بدأت الهندوسية على التوحيد، ثم ما لبثت شأنها شأن الكثير من الديانات أن انحرفت عن مسارها التوحيدي، نحو الوثنية والإشراك بالله، وقد بلغ تعدد الآلهة عند الهنود مبلغاً كبيراً، فقد كان عندهم لكل قوة طبيعية تنفعهم أو تضرهم إله يعبدونه ويستنصرون به عند الشدائد، كالماء، والنار، والجبال، وغيرها، وكانوا يدعون تلك الآلهة لتبارك لهم في ذريتهم، وأموالهم من المواشي، والغلات، والثمار، وتنصرهم على أعدائهم، وعلى هذا كثرت الآلهة عندهم كثرة زائدة، ونتيجة لهذا التصور عن الذات الإلهية صنعت الهندوسية للإله الألوف من التماثيل.
وطائفة البراهمة، وهي طائفة تعد من أكبر الديانات في الهند (برهما)، البراهمة هم قوم ينسبون إلى رجل منهم يقال له: (براهم)، وكانت تسمى من قبل الهندوسية(1)، وهم قبيلة في الهند، فيهم أشراف أهل الهند، وهم فرقة ضالة كانت تقوم بنفي النبوات، وأن وقوعها أمر مستحيل في حكم العقل، ويفضل البراهمة، إطلاق مصطلح (البرهمية) عليها، بدلاً من مصطلح الهندوسية، لأن الأول يدل على الأصل، وهو الذي ورد في النصوص المقدسة عندهم، فليس هناك أي ذكر لهندي أو هندوسي، ولأن الأخير يشمل كل ما في الهند الحديثة والقديمة من الأديان.
هي أحدى الديانات الكثيرة المتعددة في الهند، وهي ديانة الهندوس، وبرهما هو أكبر إله يعبدونه في الهند، وللبراهمة كتاب مقدس أسمه الفيدا، وهم أصناف كثيرة، وفرق متعددة(2)، وهم الهنود ، عبدة النار، والعجل الذين جحدوا الألوهية، والرسالة، والأحكام، وما أكثرهم في زماننا(3)، وهم رجال الدين الذين يبينون أحكامه، ويزعمون أنهم خلقوا من رأس إلههم (براهما)، ولذلك كانوا أعلى الناس، لأنهم خلقوا من أعلى الإله، وهم في زعمهم خلاصة الجنس البشري، وعقله المفكر، ورأسه المدبر، لأن الناس عنوان ذلك كله، فهم علاوة الجسم(4).
الطبقات عند الهنود، أعلاها طبقة البراهمة، فهؤلاء يولدون مقدسين من بطون أمهاتهم، وكل ما عملوه فهو حق، لا تكتب عليهم سيئة واحدة طول أعمارهم، ولا يجوز أن تخالط طبقة عالية طبقة أخرى أسفل منها، فلا تأكلها، ولا تشاربها، ولا تجالسها، ولا يجمعها معبد واحد، فكل طبقة لها معابدها، ولا يجوز للطبقة السفلى أن تتزوج بأفراد الطبقة العليا، والمسلم عندهم يعتبر نجساً إذا مس طعاماً تنجس ذلك الطعام.
ويؤمنون بتناسخ الأرواح، أي أن الروح خرجت من الجسم ولا تزال لها أهواء، وشهوات مرتبطة بالعالم المادي لم تتحقق، أو أن الروح خرجت من الجسم، وعليها ديون كثيرة في علاقاتها بالآخرين لابدّ من أدائها، فلا مناص إذاً من أن تستوفي شهواتها في حياة أخرى، وأن تتذوق الروح ثمار أعمالها التي قامت بها في حياتها السابقة(5)، ويعني التناسخ أن الكائن يولد على هذه الأرض وعليها يموت، ولكنه عندما يموت هنا يولد في مكان آخر، وفي هذا المكان التالي يموت ثم يولد من جديد وهكذا، إلا أن هذه العمليات المتتابعة من الولادة والموت، والولادة من جديد، قد تستمر ما دامت دورات الحياة مستمرة، أي قد تدوم إلى مالا نهاية، وتبقى الروح بذلك تنتقل من جسم إلى جسم، أي من سجن إلى سجن، وما دام هدف الحياة الأسمى لدى البراهمية هو الخلاص الأبدي من هذا السجن، تمهيداً للاتحاد مع الروح الكبرى، فقد اعتقدت أن هذا الخلاص ممكن، إذا اقتلع الإنسان بالتزهد كل شهوات نفسه، حيث لن يعود فرداً جزئياً قائماً بذاته، بل يمكنه عندها، أن يتحد في نعيم أسمى مع روح العالم، ويخلص بهذا الاتحاد من العودة إلى الولادة من جديد، ويحقق هدف الحياة السامية(6).
وهناك فريق من الشعب الهندي، لا يدخل هذه القسمة التي يعتقد بها البراهمة، وهم المنبوذون، وهم الذين يقومون بالأعمال الحقيرة في المدن، وقد حال شأنهم دون اعتبارهم حتى بين الطبقة الدنيا، وهم الخدم، بل يعتقد من البراهمة أن بعض الحيوانات أشرف من بعض، وأن البراهمة مصرح لهم تكذيب جميع كتب الله المنزلة، وتضليل جميع الأنبياء والرسل، وينسبونهم إلى الشعوذة والتحيل والسحر.
التثليث عقيدة وثنية عرفته البشرية منذ غابر العصور، ذلك أن فكرة تعدد الآلهة ظهرت في البشرية عند أول انحراف عن عقيدة التوحيد الأصلية، ولقد عبد الناس آلهة شتى، وليست البراهمة هي الديانة الهندية القائلة بالتثليث، بل شاركتها البوذية(7)، إن البراهمة قالوا: إن كرشنه ابن براهما، وقالوا: إن كرشنه ابن الله، وهم يصورون آلهتهم بتماثيل، التثليث عند البراهمة كان عند أكثر الأمم الوثنية البائدة جاء فيها القول باللاهوت الثلاثي أو الثالوثي، وإذا أمعنا البصر إلى الهند نرى أن معظم وأشهر عباداتهم اللاهوتية هو التثليث.
البراهمة وهم من سكان الهند من الطوائف الكافرة، من أهل النار لا شك في ذلك، فمن معتقدات هذه الطائفة الضالة، أن الصيد حرام، وقتله محظور، وذبحه خارج عن الحكمة، ومن يقتل في بلادهم بقرة يقتلونه، ومن ذبح شاة أو دجاجة قتلوه وهجروه، فهم يعيشون على الألبان، والبيض، والحبوب.
لذلك فالحمد لله على نعمة الإسلام، هذا الدين الأغر الخاتم، فهو دين التوحيد الخالص لله رب العالمين قال تعالى: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }، الإخلاص: 1-4، فعلى المسلم دائماً أن يحمد الله تعالى ليل نهار على هذه النعمة الكبرى والمنة العظمى، إذ جعله من أهل التوحيد الخالص والدين الحق؛ فهو دائم الشكر على نعمة الإسلام لما لهذا الدين من خصائص وفضائل، قال سبحانه: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }، آل عمران: 85.
الهوامش:
1. القرآن الكريم.
2. الأشعري، أبو الحسن على بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبدالله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى، رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب، تحقيق عبدالله شاكر محمد الجنيدي، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، (1413هـ)، ط1-ج1، ص79.
3. الشنقيطي، أحمد بن محمود بن عبدالوهاب، خبر الواحد حجته، عمادة البحث العلمي بالجامعة العربية الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، (1422هـ)، ط1-ج1، ص111.
4. السبتي، عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن اليحصبي، أبوالفضل، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، دار الفيحاء، عمان، (1407هـ)، ط2-ج2، ص607.
5. محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد، خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه واله وصحبه وسلم)، دار الفكر العربي، القاهرة، (1425هـ)، ط1-ج1، ص12.
6. الخطيب، محمد أحمد، (2008)، مقارنة الأديان، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، ط1، ص403-404.
7. العودات، حسين، (1986)، الموت في الديانات الشرقية عرض تاريخي، دار الفكر، المطبعة العلمية، دمشق، ط1، ص68.
8. الدكتور عبدالقادر بن محمد عطا صوفي، أثر الملل والنحل القديمة في بعض الفرق المنتسبة إلى الإسلام، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، (1424هـ)، ط36-ج1، ص56.