن صنع الحلاوة و الزلابية الّا أنّ لِنَفَسِ والدي وخبرته الطويلة مذاق آخر, يجذب الزبائن وحتى جيران المحل تتلهف مُهرْوِلة لتناولها ساخنة فور صنعها".

ويضيف السيد حربي أنه يخصص الفترة الصباحية لصناعة الزلابية, بينما تأخذ صناعة الحلاوة عدة ساعات, حيث يحضر قرابة 50 كيلو للبيع يومياً, كما يكثر شراء هذه الحلوى في الشهر الكريم, حيث يتناولها الصائم كحلوى خفيفة بعد الافطار.

ويشير الى ان اهل نابلس القدماء كانوا يتخذونها كهدية ثمينة عند زيارة أقربائهم, وحتى المسافرون يشترون كميات منها وياخذوها معهم الى الدول المجاورة كهدية لأقربائهم الذين يشتهونها كونها غير متوافرة في بلدانهم لأنها غير معروفة في كل المناطق.

ولا يقتصر محل البيروتي على صناعة الحلاوة و الزلابية, وإنما يصنع أيضاً حلاوة محشية بالمكسرات و الحلاوة الشعرية, وعلب الطحينة المصفوفة بطريقة منتظمة توحي برتابة المكان, وحرفية الصانع.

و يختتم السيد حربي حديثه وهو يفرك لحيته الخفيفة، أنه يخصص يومي السبت والخميس لصناعة قرابة 120 كيلو من الطحينة والحلاوة الشعرية, و يمكن أن تزيد هذه الكمية حسب طلب الزبائن و المحلات التي تشتري منه كميات كبيرة لبيعها في محلاتها الخاصة.

الحاجة أم أحمد تبلغ من العمر60 عاماً تقول أنها تأتي من قرية حوارة وتقصد محل البيروتي بشكل دائم لتتذوق الحلاوة والزلابية ولتشتريها لأبنائها وأحفادها لأنها تعد الحلوى المفضلة بالنسبة لهم، مؤكدة أنها لم تتذوق حلوى ألذ منها في أي مكان آخر.

 الشاب رائد من سكان مدينة نابلس يبلغ من العمر 20 عاماً يقول "أذهب برفقة أصدقائي باستمرار لتناول الحلاوة والزلابية،  ليمتزج حلو مذاقها بصوت ضحكاتنا ونحن نتجول في أرجاء المدينة، فهذه الحلوى بالذات لها مذاق طيب وبامكانك ان تحملها معك وتأكلها وأنت تتجول دون الحاجة للجلوس".

 تصوير : حنين حلاوه.