الرئيسية / ثقافة وأدب
«هوا بحري».. بحث لا يتوقف عن مدينة الأحلام
تاريخ النشر: الأثنين 27/03/2017 08:30
«هوا بحري».. بحث لا يتوقف عن مدينة الأحلام
«هوا بحري».. بحث لا يتوقف عن مدينة الأحلام

 الشارقة: محمد ولد محمد سالم
المسرح خطاب بشري من مرسل إلى مستقبل يسعى إلى توصيل رسالة عبر الرموز التي يصوغها ذلك الخطاب، سواء بقينا على مستوى النص المسرحي أو انتقلنا إلى مستوى العرض، وفي العروض الدرامية تكون الحكاية وما يصنعه لها المخرج من فضاء بصري، هي تلك الرموز التي على المستقبل (المتفرج) أن يفكها ويستخلص منها مضامين الرسالة التي هي في النهاية رؤية المخرج، وفي العروض التجريبية يكون التشابه أو التضاد، والتكرار، ووحدة السياق، ووحدة الدلالة التأويلية للّوحات المختلفة، والإشارات البصرية المختلفة في فضاء العرض، هي الرموز التي على المتفرج أن يفككها، ويعيد تركيبها ليصنع منها دلالة معينة، ويخلص منها إلى رؤية العرض.
هذه المقدمة ضرورية للدخول إلى مسرحية «هوا بحري» لمسرح أبوظبي من تأليف صالح كرامة، وإخراج محسن محمد، التي عرضت مساء أمس الأول على خشبة معهد الشارقة للفنون المسرحية في إطار الدورة السابعة والعشرين من أيام الشارقة المسرحية، وهي تعرض خارج المسابقة، وقد مثل فيها كل من الفنان محمد غباشي، وبدر الرئيسي وعبدالله أنور وعلي الحيالي، فهي مسرحية مُلْغِزة، مليئة بالرموز التي يحار الفكر في تأويلها، ويتعب في صناعة وحدة رؤيوية منها.

 

تقدم المسرحية أربع لوحات منفصلة تعرض كل منها وضعاً بشرياً معيناً، وليس بينها في الظاهر أية روابط، في اللوحة الأولى أربعة رجال في فضاء مؤثث بقطع من المكعبات والمستطيلات وعدة أشكال أخرى بيضاء كأنه منطقة جليدية، وكأنهم محاصرون هناك، ويبحثون عن مدينة ضائعة، يشاهد أحدهم خيالها في الأفق البعيد، وكأنها تزحف نحوه، بيد أنها لا تقترب، ويدقق أصحابه في الأفق بحثاً عنها فلا يرون سوى قطع الغمام المتربة، ويرى أحدهم راعياً يسوق غنمه، فيستبشرون به لكنه يصعد في الهواء وينفجر.
وفي اللوحة الثانية يتحول المشهد إلى سجن، فيه سجينان، يدخل عليهما الحارس ويبدأ في تعذيبهما، واحداً واحداً، وأثناء ذلك يقول لهما إنه يعذبهما لكي يتوقفا عن التفكير، ويهددهما بأنه سوف يأتي بالكلب الشرس «لافي»، ويطلقه عليهما، ويخرج السجان تاركاً إياهما فريستين للرعب.
وفي اللوحة الثالثة، مشهد بيت أسرة، حيث تقوم مشادة بين الرجل وزوجته التي تقمص أحد الممثلين الأربعة دورها، ويدخل ولداهما، وتشد المشادة، حتى تقول له المرأة إنه ليس رجلاً، وإنه لا ينجب، وتلومه على أنه أدخل الغرباء إلى البيت وسلمها لهم، ولا ينكر الزوج ذلك، ويصرح بأن الغرباء أغروه بالعمل، وبأنه سيتفوق وسيعيش سعيداً، وظن أنه بذلك سوف يدافع عن مدينته، وسيستعيدها، لكنه فشل، وخسر مدينته، ثم يلفت الزوج إلى ولديه، ويقول لهما خذاني إلى مدينتي، وتتركز الإضاءة عليه وحده، وهو يكرر خذاني إلى مدينتي.
وفي اللوحة الرابعة يعود المشهد الأول حيث الأشخاص الأربعة المنهمكون في دوامة البحث عن المدينة، ويشتد بحثهم، فيقول واحد منهم، إنه ليس في حاجة للبحث عن مدينته، لأنه قد وضعها في قلبه، ومتى ما أراد العثور عليها، سيستخرجها من قلبه، ويستحضر صورتها.
ما الذي يجمع هذا الشتات من اللوحات؟، وما الذي يريد العرض أن يوصله إلينا؟.
إذا استثنينا العلاقة الواضحة بين المشهد الأول والأخير، فإن العلاقة بينهما وبين المشاهدين الآخرين غير واضحة، وكذلك العلاقة بين المشهدين الآخرين في ذاتهما، فلم تقم المسرحية رابطة بين السجن وبيت الأسرة، مثلاً، ولا بين مشهد السجن ومشهد الافتتاح، وليست هناك رابطة سوى الممثلين الأربعة الذين يظهرون في المشاهد كلها، لكن ظهورهم بأدوار متعددة، ومتباينة لا يسمح بإقامة رابطة، فمثلاً، بدر الرئيس تقمص ثلاثة أدوار مختلفة، فهو في الأول أحد الرجال الأربعة الحائرين، وهو في الثاني السجان، وفي الثالث طفل.
الخيط الوحيد الذي يمكن أن نجده رابطاً بين المشاهد هو البحث عن المدينة الذي شغل المشهدين الأول والأخير، وختم به المشهد الثالث، فقد تذكر الزوج مدينته، وأراد أن يذهب إليها، لكن مشهد السجن، لا يشير من قريب ولا من بعيد إلى المدينة، وحتى لو قبلنا بالبحث عن المدينة موضوعاً، فما هي الرؤية التي نجنيها من وراء مشهد أشخاص محصورين في مكان واحد يتطلعون في الأفق بحثاً عن مدينة، إن الفعل هنا متوقف، ولا يتحرك إلى الأمام، دوامة ذهابٍ وجيئةٍ، لا تتحرك إلاّ في اللقطة الأخيرة عندما يقول الممثل إنه يضع مدينته في القلب، ويترافق الأربعة ويتحركون خارج المكان بحثاً عن مدينتهم، فما الذي يشير إليه ذلك؟
لعبت الإضاءة دوراً جيداً في إعطاء فضاء الحدث الذي يجري في المكان، فعكست أجواء البحث والترقب، وعدم وضوح الرؤية في المشهدين، الأول والأخير، وأجواء السجن، حيث العتمة، والضوء الساقط من الفتحات الصغيرة، وشباك الباب، وكذلك أجواء المنزل بالإضاءة البيضاء المفتوحة، وكان ذلك عملاً متقناً، لكنها لم تزد على أن أكدت الحدث، ولم تضف إشارات تسهم في الفهم، وكان زمن الإظلام بين المشاهد طويلاً ومعتماً، خاصة مع وجود الحركة الدائبة للممثلين الذين يغيرون الأثاث، وهم يحملون مصابيح يدوية صغيرة، وكان يمكن استغلاله بطريقة تدمجه في العرض، ليكون خفيفاً، أما على مستوى التمثيل فكان في العموم جيداً، وظهر أثر الاحتراف والتجربة على الفنان محمد غباشي، وعموماً فإن التغير المتواصل للأدوار في عرض قصير مثل هذا العرض الذي لم يتجاوز خمساً وأربعين دقيقة، لا يعطي للممثل فرصة تعميق دوره، وإبراز قدراته. 


نقلا عن صحيفة الخليج 
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017