بقلم:حياة دوابشة
خالتي فلاحة بسيطة كل صباحٍ بالنسبة لها عنوانٌ لمجازفةٍ جديدةٍ، لن تغلبها العصافير في النشاط ولن يتاح لقطرات الندى المتجمدة على الورق من برودة الليلة السابقة أن تذوب قبل استيقاظها.
الطابون حضنها والخبز من تحت يديها يحكي لك قصصاً لم ترو بعد تُقلّب فرضات العجين تُحيلها خبزاً وبدقةٍ متناهيةٍ تنهي فرضاً صباحياً منعشاً.
خالتي لم تدرس يوماً علم السياسة ولم تعلم أن مجازفاتها الكثيرة ستوقعها في معارك قانونية ...كل ما تريده هو حياة بسيطة فماذا فعلت خالتي مع السياسة ؟لا شيء خطير.
ذات صباح قررت بهمةٍ متعاليةٍ أن تجريَ عمليةً فريدةً بعد أن أهلكتها الدجاجات، نعم فلخالتي مجموعة من الدجاجات الكسولات لم يتعودن بعد نشاطها، هؤلاء الدجاجات البلديات كما تصفهن الخالة لا طاقة لهن بالرقود الطويل فوق البيض ولكن خالتي بحنكتها وجدت الحل ... ستجري تجربة بريئة... فكرت خالتي ولكن الضحك سبقها مع فكرةٍ مفادها لا لن يكون النجاح حليف هذه التجربة، ولكنها أصرت فهي عنوان المجازفات .
خالتي معجبة ببطةٍ لها ...متفانيةٍ ترقد على بيضها فيفقس بسرعةٍ ثم تراقب من بعيد وهي ترتب البطات الصغيرة في طابورٍ شديد الانتظام تنظر للبطة وتجول بعينيها الغاضبتين بحثاً عن الدجاجات فتراهن منشغلاتٍ بنقش الأرض، والبيض هناك ينتظر الحضن الدافئ.
كان لا بد لخالتي أن تعود لتلك الفكرة فالبيض لن يفقس وحده مازال ينتظر، حزمت أمرها تلك الفلاحة البريئة وخدعت البطة ذلك الصباح ماذا فعلت خالتي؟ أه لا شيء خطير.
وضعت بخفةٍ وسلاسةٍ بيضات الدجاجات الكسولات تحت البطة البريئة وجعلتها تحمل هم تفقيسها كلها، وأذعنت البطة، خالتي لم تعلم أنها ضربت وتراً حساساً ولم تدرس العواقب جيداً.
خالتي عادت لعملها اليومي ترقب كل يومٍ البطة وتنتظر بفارغ الصبر أن تنجح فكرتها والبطة الحنون جارت خالتي ورقدت ورقدت... أما الدجاجات المضربات عن الرقود وقفن من بعيد يراقبن المكان ويتحسّرن على خالتي ويتهامسن فيما بينهن" إنها بريئة لا تعلم أن القشر سيحنّ لعوده".
ذات صباحٍ رأت خالتي البطة وقد انهمكت في عملٍ عقيم فالفراخ جاءت وحان وقت التربية، حاولت البطة المسكينة أن تستذكر زمن هز الأرداف زمن الصف المرتب لأولادها تهز جناحيها فيقفوا في طابور منتظم، لكن لن يحدث هذا قريباً خالتي ما زالت تراقب والبطة ما زالت تحاول خالتي يئست والبطة لم تيأس ولكن دون جدوى كلما أنهت ترتيب الصف عادت الفراخ لتتبعثر من جديد، وكان على البطة المسكينة أن تعيد الكرة مراتٍ كثيرةٍ.
خالتي دون قصد دخلت معترك السياسة وكان لا بد أن نربط الحكاية بكل معالم السواد التي تشوب حكم العرب، هكذا يفعل الحاكم يلوم شعبه فيزول، ويلومه الشعب فيزول، وهي دائرةٌ لن تنتهيَ كدائرة بطة خالتي سيحاول الحاكم أن يعيد شعبه لرشده ولن يرضخ الشعب سيظل يعيد العبارة الشهيرة "نريد إسقاطك" سيحاول الطرفان التوصل لحل وكذلك ستفعل البطة ستفكر وسيفكر الحاكم ستفكر الفراخ وستفكر خالتي وسيفكر الشعب، ولن تنتهي الحلقة أبداً.
إن أمعنت النظر فهي حالتنا بحتة هناك في الزاوية، والمضحك أن خالتي لم تدرك أنها أصابت ذلك الوتر الحساس، حكومتنا الرشيدة ما زالت تنظم الشعب تصلح الصف، نعم ألم تسمعوا الاغنية وحدنا الصف بصراحة لا أعلم عن أي صف يتحدثون، ربما يكون صف المدرسة الصباحي في قريتي فقد تم توحيد أطفاله الأشقياء أخيراً وعمليات المصالحة نعم تجري على قدم وساق، وما زالت حتى شلت القدم واضمحلت الساق، وعملية ترقيع نعم بنيت فوق الحضيض جسوراً وما تحت الحضيض بقي ينتظر، إنه هناك يضع يده على وجهه ويهز رأسه ويقول: لا نهاية في الأفق لقد غدا الحضيض فيلسوفاً في بلادنا.
عودةٌ لخالتي فهي قصتها كما تعلمون، خالتي ترقب البطة، ستكبر خالتي وسترى أمامها تلك البطة كل يوم عندما يفتح ابنها الشقي التلفاز، ستراها في مؤتمر مصالحة وسترى لافتاتٍ مرفوعةٍ منصوبةٍ ومجرورةٍ بالخيبة حتى لا تعتب اللغة العربية علينا، مفادها "الشعب يريد نظاماً عادل" وسترى الشعب الثائر، خالتي ستضحك وستسرد قصة البطة وهي تقول إذا استطاعت البطة تنظيم فراخها، فأعد بأن المشاكل السياسية العربية ستنتهي.