نابلس-أصداء-هديل أبوشهاب
في محل متواضع يطغى عليه الشكل التراثي وسط بلدة روجيب شرقي نابلس، يجلس الحاج صبري دويكات بكوفيته المميزة، يتشبت بحرفته التقليدية التي توارثها عن اجداده، وهي صناعة "مكانس القش".
عند الوصول اليه يستقبلك بوجهه البشوش، فيما يديه القويتان تمتشقان أعوادا من القش تتحولان بدقائق معدودة، الى مكنسة قش، ذات شكل خلاب، تجد مكانها في مخزن المحل باشكال متنوعة.
الحاج صبري دويكات المعروف بأنه خبير بصناعة "مكانس القش" يتوجه مبكرا إلى ورشته التي تعود إلى أعوام السبعينات، التي أضحت علما لكل المهتمين، بعدما أغلقت غالبية المحال والورش في البلدة التي كانت مشهورة بصناعة القش.
كانت روجيب تحتضن حوالي ثلاثين ورشة لانتاج " مكانس القش" ، والان تكاد تكون نادرة، وأضحى أهالي البلدة يطرحون استفهاما هل اقترب موعد إغلاق أخر محل لمكانس القش في روجيب؟
منذ أكثر من 30 عاما والحاج صبري دويكات من بلدة روجيب شرقي نابلس يعمل في صناعة مكانس القش التقليدية، ويشرف على ورشة يعمل بها ثلاثة عمال ينتجون نحو 100 مكنسة يوميا تسوق محليا.
وخلال حديثنا معه في ورشتنا التي تعود إلى حوالي "أربعين عاما" قال ل "أصداء" :"تعلمت صناعة مكانس القش من والدي، منها كونت أسرتي البالغة خمسة أفراد وسأبقى أعمل بها ما دمت قادرا على العمل.
ويضيف:" المهنة تراجعت كثيرا، وقاربت على الاندثار مع قلة الطلب عليها في ظل تطور وصناعة مكانس حديثة وسهلة الاستخدام، حيث أن هناك العديد من الورش تم إغلاقها من قبل أصحابها.".
ويشير دويكات إلى إن هناك أكثر من ثلاثين ورشة لصناعة مكانس القش كانت توجد في بلدته، أما اليوم لا يوجد سوى اثنتين. موضحا بأن الزراعة المحلية كانت تسد حاجة الصناعة إلا أنها تتراجع بشكل مستمر.
وتسوق منتجات محل الحاج صبري بأسواق الضفة، مشيرًا إلى أنه كان يصدر منتجاته إلى الأردن إلا أن الاحتلال منع التصدير منذ العام 1990 مما قلل فرص التسويق للمنتوج.
ويستخدم دويكات أدوات بدائية بسيطة مكونة من "مسلة، وقالب، وجيانة، وخيطان"، وكلها عبارة عن أدوات يدوية.
ويقول نافذ سليمان أحد العاملين في الورشة:" أعمل منذ ما يقارب 30 عاما بهذه المهنة، إلا أنها ليست الدخل الوحيد لي بسبب تدني الدخل المجني منها.".
ويضيف انه قديما كانت صناعة "مكانس القش" تعيل حوالي 1000 شخص في البلدة أما اليوم لا تعيل سوى عائلتين.
ويرى الباحث محمد رواجبة أن صناعة "مكانس القش" تعاني من التراجع المستمر، حيث من المحتمل في السنوات القادمة أن تندثر في ظل وجود وصناعة منتجات حديثة مستوردة في غالبها من الصين، إلا أن الحاج صبري يصر على التمسك بالصناعة ويعدها جزءا من حياته اليومية.
ويضيف "لقد كان في فلسطين قديما مئات المصانع لصنع هذه المكانس حيث الإنتاج الوفير والإقبال الكبير عليها من قبل ربات البيوت، وهذا المحل في روجيب كان واحدا من هذه المصانع التي تم إنشاؤها في فترة السبيعينات، لكن هذا المصنع لم يتوقف عن إنتاج وصناعة مكانس القش حتى الان".
وخلال تجوالنا في بلدة روجيب التقينا بالحجة "خيرية دويكات" أحد النساء اللواتي مازلن يحافظن على هذه المكنسة بعملية التنظيف فتقول:" على الرغم من توافر العديد من أدوات التنظيف، وبأشكال وأنواع مختلفة وأهمها المكنسة الكهربائية إلا إنني لا أزال منذ سنوات طويلة أقوم بالتنظيف والتكنيس بمكنسة القش القديمة، حيث أقوم بشرائها من محل صبري. وتضيف:" كانت النساء الريفيات قديما يقمن بالتنظيف كل واحدة أمام منزلها باستخدام مكنسة القش حيث كانت تستخدم من قبل الجميع وكانت أفضل من المكانس الحديثة."
فيما تقول حجة أخرى تدعى "عزية بدوي" أن لا وجود أهمية لمكانس القش في هذه الأيام، أصبح هناك قلة من يستخدمها ووجودها في المحلات قليل جدا، وتضيف:" اليوم وبعد التطور الكبير أصبح الجميع يعتمد على المكانس الكهربائية، وأنا واحدة من هؤلاء."