كنت ممن توقع فوز فيلم "12 عاماً من العبودية" بجائزة الأوسكار 2014، فيلم مبني على سيرة ذاتية "لسليمان نورثوب"، هو شخص أسود حر يتم اختطافه في واشنطن سنة 1841 ويباع إلى العبودية، سليمان عمل كعبد 12 سنة في إحدى المزارع في ولاية لويزيانا قبل أن يطلق سراحه، الفيلم من إخراج "ستيف ماكوينهي". كثير من الأفلام في سنوات مختلفة تحدثت عن قضية العبودية لكن هذا الفيلم قدم أسئلة جديدة للتفكير بها بمفهوم العبودية والحرية.
العلاقة جدلية بين السيد والعبد، نجد هيغل في كتابه "ظاهرة الروح" يطرح جدلية هل السيد من صنع العبد نتيجة لسلوكه العبودي أم العبد من صنع السيد نتيجة لاستبداده؟ هيغل كان يرجع مشروعية السيادة الى السيد الذي يمتلك الشجاعة ويخاطر بماله وروحه والعبد الذي يرضى بالخضوع الى ظروفه. سأحاول النظر الى واقعنا من منظور السيد والعبد كما أراها في بنية مجتمعنا في الوقت الحالي، بالتأكيد لن أستطيع رسم الواقع كاملاً لكن هذه محاولة للتفكير!!
في الزمن الحالي، مفهوم السيد يأخذ أشكالاً مختلفة عن السياق التاريخي للكلمة على الرغم من وجود السيد في مختلف مراحل التكوين الفلسطيني، لكن هناك علاقة واضحة بين السيد والآخر الذي ليس بالضرورة أن يكون عبداً بما تحمله الكلمة من معنى، مع الأخذ بعين الاعتبار وضوح العلاقة بينهما في الماضي كنوع من الأدوار الوظيفية في كينونة وبنية المجتمع.
في هذا الزمن لا وضوح للعلاقة مما يشكل عدم معرفة في أي نوع عقوبة سيتم إسقاطها عليك_ بحق أو دون حق_ وربما كان الحق بأن تقوم أنت بمحاسبة من تريد ضمن مفهوم المواطنة التي بدأت بالأساس تتآكل مع شرعنة الأسياد بأنهم أسياد.
في حالتنا الفلسطينية تجد عبدا لسيد ليكون سيدا لعبيد_ ما بقصد حد معين، بقصد الكثيييييييييير_ في مختلف القطاعات، وتجد هذه الحالات من حيث الفعل ذاته أو انعكاسات فعل الفعل، بالتالي يتم خلق أبوية مضطهدة تريد أن تخلق لنفسها صورة السيد لأنه بالأصل فاقد التواصل مع حيزه ودوائره المختلفة بسبب أخلاقه التي لا ترتقي بالأصل لمفهوم الإنسان أو المواطن، بالتالي يريد أن يعوض فقدانه للكثير من الأخلاق أو المعرفة وحتى التعليم، لهذا تلد ذاته ذاتا فوقيه.. متعالية.. متكبرة... جائعة للمنصب... مدمرة لمن حوله من أجل الحفاظ على كينونته بمصالحها المختلفة.
الأمثلة على الفقرة السابقة تجدها في الدوائر المحيطة بنا من الشارع، التلفاز، المؤسسة "الحكومية، الخاصة، الأهلية" وأيضاً في العائلة النووية أو الممتدة. فنجد بأنه أصبح للمرافق مرافقون!! قرارات دون مرجعية فقط لأنه من جماعة س أو ص بمبررات لا معنى لها فضفاضة!! عدم محاسبة س رغم ثبات التهمة بالدليل القاطع لأنه عبد عند السيد والسيد علينا ينفذ سياسة سيده!! الانتقائية في الفعل أو عدمه بما يضمن تنفيذ رؤيته هو من أجل ضمان عدم مزاحمة أي عبد يريد أن يكون سيدا على الآخرين بخنوعه الكامل، لسيد يقدم له امتيازات تجعل منه سيدا على الآخرين، حتى في الأسواق التجارية المتنوعة تجد في المطعم مثلاً مسميات تعزز بيئة ولادة علاقة السيد والعبد والعبد السيد "كبير الخدم". لن أدخل في أمثلة أخرى حتى لا يتم الاتصال بي من عبد يقول لي أنا سيد الأسياد، يا سيدي إنت على راسي من فوق وخرابيش سعادتكم ترسم مستقبلنا!!
تم خلق بيئة خاصة للعبيد وهذه البيئة ليس بمفهوم الحيز المكاني كما كان في القرن الماضي بإنشاء حظائر خاصة للعبيد، أو كما كان الاستعمار في جنوب إفريقيا بصناعة "الغيتو". في بيئتنا الفلسطينية تعتمد هذه البيئة بالأساس على نظرية العصا والجزرة من جانب والعولمة الاستهلاكية من جانب آخر، فأنت يجب أن تكون كما يريد الأسياد وإلا سيتم طردك من "ملكوتهم" فتشاهد بسبب الجوع العصا أنها الجزرة، ولتكتشف مع الوقت بأن ما هو مربوط بين العصا والجزرة عبارة عن ديون، قروض، مواد مستهلكة على الرغم بأنك أنت من استهلكتها وباختيارك، إلا أن ذلك كله يصب في محصلة مصلحة السيد!! والسيد هنا يستخدم مبررات مختلفة لتبرير استخدامه العصا ولتبرير أن علاقة السيد والعبد مبررة أخلاقياً، وطنياً، دينياً اقتصادياً، ثقافياً.
وعودة لفيلم " 1 عاما من العبودية" نجد السيد يؤمن بأن الحق في إساءة معاملة عبيده مقررة في الإنجيل، ويشجع العبيد على قبولهم واقعهم المعاش من خلال قراءة آيات الكتاب المقدس المؤيدة للعبودية. ويطلب السيد من كل عبد أن يجمع على الأقل 90 كيلوغراما من القطن في كل يوم وإلا تعرض للجلد!! ما مدى اقترابنا من هذه الحالة ؟؟ عزيزي القارئ أترك الجواب لك سواء كنت سيداً أو عبداً أو الاثنين معاً!!
للتواصل:
بريد الكتروني mehdawi78@yahoo.com
فيسبوك Rami Mehdawi