مع توقف خدمات لجان العمل الصحي فيها..
فروش بيت دجن بلا خدمات صحية بانتظار تعيينات وزارة الصحة
تحقيق: إسراء غوراني
ما زال اسماعيل صادق من قرية فروش بيت دجن في الأغوار الوسطى يذكر كيف توفي ابنه محمد ذو التسعة عشر عاما بين يديه وهو يحاول نقله إلى أقرب مركز صحي، بعد إصابته بحالة تسمم قبل حوالي ثلاث سنوات، ومما يزيد من حرقة وألم أبو محمد أن وضع الخدمات الصحية ما زال على حاله في القرية منذ وفاة ابنه وحتى الآن، فالجهات الرسمية لم تتعظ ولم تحرك ساكنا لضمان عدم تكرار ذلك مع أي مواطن آخر، وفقا لما قاله.
ومما يزيد الطين بلة أن الخدمات الطبية التي كانت شحيحة على مدار سنوات توقفت الأسبوع الماضي نهائيا، وباتت الفروش خالية من أي خدمات طبية، بعد أن أنهت مؤسسة "Care" الدولية خدماتها المتمثلة بعيادة متنقلة تتواجد مرتين أسبوعيا في القرية.
بدأت حكاية أبو محمد عندما أصيب ابنه بتسمم غذائي، وبسبب عدم توافر أي خدمات صحية في فروش بيت دجن قام بنقله إلى قرية الجفتلك القريبة والتي أنشأت فيها الحكومة الفلسطينية مركز طواريء لمناطق الأغوار، إلا أنه فوجيء بأن المركز كان مغلقا، فانقطع الأكسجين عن دماغ المريض وتوفي على الفور، كما يروي أبو محمد.
أما أم أمين بشارات التي أصيب ابنها بحالة مشابهة قبل عدة أشهر، فقد استطاعت الطواقم الطبية انقاذه بعد نقله إلى نابلس التي تبعد مسافة 40 كيلو مترا عن فروش بيت دجن، وكان من الممكن أن يتوفى لولا لطف الله، وفقا لما قالته. وشكت ضعف الخدمات الصحية في فروش بيت دجن قائلة: "أصيب ابني بحالة تسمم وفقد وعيه، وبسبب عدم توافر عيادات، طلبنا سيارة اسعاف وقمنا بدفع مبلغ 250 شيقلا لنقلة إلى المستشفى في نابلس، وخلال العودة دفعنا مبلغ 250 شيقلا أخرى للتكسي التي أعادتنا للمنزل بسبب عدم توافر خط المواصلات باستمرار".
أم أمين التي حمدت الله أنه تم إسعاف ابنها قبل فوات الأوان تذمرت في ذات الوقت من ضعف الخدمات، مما تسبب في تأخر إسعاف ابنها، بالإضافة إلى أن الوصول إلى مراكز العلاج والإسعاف يكلفهم مبالغ مالية تفوق قدرتهم المادية كمزارعين بسطاء، ووضعت اللائمة على الحكومة بالدرجة الأولى التي لم تجد حلا حتى الآن لتقديم الخدمات الصحية الكافية في الفروش.
مركز طواريء مع وقف التنفيذ
من جهته أشار عماد اسماعيل منسق اللجنة المجتمعية في فروش بيت دجن إلى أن انعدام الخدمات الصحية من أكبر المشاكل التي تواجه أهالي المنطقة، وخاصة أن السكان والمزارعين بحاجة إلى خدمات صحية على مدار الساعة، ففي هذه المنطقة الزراعية يتعرض السكان بشكل دائم لحالات التسمم إما الغذائي أو بسبب استخدام المبيدات الزراعية، بالإضافة إلى التعرض للدغات الأفاعي والعقارب خاصة في أشهر الصيف، مما يجعلهم عرضة للوفاة في أي وقت في حال عدم إسعافهم وتقديم الخدمات الطبية لهم في الوقت المناسب.
وطالب اسماعيل وزارة الصحة بتوفير عيادة صحية بدوام كامل ويومي في فروش بيت دجن، بالإضافة إلى تفعيل مركز طواريء الجفتلك الذي أنشأته الحكومة لخدمة منطقة الأغوار الوسطى، لأن هذا بدوره يساهم في تخفيف معاناة أهالي المنطقة بأكملها، لأن أي شخص يحتاج لعلاج يضطر للذهاب إلى نابلس التي تبعد عن الفروش 40 كيلومترا، أو إلى أريحا التي تبعد 45 كيلو مترا، وهذا يكلف الكثير من الوقت والمال.
وفي هذا السياق أكد أن من أكبر المشاكل التي تؤدي إلى حدوث وفيات هو عدم توفر المواصلات باستمرار، منوها إلى أن الأهالي يضطرون في كثير من الأحيان لأخذ سيارة طلب ودفع مبلغ كبيرمن المال مقابل ذلك، كما يواجههم في ذلك الكثير من المشاكل، وخاصة أن أصحاب السيارات مزارعون منشغلون في أراضيهم.
يذكر أن مركز الجفتلك الصحي يعمل منذ ثلاث سنوات، وكانت الحكومة قد وعدت بتحويله إلى مركز طواريء يعمل من الساعة الثالثة عصرا وحتى الساعة العاشرة ليلا مع بداية العام الحالي إلا أنه لم يبدأ عمله كمركز طواريء حتى الآن، كما أنه من غير المعروف متى سيبدأ بعمله كمركز طواريء، وكل ذلك متوقف على تعيينات وزارة الصحة، لأن المركز بحاجة إلى طاقم طبي والمزيد من التجهيزات، وفقا لما قاله الدكتور جمال أبو سليم طبيب المركز.
كما أن الخدمات التي يقدمها المركز في الوقت الحالي لا تتعدى الخدمات التي تقدمها أي عيادة حكومية، ويتكون طاقمه من طبيب عام، وممرض، ومرشدة، وصيدلاني يعملون يوميا من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثانية ظهرا، بالإضافة إلى مختبر يقتصر دوامه على مرتين أسبوعيا.
تفاقم المعاناة
ومع توقف خدمات مشروع العيادة المتنقلة نهاية الأسبوع الماضي تضاعفت معاناة أهالي فروش دجن، حيث أشار علاء أبو السعود من لجان العمل الصحي إلى أن مشروع العيادات المتنقلة كان يخدم قرية فروش بيت دجن مرتين أسبوعيا على مدار 11 عاما منذ العام 2003، وكان يحضر الطبيب العام مرة أسبوعيا والطبيبة النسائية مرة أسبوعيا كذلك، وبموجبه يتم تقديم الأدوية للسكان بالمجان، وذلك بتمويل من مؤسسة "Care" الدولية.
وأوضح أبو السعود أن المشروع توقف نهائيا خلال الأسبوع الماضي بسبب عدم توفر التمويل لمؤسسة "Care"، وبالتالي لم تعد قادرة على تغطية النفقات، وكذلك فإن لجان العمل الصحي لن تستطيع توفير أي خدمات صحية دون دعم أو تمويل.
وبهذا السياق أكد عازم حج محمد رئيس مجلس فروش بيت دجن أن القرية الآن باتت في وضع لا تحسد عليه، كما أصبح الوضع أصعب من السابق فلا خدمات تقدمها لجان العمل الصحي ولا خدمات تقدمها الحكومة، مما قد يتسبب في تفاقم بعض الحالات المرضية لدى السكان، أو تكليفهم الكثير من المال للوصول إلى نابلس أو أريحا لتلقي العلاج.
من جهته أكد خالد قادري مدير الصحة في نابلس أن قرية فروش بيت دجن تعاني من وضع خاص، وهي بحاجة لأن تكون فيها عيادة صحة، وخاصة أنها تقع خلف حاجز الحمرا الإسرائيلي، وبالتالي صعوبة خروج السكان من القرية بشكل مستمر لتلقي العلاج في المناطق الأخرى.
وأوضح أن مجلس فروش بيت دجن قام بتوفير مكان لإقامة عيادة الصحة فيه، إلا أن موضوع العيادة متوقف على التعيينات التي وعدت بها وزارة الصحة مع بداية العام، وبالتالي مديرية صحة نابلس تنتظر تعيين كوادر جديدة لفرز طبيب وممرض لقرية فروش بيت دجن، منوها أن دوام الطبيب سيكون مرتين أسبوعيا ودوام الممرض سيكون بشكل يومي.
وحول الموعد المتوقع لبداية عمل العيادة الحكومية في فروش بيت دجن أكد أنه حتى الآن لا يوجد موعد محدد لذلك، وكل الأمر متوقف على التعيينات، موضحا أن الأهالي يمكنهم في الوقت الحالي الاستفادة من الخدمات الطبية المتوفرة في عيادتي النصارية والجفتلك اللتين تبعد كل منهما مسافة 7 كيلو متر عن فروش بيت دجن.
وردا على ذلك أكد حج محمد أن الاعتماد على المراكز الطبية المتواجدة في القرى المجاورة غير عملي وغير مجد بالنسبة لأهالي فروش بيت دجن، بسبب عدم توفر المواصلات بشكل مباشر مع هذه القرى، وبالتالي سيضطر السكان للذهاب إلى نابلس مما يكلف المزيد من الوقت والمال، وقد يصل المريض بعد فوات الأوان.
يذكر أن قرية فروش بيت دجن تعاني من الاستيطان والسيطرة الإسرائيلية، حيث تبلغ مساحتها 14 ألف دونم، يسيطر الاحتلال على 11 ألف دونم منها، وتعاني القرية من التهميش الرسمي بشكل ملحوظ، فالبنية التحتية فيها ضعيفة جدا، ولم يمض على امدادها بالتيار الكهربائي سوى عامين، حيث تم امدادها بالتيار الكهربائي من خلال الآبار الارتوازية التي تحصل على الكهرباء القطرية الإسرائيلية، وتكلفة الكهرباء تعتبر مرتفعة مقارنة ببقية القرى. كما تحتوي القرية على مدرسة حكومية وحيدة ومختلطة يدرس فيها الطلاب من الصف الأول الابتدائي وحتى العاشر، ويبلغ عدد سكانها قرابة الـ 1200 نسمة.