بقلم د خالد عبد الحق
لم تكن عملية القنيطرة مجرد عملية عسكرية تستهدف مجموعة من أفراد المقاومة, أعقبها رد من حزب الله, ولم يكن هذا الرد بمثابة النقطة على السطر الأخير في هذه الصفحة, بل هي انعكاس لمجمل الرسائل العملية التي أرادت كل الأطراف توجيهها, فإذا كانت رسالة الرئيس الأسد حول فتح جبهة الجولان, بعد سلسلة الغارات الإسرائيلية على العديد من المنشآت السورية, قد فهمها الجانب الإسرائيلي على أنها لا تتجاوز التعبير عن رد الفعل, ومجرد تلويح بهذه الورقة, فإن الجانب السوري ومعه محور المقاومة كان يعني حرفيا مكنونات هذه الرسالة, ولم تأتي رسالته من فراغ, وإنما تعبيرا حقيقيا عما أراده محور المقاومة من ورائها.
وفي العرف السياسي لا يمكن التصريح عن خطوة قيد الدراسة أو البحث؛ بحيث تجعل الطرف الآخر مستعدا وجاهزا لها وقادرا على اتخاذ الخطوات الاستباقية لها, مما يعني أن قرار فتح جبهة الجولان واستكمال الاستعداد لها سبق إعلان الرئيس الأسد, بل أن التحضير لها بدأ منذ زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى سوريا في العام 2010, وبدأت الخطوات العملية لها بما في ذلك التخطيط والتجهيز والخدمات اللوجستية منذ ذلك التاريخ, بتنسيق ما بين الحكومة السورية وحزب الله والحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس الإيراني.
الهواجس الإسرائيلية من تنامي قدرات وتواجد حزب الله في الجولان السوري, وتزايد وجود عناصره مع الخبراء العسكريين الإيرانيين, وضعف المعلومات الاستخبارية الدقيقة لديه حول ما يجري على الأرض, دفعه إلى تكثيف جهوده الاستخبارية بشكل يجعله قادرا على فهم طبيعة هذه التحركات وتحديد طبيعة رده ومواجهته لها, مما دفعه إلى استهداف مجموعة القنيطرة, محاولا توصيل رسالة شديدة اللهجة, ليس لسوريا أو لحزب الله فحسب, وإنما لمجمل محور المقاومة, بأن إسرائيل لن تسمح بوجود حزب الله أو إيران على أرض الجولان السوري, لكن عنف الرد الذي وجههه حزب الله للمؤسستين العسكرية والسياسية الاسرائيلية في مزارع شبعا كان رسالة أشد بلاغة وقوة من الرسالة الإسرائيلية, جعلت الحكومة الإسرائيلية تقف عاجزة عن اتخاذ أي خطوة مقابلة, وتقبل بامتصاص الضربة والتريث لدراسة وتقييم الوضع والقدرات على الأرض والنتائج لأي خطوة قادمة وما قد تتمخض عنه هذه النتائج.
عملية القنيطرة لا يمكن وصفها بالعملية العسكرية التي تستهدف مجموعة من المجاهدين, أو أنها تأتي في سياق العمليات العسكرية الإسرائيلية ذات الطابع الإستباقي, بل أنها كانت الفرصة الذهبية التي كان ينتظرها محور المقاومة لتحقيق جملة من المكاسب السياسية والعسكرية أهمها:
1- انفراط عقد الهدنة وفض الاشتباك على الجبهة السورية.
2- شرعية المقاومة الوطنية والشعبية السورية في الجولان بطرفيه المحرر والمحتل.
3- الإعلان رسميا عن إلغاء كل قواعد الاشتباك التي سادت مع إسرائيل في الحقبات الماضية.
4- دخول إيران رسميا وعلنيا إلى جبهة الجولان.
5- الإعلان رسميا عن وحدة الجبهات المقاومة ضد إسرائيل.
6- التأكيد على أن إسرائيل لم تعد صاحبة اليد الطولى في مجريات الصراع العربي الصهيوني ولم تعد هي القوة العظمى في المنطقة القادرة على تحقيق النصر في أي معركة تخوضها.
7- إثبات أن قرار الحرب لم يعد بيد إسرائيل.
8- الإعلان الضمني عن فتح جبهة الجولان.
ومع أن الهدوء الظاهر قد أعقب عملية مزارع شبعا؛ إلا أن حقيقة الأمر مخالفة لكل ما يظهره هذا الهدوء, فثمة تغيرات استراتيجية تشهدها ساحة الجولان, تنطلق من تخطيط سليم وبعدا استراتيجيا يقلب كل الموازين في هذه الرقعة المرشحة للتأجج بنيران الصراع الذي تحول إلى صراع إقليمي ببعد دولي, ينطلق من لعبة الأقطاب الدولية ولا ينتهي عند صراع المحاور الإقليمية, ولا يمكن له أن يقف عند حدود التوجهات الآيدولوجية التي تحكم سياسات وتوجهات محور المقاومة, سواء لدى حزب البعث العربي الاشتراكي, الذي يرنو إلى العودة للساحة القومية العربية, مسلحا بنصر مؤزر, ومؤكدا على أنه لا زال القادر على حمل رسالة الأمة, والمتمسك بمركزية القضية الفلسطينية وحلم التحرير, أو لدى حزب الله الذي سيعمل على تعزيز انتصاراته, والتأكيد على أن بوصلته ما زالت موجهة نحو التحرير ومواجهة إسرائيل, وكذلك إيران التي تحاول التأكيد على أنها قائدة المحور الأقوى في المنطقة, والقادرة على ترسيخ أهداف ثورتها الإسلامية, وقدرتها على مواجهة أعدائها التقليديين أميركا وإسرائيل.
كل المؤشرات الواردة من الجولان تشير إلى أن هذه الجبهة ستشتعل دون سابق إنذار, انطلاقا من طبيعة المتغيرات التي تشهدها؛ فالقرار بتحرير المنطقة الواقعة ما بين ريف دمشق الجنوبي ومحافظتي درعا والقنيطرة وصولا إلى خطوط فك الاشتباك مع الجانب الإسرائيلي في الجولان المحتل, وطبيعة الإنجازات الجبارة التي حققها ولا يزال الجيش العربي السوري, والتقهقر الغير مسبوق لجبهة النصرة والجيش الحر, يشير إلى جدية هذا القرار الذي تم الإعداد له جيدا, فضلا عن تجهيز مقاتلي حزب الله وفيلق القدس الإيراني ومقاتلي لجان المقاومة الشعبية السورية, التي يتوقع الإعلان عن تشكيلها فور الانتهاء من معركة تحرير الجولان من المعارضة المسلحة, كل ذلك يوضح ملامح القوة العسكرية المقاومة التي ستغطي المنطقة وتكون مسؤوليتها تنفيذ عمليات المقاومة ضد إسرائيل.
إذن ملامح الصورة بدأت تتشكل, ولكن ماذا عن المقاومة الفلسطينية ودورها في هذا التشكل وموقعها من هذه الصورة؟ وما علاقة ذلك بتصريح الزهار ومطالبته بتشكيل قوى لكتائب القسام في دول المواجهة مع إسرائيل؟ فهذا التصريح لم يأت من فراغ, ولم يكن مجرد تصريح لمسؤول وقيادي في حركة حماس, بل جاء نتيجة استشعار حماس لطبيعة الدور الفلسطيني في وحدة الجبهات ضد إسرائيل, حيث من المتوقع أن يسند لبعض الفصائل الفلسطينية المقاومة دورا هاما في مجريات الأحداث في هذه الجبهة إلى جانب قوى محور المقاومة التي سبق الإشارة إليها.
ومن هذه الفصائل حركة الجهاد الإسلامي التي تربطها علاقات متطورة مع إيران وحزب الله, وكذلك الجبهة الشعبية – القيادة العامة, والتي جاءت زيارات مسوؤلي كلا الفصيلين إلى إيران مؤخرا لتصب في هذا الاتجاه, إلى جانب إعادة إحياء وتأهيل معسكرات بعض فصائل المقاومة في سوريا, مما ولد الشعور لدى حماس بأن حركة الجهاد قد تأخذ الدور الطليعي والقيادي في العمل الفلسطيني ضمن محور المقاومة في الجولان, ويبقي حماس في حالة انكفاء في غزة, الأمر الذي دفع الزهار لإعلانه المذكور والذي يفسر على أنه طلب الإنضمام لهذا المحور.
كل الوقائع والمؤشرات تشير إلى أن المنطقة مقبلة على جملة من المتغيرات والأحداث التي تتطلب إعادة صياغة الاستراتيجيات والسياسات والمواقف والتوجهات, والتي لن تحتمل أي حياد بل تتطلب الوضوح في المواقف بما يتناسب مع طبيعتها.