الرئيسية / الأخبار / فلسطين
ارتفاع خطير في العنف الرقمي ضد الفلسطينيين
تاريخ النشر: الأحد 13/04/2025 05:52
ارتفاع خطير في العنف الرقمي ضد الفلسطينيين
ارتفاع خطير في العنف الرقمي ضد الفلسطينيين

كشف "مؤشّر العنصريّة والتحريض 2024" الصادر عن "حملة - المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي"، عن ارتفاع خطير في خطاب الكراهيّة والعنف الرقميّ ضد الفلسطينيّين. وقد رصد المؤشّر، على مدار السنة الماضية، 482,041 محتوى عنيفًا وتحريضيًا، أي بمعدل 23.6 منشورًا في الدقيقة، وهو ما يعكس تزايدًا مقلقًا في استخدام الفضاء الرقميّ كأداة لنشر العداء والتحريض.

 

ويشير التقرير إلى ارتباط وثيق بين تصاعد خطاب الكراهية والتطوّرات السياسيّة والعسكريّة، خصوصًا خلال الإبادة الجماعية التي تستهدف الفلسطينيين في غزّة. ويوضح أن الدوافع السياسيّة والعرقيّة والدينيّة كانت المحرّك الرئيسي وراء تصاعد هذا الخطاب الذي يستهدف الفلسطينيين أينما وُجدوا.

ويُشكّل العنف الرقميّ المفعم بالكراهية تجاه الفلسطينيّين، وفقًا للتقرير، انعكاسًا للعنف الممارَس على أرض الواقع، ويغذّي أحدُهما الآخر، حيث اجتاحت النداءاتُ الداعية إلى تكثيف القصف والقتل المنصّات الإلكترونيّة، بينما نشر جنود إسرائيليون على وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات توثّق ممارساتهم العنيفة تجاه الفلسطينيين والفلسطينيات، مما يساهم في تأجيج الإجرام والقتل بحقّ الفلسطينيين وشيطنتهم.

ووصف "حملة" موجة العنف الرقميّ التي شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي باللغة العبريّة منذ السابع من أكتوبر بأنها "هوجاء"، مشيرًا إلى رصد سبعة ملايين مثال على المحتوى العبري العنيف ضد الفلسطينيين في الفترة الممتدة بين كانون الثاني وأيلول 2023 على المنصّات الإلكترونيّة المختلفة.

ويميل ميزان توزّع المحتوى العنيف بشكل كبير لصالح منصّة "إكس" (تويتر سابقًا)، رغم الانتشار الأوسع لمنصّة "فيسبوك" بين الإسرائيليين، وهو ما يشير إلى أن المنصّة المذكورة لا تراقب إطلاقًا المحتوى المنشور باللغة العبريّة، كما يُبرز ليونة وعدم نجاعة آليات الرقابة التي تستعملها "فيسبوك" على المحتوى العبري، بعكس ما هو معمول به بالنسبة للمحتوى العربي، مثلًا.

بالمقابل، لا تزال السلطات الإسرائيليّة تقمع وتعتقل مواطنيها الفلسطينيين لمجرد نشرهم محتوى يعبّر عن تضامنهم مع الفلسطينيين في غزّة، ويترافق ذلك مع حملات كراهية وتحريض علنيّة يقودها وزراء وسياسيون ونوّاب في الكنيست ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، دون التعرّض لأي إجراءات قانونيّة، الأمر الذي يسلّط الضوء على ازدواجيّة المعايير في إنفاذ القانون على الشبكة وخارجها.

وفي المحور المخصّص للمقدسيّين، وثّق التقرير 8,484 منشورًا تحريضيًا وعنيفًا ضد الفلسطينيين المقدسيّين، معظمها على منصّة "إكس"، في ما وصفه بأنه مؤشّر خطير على الاستهداف الممنهج لهذه الفئة.

بينما وثّق في المحور الذي خُصّص لرصد ظاهرة الفرح والشماتة بمقتل وإصابة فلسطينيين في الداخل جرّاء سقوط الصواريخ في بلداتهم، 9,289 منشورًا عبّر فيها مستخدمون إسرائيليون على وسائل التواصل الاجتماعي عن فرحهم بمقتل فلسطينيين جرّاء القصف، وهي ظاهرة تكشف عن التطبيع المتزايد مع خطاب العنف الرقميّ في إسرائيل، واستخدام الفضاء الرقميّ كأداة لتعزيز العنصريّة والتشجيع على التحريض، كما ورد في التقرير.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" محرر التقرير ومدير المناصرة في مركز "حملة"، جلال أبو خاطر، لإلقاء المزيد من الضوء على الموضوع.

"عرب 48": النتائج غير مفاجئة نسبة إلى ما يحدث في الواقع من حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وامتداداتها في الضفة الغربية ومخيّماتها، وتداعيات ذلك على كل الفلسطينيين، وخاصة في القدس والداخل. لكن توقّعاتنا كانت أن تكون الساحة الرقمية أكثر ضبطًا ورقابة على العنف والتحريض؟


جلال أبو خاطر
أبو خاطر: هو عالم واحد، في ساحة الواقع وفي الساحة الافتراضية، وبالتالي فإن الهيمنة فيه واحدة هنا وهناك. وتدريجيًا تحتل الساحة الرقمية أهمية خاصة، ما يجعل من الضروري الالتفات إليها ورصد تفاعلاتها، وهو ما نقوم به في مركز "حملة – المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي". وفي هذا السياق، قمنا في عام 2023 بتطوير "مؤشّر العنصرية"، وكانت الفكرة أن يعمل بواسطة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، من خلال برنامج محدد لرصد كمّ ونمط خطاب الكراهية – الخطاب العنيف الذي يحرض على الفلسطينيين – باللغة العبرية على منصات التواصل الاجتماعي.

ومع بداية حرب الإبادة على غزة، رأينا كيف أن هذا المؤشر أعطانا تصورًا واسعًا عن حجم خطاب الكراهية التحريضي، خطاب الإبادة والتحريض على العنف المنتشر على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة منصة "إكس" (تويتر سابقًا) و"فيسبوك"، حيث استطعنا إجراء تحليل لكمّ كبير من بياناتها.

وكان الهدف رصد كمّ المحتوى العنيف وأنماطه بناءً على أوقات وفترات معينة، وفحص مدى ارتباطه بالعنف الممارس على أرض الواقع. وقد ساعدنا هذا المؤشر على الربط بين الخطاب العنيف والممارسات العنيفة الحاصلة على أرض الواقع، وتصاعده مع تصاعدها، والعكس أيضًا. فلاحظنا ارتباط تصاعد الخطاب العنيف مع الهجمات الحاصلة في المخيمات ومناطق أخرى في الضفة، ومع تصعيد ممارسات الإبادة في غزة.

أما الهدف من هذا التوثيق، فهو، بالإضافة إلى الوعي بالشيء، رفع تقارير إلى الشركات المسؤولة عن هذه المنصات، وإلى الجهات الأممية والجهات المختصة بمحاسبة هذه الشركات في الاتحاد الأوروبي مثلًا، حيث تشكّل هذه التقارير أدلة على عدم التزام هذه الشركات بحذف الخطاب العنيف والخطاب غير القانوني، وتواطؤها مع نشر خطاب عنف ضد الفلسطينيين يبرّر العقاب الجماعي والتحريض على الإبادة، ومن ثم إيجاد طرق لمحاسبة هذه الشركات.

"عرب 48": المؤشر يعكس من جهة حجم التحريض السائد ضد الفلسطينيين في الشارع الإسرائيلي وامتداده في الساحة الرقمية، بقدر ما يعكس غياب الرقابة على المحتوى العبري في منصات التواصل الاجتماعي، وبالتالي إطلاق يد التحريض على الفلسطينيين مقابل فرض المزيد من القيود على المحتوى العربي بشكل يمسّ بحرية التعبير عن الرأي؟

أبو خاطر: كما أشرنا، فإن المؤشر يعطينا تصورًا عن كمّ الخطاب التحريضي واتساع انتشاره في فترات معينة، مثلما يوفّر لنا فرصة لتوثيق الخطاب العنيف المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بالأدلة. ونحن في مركز حملة، من خلال "مرصد حر – المرصد الفلسطيني لانتهاكات الحقوق الرقمية"، نرى أن وسائل التواصل الاجتماعي تمارس سياسة تمييزية ضد الفلسطينيين، وضد المحتوى الفلسطيني بشكل خاص، وأن هناك تكميم أفواه بشكل كبير، يُترجم بإغلاق حسابات، حذف محتوى، وغيرها من الإجراءات التي تعمل على تقييد وصول المحتوى الفلسطيني بشكل واضح وممنهج.

بالمقابل، نرى أن هناك انتشارًا واسعًا لخطاب التحريض ضد الفلسطينيين باللغة العبرية، وقد قمنا خلال السنتين الأخيرتين بتوثيق تزامن انتشار هذا الخطاب مع حذف واسع وممنهج لأي محتوى فلسطيني مرتبط بالسياسة والأوضاع الراهنة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى فيسبوك بشكل خاص.

سياسات هذه المنصات هي سياسات تمييزية ضد المحتوى الفلسطيني، ومن الواضح أنها لا تُبدي أي اهتمام كافٍ بالاستثمار في مراقبة المحتوى العنيف عندما يستهدف الفلسطينيين، وليس السبب فقط أن اللغة العبرية تُعدّ لغة صغيرة بالنسبة لهذه الشركات.

"عرب 48": المؤشر تناول محاور خاصة مثل "القدس"، هل كانت هناك مميزات خاصة للمقدسيين؟

أبو خاطر: المقدسيون يتعرضون لخطاب تحريضي يشكّل جزءًا من النمط العام الواسع الذي يتعرض له الفلسطينيون من خطاب كراهية وعنف. ويعكس هذا الخطاب التحدي الدائم الذي يواجهه الفلسطينيون القابعون تحت الاحتلال، حيث يُستخدم خطاب الكراهية كأداة لتعميق تهميش المقدسيين وشيطنتهم.

عرب 48: خصصتم مسألة سقوط الصواريخ في البلدات الفلسطينية في الداخل بمحور خاص أيضًا؟

أبو خاطر: هذا المحور شكّل جزءًا مهمًا في التقرير، فقد لاحظنا تزامنًا بين ارتفاع منسوب خطاب الكراهية وسقوط صواريخ أُطلقت من غزة أو من لبنان على بلدات عربية. وعند تحليل لغة الخطاب، وجدنا طغيان الشماتة والتشفّي بفلسطينيي الداخل، تمثّل بجمل تحريضية من قبيل: "جميل أن تسقط الصواريخ عليهم"، "يا له من أمر رائع"، "هؤلاء أعداؤنا يقتلون بعضهم".

إنها مصطلحات بسيطة، لكنها تعطينا فكرة عن نوعية الخطاب السائد في تلك الفترة، والحديث يدور عن آلاف الحالات خلال فترات زمنية قصيرة، وهو ما يشير إلى نمط واسع يتعرض له الفلسطينيون أينما كانوا، سواء في غزة أو الضفة أو القدس أو الداخل، طوال مدة حرب الإبادة المتواصلة على غزة.

"عرب 48": هل خرج التقرير برسائل أو توصيات للحد من انتشار خطاب التحريض والعنف ضد الفلسطينيين على المنصات الرقمية؟

أبو خاطر: تقرير "مؤشّر العنصرية والتحريض لعام 2024" أكّد الحاجة الملحّة لاتخاذ خطوات عملية وعاجلة للحد من تصاعد العداء الرقمي ضد الفلسطينيين، وضمان أن تكون المنصات الرقمية مساحات آمنة للجميع، لا بيئة لإنتاج العنف والتحريض.
ودعا إلى اتخاذ تدابير صارمة من قِبل منصات التواصل الاجتماعي، والمجتمع الدولي، وصنّاع القرار، للحد من تصاعد خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين، من خلال تعزيز آليات الإشراف على المحتوى، وحذف المحتوى العنيف والتحريضي باللغة العبرية بالمستوى نفسه المفروض على اللغات الأخرى، وخاصة اللغة العربية، وإجراء تقييمات مستقلة وعلنية حول تأثير منصات التواصل الاجتماعي على حقوق الإنسان، وتخصيص موارد لغوية وتقنية لمراقبة المحتوى العبري لضمان عدم استغلال المنصات للتحريض.

كما شدد التقرير على ضرورة ضمان الشفافية والمساءلة في التعامل مع تقارير انتهاكات الحقوق الرقمية، وإشراك المجتمع المدني الفلسطيني في تطوير آليات الرقابة، ومنع استخدام التقنيات الرقمية في التحريض على العنف أو تسهيل جرائم الحرب.

جلال أبو خاطر: مدافع حقوقي من القدس، يعمل مدير المناصرة في "حملة" - المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي.

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017